إنذار «داعش» لتركيا حميدي العبدالله
العملية التي نفذها تنظيم «داعش في اسطنبول تختلف عن سلسلة العمليات والتفجيرات السابقة التي شهدتها المدن الكبرى التركية، وتحديداً العاصمة أنقرة ومدينة اسطنبول. التفجيرات السابقة إما أنّ حزب العمال الكردستاني كان يقف وراءها، وغالباً عمليات الحزب تستهدف مواقع للدولة التركية، ولكن يذهب ضحية هذه التفجيرات مواطنون آمنون، قد يكون بينهم من هو معارض لسياسة حزب العدالة والتنمية، أو أنّ العمليات التي نفذت استهدفت ناشطين أكراد ووقفت وراءها جهات متهمة بالتواطؤ مع المخابرات التركية، وعادة أيضاً من سقطوا جراء هذه التفجيرات هم مواطنون آمنون من كلّ الاتجاهات الحزبية والسياسية، الموالية والمعارضة لسياسة حزب العدالة والتنمية.
العملية الأخيرة تختلف عن بقية العمليات من ناحيتين، الأولى الجهة التي نفذت العملية، والثانية استهدافات هذا التفجير، التي يمكن القول إنها لم تكن عشوائية، حتى وإنْ كان المستهدف سياحاً أجانب وليس أهدافاً تابعة للدولة التركية.
من الناحية الأولى أعلنت السلطات التركية أنّ منفذ هذه العملية ينتمي إلى تنظيم «داعش»، وهو تركي وليس تركياً من أصول كردية. وجرت العادة أن تسارع الحكومة التركية إلى إلصاق التهمة بالأكراد في محاولة منها لتأليب الرأي العام التركي والعالمي ضدّهم، وعلى الرغم من أنّ «داعش» لم يصدر حتى هذه اللحظة بياناً يعلن مسؤوليته عن العملية، إلا أنّ السلطات التركية أكدت بشكل جازم أنّ منفذ الهجوم ينتمي إلى تنظيم «داعش».
إنّ عدم إعلان داعش المسؤولية رغم ثبوتها، يعني أنّ «داعش» يريد بعث رسالة إلى السلطات التركية، مفادها أنّ مزيداً من انخراط الحكومة التركية في أيّ عمليات ضدّ «داعش»، سواء في سورية أو العراق، ووقف التعاون الضمني الذي كان قائماً سيدفع هذا التنظيم إلى شنّ هجمات في عمق تركيا. عدم الإعلان عن مسؤولية التنظيم تؤكد أنّ «داعش» لا يزال حريصاً على علاقاته مع تركيا، وهو عبر هذه العملية وجه رسالة تحذير إلى السلطات التركية، وبناء على موقف الحكومة التركية وسلوكها اللاحق يتحدّد ما سيقوم به التنظيم، إنْ لجهة استمرار التعاون والتنسيق أو لجهة خوض مواجهة مفتوحة، كما أنّ عدم إعلان المسؤولية يعني أنّ «داعش» مستعدّ للسير في كلا المسارين والكرة الآن في مرمى الحكومة التركية.
من الناحية الأخرى فإنّ استهداف سواح صهاينة وأميركيين هو رسالة حازمة للحكومة التركية، مفادها أنّ تنظيم «داعش» يمتلك قدرة، أولاً على رصد أهداف موجعة داخل تركيا، لأنّ استهداف الأميركيين والصهاينة يترك تداعيات وردود فعل تختلف عن استهداف مواطنين أتراك، وحتى مؤسسات حكومية، وثانياً يملك القدرة على الوصول إلى هذه الأهداف في أيّ مكان يختاره التنظيم، وثالثاً يمتلك الاحتياجات اللوجستية التي تستلزمها هجمات مثل الهجوم الذي نفذه التنظيم في مدينة اسطنبول.
ومما لا شكّ فيه أنه بسبب كلّ ذلك فإنّ الحكومة التركية ستتعامل مع هذا الهجوم على نحو يختلف عن الهجمات السابقة، التي يمكن الاستنتاج بأنها كانت تصبّ في مصلحة حكم حزب العدالة والتنمية وسياساته القائمة على الاستقطاب، سواء كانت الهجمات موجهة ضدّ الأكراد، أو موجهة ضدّ بعض المؤسسات الحكومية، هذه المرة من الصعب عليه توظيف هذه العملية بالوجهة التي كان في السابق يعمل عليها، لأن ليس هناك من يصدّق، وغير قابلة للتوظيف طالما أنّ المستهدفين أميركيين وصهاينة، وهذا هو الذي يفسّر خروج ردود فعل حكومة حزب العدالة عن مألوف ردود فعلها على الهجمات السابقة، والتي سارعت إلى اتهام الأكراد من دون أيّ دليل.
مسارعة أنقرة إلى التأكيد أنّ «داعش» وراء هذه الهجمات يعني أنّ خطر امتداد الإرهاب الذي ساهمت تركيا بتوفير بيئة لنموّه بات حقيقياً وليس مجرّد احتمال.
(البناء)