هل ترتد نيران جبهة درعا على الأردن؟ دمشق – عبد الله سليمان علي
هل أرسل الأردن «مستشارين عسكريين» إلى درعا؟
مع المدى اللامتناهي للتدخل الأردني طوال الأعوام السابقة، في الجبهة الجنوبية من سوريا، يبدو السؤال غير ذي أهمية. فماذا سيقدم أو يؤخر أن يكون بضعة ضباط أردنيين قد دخلوا إلى درعا أو لم يدخلوا، طالما أن معظم قادة الفصائل المحسوبة على «الجيش الحر» يأتمرون بأوامر «غرفة عمليات ألموك» التي اتخذت منذ عامين ونيّف العاصمة عمان مقراً لها.
حجم ونوعية التقارير التي يُلزم هؤلاء «القادة»، بموجب عقود موقعة منهم، بتقديمها دورياً وبشكل منتظم إلى الغرفة التي يقبضون رواتبهم منها، وما تحويه هذه التقارير من أدق التفاصيل حول فصائلهم وأسلحتها وسلوك مرؤوسيهم وميولهم، لا تجعل الأردن بحاجة إلى إرسال عيون استخباراته للداخل وتعريضها للخطر.
ومع ذلك، فقد بدأ الهمس بين بعض نشطاء درعا يتزايد، حول وجود ضباط أردنيين داخل المحافظة مهمتهم مراقبة المعارك الدائرة بين مجموعة من الفصائل من جهة وبين «شهداء اليرموك» و«حركة المثنى» من جهة ثانية، في ريف المحافظة الغربي.
وقال لـ«السفير» ناشط درعاوي، رفض الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، إن الاستخبارات الأردنية غاضبة للغاية من قادة الفصائل المرتبطة مع «ألموك» بسبب فشلهم في منع تقدم «داعش». وأكد أنه «في آخر اجتماع لهم، قبل يومين، قام الضابط الأردني بتوبيخ عدد من هؤلاء القادة، واضعاً إياهم أمام خيار وحيد هو وجوب القضاء على أي ذيول تظهر لداعش في المحافظة، لأن الفشل يعني شيئاً واحداً هو أنكم متخاذلون ومتعاطفون معه». وهذا تهديد صريح باتهام أي فصيل يتخاذل عن القتال، بـ «الدعشنة»، بحسب الناشط.
وشدد على أن لديه معلومات مؤكدة حول وجود عدد من الضباط الأردنيين قرب ساحة المعارك في بلدة جلين. كما سمع أكثر من قيادي في «الجيش الحر» يتحدث عن انتقال الاجتماعات مع ضابط الاستخبارات الأردني من عمان إلى داخل درعا بسبب الظروف المستجدة، وضرورة متابعتها عن كثب.
ومما لا شك فيه أن التطورات التي حصلت في الجبهة الجنوبية لناحية الاختراق الواسع الذي أحدثه تنظيم «داعش» فيها، يعد دليلاً صارخاً على فشل الإستراتيجية التي كانت «غرفة عمليات ألموك» تعمل وفقها، والتي كانت تقضي بعدم السماح للفصائل الإسلامية المتطرفة بالهيمنة على المنطقة الجنوبية ومشارف العاصمة دمشق، مهما حدث. ويبدي الناشط استغرابه من ردة الفعل الأردنية، لأن «غرفة ألموك» ساهمت إلى حد بعيد في تفاقم الأوضاع ووصولها إلى هذه النقطة، وذلك من خلال وقف تمويلها للفصائل لأشهر عدة سبقت. ويشير إلى أن الفقر والحاجة دفعا الكثيرين إما إلى ترك السلاح أو طرق باب التنظيمات المتطرفة، وأولها «داعش» بسبب غناه.
وثمة العديد من المعطيات التي تؤكد أن قبضة الاستخبارات الأردنية على فصائل الجبهة الجنوبية تراخت بشكل ملحوظ منذ منتصف العام الماضي. والغريب أن جميع التوقعات اتجهت منذ البداية، إلى أن الحل الوحيد الذي سيكون ماثلاً أمام الفصائل، بعد وقف التمويل عنها، هو مبايعة «داعش» أو «جبهة النصرة»، ومع ذلك استمرت «غرفة ألموك» في الضغط على الفصائل من دون أدنى اهتمام. ولم تقرر إعادة التمويل الجزئي إلا منذ فترة قصيرة، بعد أن أَحَسَّت أن الأمور قد تخرج عن السيطرة.
كما ما زال من غير الواضح، لماذا قررت القيادة العامة لـ «جبهة النصرة» نقل «الأمير الأردني» أبو جليبيب من منصبه «أميراً» على درعا وتعيينه على الساحل الذي لم يبقَ فيه تحت سيطرتها سوى بضع قرى صغيرة. وقد اشتهر أبو جليبيب بمقولة «الأردن خط أحمر»، في إشارة إلى أنه لا يسمح بالمساس بالأمن الأردني أو حدوث أي أخطاء على الحدود معه. وهو ما منحه سمعة واسعة بأنه عميل للاستخبارات الأردنية. ولم تكن الأسباب التي ذكرت لتبرير عملية النقل، ومنها أنها متعلقة بأخطاء ارتكبها أبو جليبيب مقنعة، خصوصاً أن هناك الكثير من «أمراء جبهة النصرة» لم يعاقبوا بالنقل، برغم امتلاء سجلهم بالشنائع وليس بمجرد أخطاء. وعلى فرض صحة هذه الأسباب، فلماذا سُحب الأردني الآخر سامي العريدي «المسؤول الشرعي العام في جبهة النصرة»، وطلب منه الانتقال إلى إدلب بصحبة حوالي 200 عنصر غالبيتهم من «الشعيطات»؟.
هل كانت هذه الخطوة استباقية، دفعت إليها الخشية من أن يقدم أبو جليبيب على مبايعة «داعش» بما يعنيه ذلك من تسليمه درعا على طبق من ذهب وفق السيناريو نفسه الذي حدث في البوكمال من قبل؟ كل الاحتمالات واردة. ولكن هذا لا يلغي أن السلطات الأردنية فقدت قناةَ اتصالٍ وتأثيرٍ مهمةً كانت تربطها مع «قيادة النصرة الأردنية في درعا»، وكان الشيخ أبو محمد المقدسي هو صمام الأمان لهذه القناة، إذ كان يلعب دور الوسيط بين «الأمراء الأردنيين» واستخبارات الملك الأردني عندما تقتضي الحاجة.
ومع ذلك فإن تخلّي «النصرة» عن درعا بهذا الشكل تحت ستار «الإصلاح الداخلي» يثير الشك والريبة، لا سيما أنه جاء بالتزامن مع انكفاء «غرفة ألموك» عن القيام بدورها حيث كان بإمكان «النصرة» استغلال هذا الانكفاء لتعزيز وجودها في واحدة من أهم الجبهات الجنوبية وأكثرها إستراتيجية. فلماذا تعففت تاركةً الطريق ممهداً أمام خصمها اللدود «داعش» ليقطف «البيعات» من هنا وهناك؟.
هل سهّل الأردن بطريقة أو بأخرى حدوث هذا الانقلاب في الجبهة الجنوبية لمصلحة «داعش»، بهدف تهيئة الأرضية لتمرير خطة إقليمية معينة عندما تسنح الفرصة لذلك، أم على العكس سيكون هو أول من يدفع ثمن هذا الانقلاب في حال تمكن «داعش» بالفعل من الجلوس على عرش الجنوب، وما أحداث إربد ببعيدة؟
التحقق من وجود ضباط أردنيين داخل درعا أو عدم وجودهم لن يعطي جواباً حول ذلك. وحدها بوصلة القرار الأردني التي ستحسم الأمر، ولن يكون كافياً الإعلان عن رفض تكرار سيناريو عرسال في درعا، لأن مجرد الرفض لم ينقذ لبنان من قبل.
(السفير)