دروس من تدمر حميدي العبدالله
قبل مرور عشرة أشهر على احتلال تنظيم «داعش» لمدينة تدمر وارتكاب مجازر مروعة بحق سكانها، أعاد الجيش السوري السيطرة على المدينة، وقبل ذلك استعاد مناطق واسعة سيطر عليها التنظيم الإرهابي بين صدد ومدينة تدمر.
فما الذي تغيّر كي يحقق الجيش السوري بهذه السرعة القياسية ما لم يستطع تحقيقه عندما شنّ «داعش» هجومه الواسع بتواطؤ وصمت من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الذي لم يحرّك ساكناً ضدّ «داعش» عندما كانت قوات هذا التنظيم الإرهابي تستهدف الجيش السوري.
لا شك في أنّ هناك ثلاثة عوامل أساسية هي التي قلبت الوضع رأساً على عقب، ومكّنت الجيش السوري من تحقيق هذه الانتصارات الكبيرة على التنظيم الإرهابي.
العامل الأول، حصول الجيش السوري على معدات عسكرية متطوّرة، سواء كان ذلك قطع المدفعية أو الدبابات، أو غرف التحكم والاتصال، وهذه المعدات المتطوّرة، بما في ذلك تجهيز الطائرات وتحديثها هي التي لعبت دوراً في تطوير القدرات الهجومية للجيش السوري وتمكينه من تحقيق تقدّم على حساب «داعش»، رغم انسحاب القوة الرئيسية من القوات الجوفضائية الروسية. بمعنى آخر لو كانت لدى الجيش السوري هذه المعدات المتطوّرة الذي كشفت الأركان الروسية عن تزويد سورية بها مؤخراً، لما تمكن «داعش» في السابق من إسقاط تدمر والجبال والمناطق الواسعة الممتدّة من صدد حتى حدود محافظة دير الزور.
العامل الثاني، الضربات الكبيرة التي وجهها سلاح الجوفضائي الروسي قبل قرار وقف العمليات العسكرية والتي مكّنت الجيش السوري من تحقيق انتصارات واسعة، ولا سيما على جبهات حلب واللاذقية ودرعا وريف دمشق وانحسار قوة الإرهابيين، سواء كانوا من «داعش» أو من التنظيمات الأخرى.
العامل الثالث الهدنة أو توقف العمليات العسكرية على جبهات واسعة في أنحاء مختلفة من سورية. وعلى الرغم من أنّ وقف العمليات لم يتمّ التقيّد به بشكل كامل من قبل الجماعات الإرهابية المسلحة التي حاولت استغلال وقف العمليات لشنّ هجمات معاكسة واستعادة ما خسرته في السابق، إلا أنها فشلت في تحقيق ذلك، وأدّى وقف العمليات النسبي إلى سحب جزء من قوات النخبة الاقتحامية من بعض الجبهات وحشدها على جبهة تدمر، إذ من المعروف أنّ جبهة تدمر جبهة واسعة وممتدّة جغرافياً، وهي من أوسع الجبهات التي قاتل فيها الجيش السوري، وبالتالي يحتاج الجيش لشنّ هجوم بمستوى الهجوم الذي شنّه على جبهة تدمر إلى أعداد كبيرة لقطع الطريق على محاولات الالتفاف وإشغال الجيش وتشتيت قواته، ولولا الهدنة لما توفر للجيش سحب عدد من القوات قادر على مواجهة مثل هذه التكتيكات العسكرية.
هذه العوامل الثلاثة مجتمعة هي التي تفسّر المكاسب والانتصارات التي تحققت على جبهة تدمر.
(البناء)