فتشوا عن بصماتكم أولا
غالب قنديل
المأساة تتكرر هذه المرة في بروكسيل عاصمة الاتحاد الأوروبي والمركز المفضل لاجتماعات الناتو وها هي عبثية القتل الوحشي تنتقل إلى عاصمة جديدة تواجه رعب المذبحة التي تثير في أي كائن إنساني طبيعي مشاعر السخط والغضب ولكنها تدعو إلى التفكير والتأمل في حصاد هذا التوحش الذي جندته الولايات المتحدة والحكومات الغربية لتدمير الشرق انطلاقا من حربها الاستعمارية على سورية.
كما في المرات السابقة سوف يشتد السعار العنصري ضد موجات النزوح والهجرة وضد المسلمين عموما كما يحصل في أعقاب كل تفجير او هجوم تشنه الجماعات الإرهابية التي تنشر التوحش الدموي في جميع انحاء العالم وقد باتت خطرا كونيا يتهدد البشرية والجريمة الجديدة تأتي دائما ببشاعة أشد وقد استهدفت في بروكسيل مرافق الحياة وقتلت أشخاصا عاديين في همجية معادية للإنسانية لا صفة سياسية لها ولا هي تعبر عن مشروع او توجه معين سوى وحشية الإبادة وعبثية القتل على حد التكفير الأعمى الذي لا يستثني أحدا على وجه المعمورة … إنه الويل المرتد على شعوب الدول الغربية من أفعال حكوماتها.
بروكسيل عاصمة الاتحاد الأوروبي وحاضنة اجتماعات كثيرة لوزراء الداخلية في دول الناتو عقدت خلال السنوات القليلة الماضية بجدول أعمال من بند واحد هو مكافحة الإرهاب وتم تكريسها لتنظيم التدابير الأمنية والتقنية الحامية لدول الاتحاد في ظن الوزراء الذين تحاشى معظمهم طلب المعونة من العنوان الرئيسي القادر على المساعدة : الجمهورية العربية السورية التي تشترط موقفا سياسيا واضحا قبل أي تعاون امني وتقني وهم بذلك فوتوا الفرص المحتملة لاستباق الجرائم فهناك في دمشق خرائط جينية تفصيلية لجماعات الإرهاب متعددة الجنسيات كلفت كثيرا من الدم والعرق.
بينما استغرق وزراء الداخلية في تجاهل جذور المشكلة ومصادر التهديد في احضانهم كرس زملاؤهم من وزراء الخارجية في دول الحلف اجتماعات مطولة لبحث سبل دعم “ثوار” الناتو في سورية ولم يلتفت أي من الفريقين وزراء الداخلية والخارجية إلى انهم يتحدثون عن التجمعات نفسها : ثوار الناتو في سورية هم انفسهم تجمعات الإرهابيين في اوروبا ويمكن ببساطة وصف الدواعش الثلاثة الذين نبهت المخابرات الروسية منهم مسبقا والذين نفذوا تفجيرات بروكسل بأنهم عصارة تلك الثورة السورية التي هلل لها الناتو وصرف عليها المليارات.
جميع التحقيقات السابقة توصلت إلى مجموعات مهاجرة قدمت تحت تغطية موجات النزوح التي ولدتها اعاصير الاقتلاع الوحشي للسكان التي مارستها الجماعات التكفيرية من القاعدة وداعش والأخوان المسلمين في الشرق العربي وشمال أفريقيا وكذلك إلى شبكات من الناشطين الداعمين لحركات الإرهاب والتوحش على امتداد الغرب انشئت حول لجان المساجد الوهابية وجمعيات الإغاثة وجرى الترخيص لها بناء على إشارة سعودية او قطرية او بتزكية بريطانية مبنية على احتضان حكومة صاحبة الجلالة لجماعة الأخوان المسلمين وتنظيماتها في العالم منذ عشرات السنين وبالأخص منذ إقرار الناتو لبرنامج “الربيع العربي ” قبل ثماني سنوات.
لم تفلح جميع التدابير والتقنيات العالية في منع تفجيرات باريس كما لم تفلح في حماية بروكسيل ولن يكون الحل في فض معاهدة شينغين بعدما تزود التكفيريون بأسلحة وتقنيات متطورة من إرساليات الناتو إلى ثواره في سورية واستقطبوا إلى صفوفهم آلاف المواطنين الأوروبيين من المهمشين والمنبوذين ليحولوهم إلى وحوش باسم الإسلام.
معضلة العقل الغربي هي الإنكار والتنصل من المسؤولية فالاستخبارات الغربية هي التي تعرف اكثر من غيرها بكثير من أين جاء الإرهاب الذي دعمته ودربته وامدته بالسلاح من اجل تدمير الدولة السورية وتحت شعار الإطاحة بالرئيس بشار الأسد وكان من المفترض انها تعرف من تجربة أفغانستان معنى الإفلات من السيطرة كخطر يداهم فجأة وبدون مقدمات ومن الضروري ان تتذكر العائلات المفجوعة الضحكات البلهاء لقادة الغرب في مؤتمرات كان شعارها الرئيسي التخلص من الرئيس بشار الأسد وإسقاط الدولة العلمانية الوحيدة في المنطقة العربية والعالم الإسلامي والتي كانت لعقود خلت ملاذا لجميع شعوب المنطقة التي طالها اضطهاد عرقي او ديني.
لجان المساجد الوهابية التي تنشر التطرف وعقائد الجهاد وشبكات دعم برنامج تدمير سورية الذي سمي بالثورة السورية هي خليط متعدد الجنسيات مقيم في دول الغرب ، خصوصا في أوروبا القريبة جغرافيا وثقافيا ، وهو يحظى بالتسهيلات والحماية الأمنية والسياسية …
إنه الإرهاب المتشعب والمتجذر في قلب أوروبا وهو يحمل بصمة الاستخبارات الأطلسية بقيادة اميركية تماما كما هو حال داعش والقاعدة في حضن جمهورية العثماني الأطلسي رجب أردوغان والمملكة السعودية وقطر وحكومات الخليج الأخرى ومالم يجري تفكيك جميع منظومات العدوان على سورية ستبقى ولادة الإرهاب شغالة تنجب المخاطر الدموية القاتلة والحائر من قادة الأمن الأوروبي عليه ان يطلب للتحقيق المشتبه بهم : الجنرال ديفيد بيترايوس وسائر أركان غرف عمليات اسطنبول وعمان التي ضمت معاونيه من دول الناتو كافة وقادة الاستخبارات في إسرائيل والسعودية وقطر والإمارات وتركيا والأردن تلك هي المنظمة الإجرامية التي اطلقت القاعدة وداعش وفصائل الإرهاب التي تقرع أبواب الغرب بعنف.