بقلم غالب قنديل

تحولات أوباما من سورية

غالب قنديل

عندما انطلقت ما سمي بالأحداث السورية وفي قول آخر “الثورة السورية” كان ما يجري واقعيا بمثابة عدوان استعماري لتدمير الدولة الوطنية ولإخضاعها كما برهنت التطورات المتراكمة خلال السنوات الخمس الماضية ولأكثر من مرة برهنت التطورات العسكرية والسياسية ان تلك الحرب الضروس هي في عصارة معادلاتها قابلة للاختزال إلى مجابهة كبرى بين رئيسين : باراك اوباما زعيم الإمبراطورية الأميركية وبشار الأسد رئيس الجمهورية العربية السورية وقد تحلقت حول كل منهما كتلة من الحلفاء والشركاء.

مع الزمن صح الاستنتاج ان الصراع يدور على مستقبل العالم وتوازناته من سورية وشرعت هذه الحقيقة تسطع فور صدور الفيتو الروسي الصيني المزدوج في مجلس الأمن الدولي الذي صد محاولة اميركية لتطوير العدوان الاستعماري على سورية بتفويض اممي كما حصل في حملة غزو ليبيا وتدميرها التي لم تبلغ خواتيمها في متاهة الدماء والإرهاب والخراب الذي حمله الناتو إلى هذا البلد الممزق والمشظى بعدما حوله الغرب ومجموعة الحكومات الخليجية التابعة إلى مستنقع لشتى تشكيلات التكفير والإرهاب التي جري شحنها إلى ساحات الحروب المشتعلة او المنوي إشعالها وفقا للتخطيط الأميركي الذي جعل من ليبيا منهبة مفتوحة لمخزون النفط والغاز والسلاح أمام عصابات الجريمة المنظمة في أفريقيا والعالم وهي تطرق بشدة على بوابات الأمن الأوروبي.

لنتذكر جيدا وسط الانطباع الشائع إعلاميا بأن الرئيس الأميركي يدعم الحل السياسي في سورية ويرحب مع إدارته بانتصار الجيش العربي السوري على داعش وتحرير تدمر أن باراك اوباما هو نفسه الذي قاد مع إدارته وأركانه العدوان على سورية بكل شراسة وتصميم وأصدر تعليماته إلى الجنرال ديفيد بيترايوس مدير الاستخبارات المركزية الأميركية لقيادة الحرب بالوكالة كما خطط لها بيترايوس نفسه عبر حشد فصائل القاعدة وفروع التنظيم العالمي للأخوان المسلمين وإرسالهم إلى سورية من جميع انحاء العالم بالتعاون مع الحكومات التابعة لواشنطن في تركيا والسعودية وقطر وسواها من الحلف الذي تخطى تعداده في بداية العدوان ثمانين حكومة في العالم بقيادة اميركية اطلسية .

أشرف اوباما ومعاونوه على نشر غرف العمليات العسكرية والقواعد اللوجستية في تركيا والأردن ولبنان وعلى تجهيز شبكة إعلامية دولية تضم أضخم الإمبراطوريات الإعلامية الغربية والخليجية التي شنت أوسع عملية تضليل ودجل في العالم المعاصر حول سورية فزيفت الوقائع واختلقت الشائعات ونشرت الأكاذيب لتصور عصابات التوحش على غرار ما فعلت قبل ثلاثين عاما في أفغانستان في حملتها حول من أسماهم الرئيس الأسبق رونالد ريغان بفرسان الحرية ولم يكونوا في الواقع غير فرسان القاعدة التي باتت كلمة سر اميركية في ما أسماه جورج بوش سلف اوباما في البيت الأبيض الحرب على الإرهاب التي غزا بذريعتها كلا من أفغانستان والعراق وترك لولايتي اوباما مهمة الخروج من المستنقع الموحل وفقا لتوجهات المؤسسة الحاكمة التي واكبت ولايتي أوباما بخليط وزاري من الحزبين وحيث حل دائما وزير جمهوري على رأس البنتاغون.

كما كانت القاعدة منتجا اميركيا رعاه بريجنسكي مستشار الأمن القومي السابق بالشراكة مع بندر بن سلطان سفير السعودية السابق في واشنطن فإن القاعدة في سورية أي جبهة النصرة ومنافستها داعش كانتا من نتاج الشراكة بين بيترايوس وبندر وبندر من سلطان ومن تبعه في الاستخبارات السعودية وبشراكة وثيقة مع المخابرات التركية وتنظيمات الأخوان المسلمين.

تربع اوباما على رأس آلة الحرب والموت التي استهدفت سورية ولكنه انكسر امام صلابة سورية وجيشها وشعبها بقيادة زعيم استقلالي مقاوم وشجاع حظي بمساندة غالبية السوريين وبدعم قوي ومتين من حلفائه الكبار الذي يخوضون معه معركة إعادة ترسيم التوازنات العالمية وتحريرها من الهيمنة الأميركية الأحادية وهكذا تشكلت محطات التكيف الأميركي مع سقوط الهيمنة الأحادية الأميركية منذ انهيار الاتحاد السوفيتي انطلاقا من تراجع أوباما عن ضرب سورية كما روى لغولدنبرغ في نصه الذي نشرته أتلانتك وحيث ادار الرئيس فلاديمير بوتين عملية احتواء حازمة وذكية ساعدت اوباما على التراجعات التي انطلقت في خريف 2013 من سحب التهديد بضرب سورية .

من يتبع شريط الأحداث يكتشف ملامح التكيف الاستراتيجي تحت عباءة الكرملين والتسليم بشراكة دولية جديدة تعنت القادة الأميركيون في رفضها لأكثر من ربع قرن مضى فبعد التراجع عن ضرب سورية انطلقت المباحثات حول النووي الإيراني وانتهت باتفاق يكرس حقوق إيران واليوم تسعى الولايات المتحدة لإسعاف حليفها السعودي من مستنقع فشله في اليمن عبر دفعه إلى التفاوض مع الحوثيين وفي هذا السياق جاء التفاهم الأميركي الروسي الذي كرس الرضوخ لقواعد الأسد حول اولوية مقاتلة الإرهاب الذي حشده اوباما إلى سورية وبات خطرا جديا في ارتداده المتصاعد نحو الغرب …

إذا ليست المسألة كما قد يردد السذج حكاية اوباما الطيب ام الشرير فهذا الرئيس الأميركي نفسه كان الأشد التزاما بدعم الكيان الصهيوني كما يتفاخر وعلى الرغم من الضغائن والصدمات التي تثيرها إهانات نتنياهو المتكررة وفي هذا البعد ما يكفي للبيان.

هي حقيقة توازن القوى ودماء وتضحيات المواطنين والجنود السوريين وشركائهم في هذه الملحمة التاريخية من حزب الله وإيران وروسيا … إنه العالم الذي يتغير من سورية ويغير معه مواقف الإمبراطورية التي تعترف على مضض بالمعادلات الجديدة التي قامت على صخرة الصمود السوري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى