المقاومة وخبز الشعير
غالب قنديل
تحدثت المعلومات الصحافية عن اقتراب موعد مباشرة الولايات المتحدة إصدار القرارات التنفيذية التي يرتبها سريان القانون الصادر عن الكونغرس ضد حزب الله والذي نال في الكونغرس إجماعا من الحزبين المتنافسين فسره البعض بمصالحهما في استرضاء اللوبي الصهيوني في موسم الانتخابات الرئاسية ولكن النافر ان صدور القانون حصل بالتزامن مع تقدير مشترك لمعاهد الأبحاث الأمنية في الكيان الصهيوني باعتبار حزب الله تهديدا وجوديا رئيسيا للكيان بينما صرح وزير الحرب الصهيوني موشي يعلون قائلا إن لا أفق لكسب حرب خاطفة ضد حزب الله او توهم إمكانية القضاء عليه بعدما قدر ترسانة الحزب الصاروخية بمئة ألف صاروخ مكررا فحوى أقوال تسيبي ليفني في الأيام الأخيرة لعدوان تموز.
وغير بعيد عن ذلك التزامن الصهيوني الأميركي جاءت الحملة السعودية العدوانية الواسعة من خلال منصتي مجلس التعاون الخليجي وما يسمى بالجامعة العربية .
ليس أشد دلالة على استشعار جنرالات صهيون لمأزقهم الوجودي من نعيهم للحرب الخاطفة التي كانت عقيدة صهيونية راسخة ومظهرا لخرافة التفوق الصهيوني منذ اغتصاب فلسطين عام 1948 ويقينا إن العقوبات والقيود متعددة المستويات التي تزمع الإدارة الأميركية اتخاذها ضد مؤسسات الحزب الإعلامية وما سيرافق ذلك من افتراءات قد تطال مروحة واسعة من الأشخاص الطبيعيين والمعنويين في لبنان والبلاد العربية بتهمة مساعدة حزب الله ولمحاولة الحد من تنامي قدراته لن تفلح في تحقيق غاياتها ولا في إسعاف الكيان الصهيوني ومداواة عجزه امام الانتفاضة الثالثة وحركة المقاومة الجديدة التي يقودها فتيان وفتيات يستلهمون نموذج حزب الله وتجربته المبهرة في المقاومة فقد اختبر هذا النمط من التدابير وها هو العالم يشهد سقوطه وانهياره أمام الصمود الإيراني وقريبا سيتكرر المشهد اتجاه روسيا وسورية ولاحقا كوريا فالقوانين الموضوعية أفعل بكثير من رغبات المستعمرين العاجزين عن تحقيق نصر فعلي في الميادين.
المسألة الأشد خطورة من كل ما تقدم هو ما يمثله القانون الأميركي ومعه القرارات السعودية الخليجية من عدوان سافر على السيادة اللبنانية وعلى استقلال لبنان باستهداف القوة الحامية التي تردع العربدة الصهيونية والتهديد المتواصل بغزو لبنان عسكريا من جديد والتحضير لذلك في سلسلة من المناورات والتدريبات التي لم تتوقف منذ حرب تموز 2006 وقد واكبتها حمى تسلح استثنائية ومتواصلة بمزيد من الهبات والمساعدات الأميركية والغربية والأدهى من ذلك هو ما خفي من المساندة السعودية الخليجية التي تنتقل إلى العلن وتعزز أدوات التنسيق المخابراتي والمعلوماتي التي يفيد منها العدو الصهيوني بروابط وعبر قنوات عربية ولبنانية وغربية كثيرة .
باستثناء التوسلات والأسئلة الاستيضاحية في بيروت وواشنطن لم تتخذ الحكومة اللبنانية أي مبادرة جدية دفاعا عن سيادة الدولة وكرامة الوطن وعن شرف اللبنانيين الجماعي والفردي وإذا كان منطق البعض إفساح المجال للاتصالات التي تولاها وزراء ونواب في زياراتهم للعاصمة الأميركية فمن الواضح ان النتائج هي صفر مكعب ومجرد كلام معسول لا يزحزح شيئا مما قررته المؤسسة الأميركية الحاكمة لحماية إسرائيل وفي التصدي لأحد اهم القوى التي افشلت مخططات الحروب الأميركية في المنطقة بواسطة عصابات التوحش الإرهابي وهي بذلك منعت تكريس الهيمنة الأحادية الأميركية في العالم كما وضعت نقطة نهاية لعهد الغطرسة الصهيونية في المنطقة بانتزاعها لزمام المبادرة وبلورتها لمعادلات الردع من خلال دورها المحوري في تحالف عابر للحدود من روسيا والصين إلى إيران وسورية عبر محور المقاومة الذي أسقط الهيبة الصهيونية على حد تعبير تقرير فينوغراد الشهير.
إن معاملة الدول المعتدية بالمثل هو أضعف الإيمان بمعيار الاستقلال والكرامة وهي رد غريزي طبيعي في عالم الحيوان وفي سلم القيم الإنسانية حيث يزعم اللبنانيون ريادية تاريخية يتنصل جل سياسييهم من تبعاتها امام الحسابات والمصالح الصغيرة .
ان رد لبنان يجب ان يكون قويا وفاعلا وثمة إجراءات وتدابير أيا كان حجم تأثيرها المفترض فهي مهمة لكنها تتطلب امتلاك إرادة استقلالية صلبة وما لم تتخذها الحكومة او السلطة التشريعية بفعل التوازنات التي تطوق نزعة الاستقلال السيادية فيتوجب على القوى السياسية والشعبية التي تتبنى خيار المقاومة فعلا وتتخطى حدود شعارات رفع العتب في هذا الالتزام ان تتحرك بدلا من التلطي الشكلي خلف تبريرات واهية أوالتسلح بإعفاء قائد المقاومة للحلفاء من تبعات المواقف والخيارات القومية والوطنية التي يتخذها حزب الله فلا عذر لأي كان في صمته على استهداف الحزب ونعته بالإرهاب والساكتون مشاركون شاؤوا ام أبوا وهم يختارون التراصف خلف الولايات المتحدة ودول الغرب وإسرائيل والسعودية ومع عصابات التكفير الإرهابية في كل مكان من الوطن العربي وهذا امر لا يستثني من المسؤولية والتبعة أي لبناني او عربي قبل أي حر على وجه الكرة الأرضية .
تواضعت المقاومة كثيرا وقدمت التضحيات مجانا في جميع الساحات والميادين ولكن لا يجوز ان يقبل أنصارها الصادقون من “أهل الغرم ” بعد اليوم معاملتها على طريقة خبز الشعير المأكول المذموم عند الأوباش الذين لا يقدرون النعم .