من موسكو هنا دمشق ..ومن دمشق هنا موسكو .. د.فايز الصايغ
القرار الروسي السوري يحمل من السياسة ما لا يمكن كشف مكنوناته بهذه السرعة، فهو تنسيق مباشر سوري- روسي مشترك على أعلى المستويات وهو تنسيق روسي أميركي مشترك أيضاً وعلى أعلى المستويات، ومن حيثياته أنه جاء بعد دراسة عميقة، ميدانية، للتطورات الميدانية التي تحققت بفضل التنسيق العسكري اليومي والتعامل مع المعطيات العسكرية والسياسية سواء على ساحة المعارك أم على الساحة السياسية الكونية وخصوصاً أن جولة من المحادثات بدأت في جنيف، وهي مباحثات تحتاج إلى مناخ سياسي أكثر منه عسكرياً خلال الجولة على الأقل .
المتربصون بالعلاقات السورية- الروسية والجاهزون للتشكيك فيها أخذوا مساحة من الفراغ القائم على طبيعة فهم هذه العلاقات، وتمادوا في النيل من عزيمة السوريين والروس ومن قرارهما الاستراتيجي سواء في دعوة الروسي للتدخل أو في التنسيق لسحب بعض المعدات الاستراتيجية التي أنجزت مهامها أولاً ولم يبق من ضرورة لبقائها خارج روسيا ولاسيما أن إعادتها إذا لزم الأمر لا يستغرق أكثر من ساعات معدودة، وهذا حسب الرئيس بوتين شخصياً..
ينبغي أن يفهم المتربصون بالعلاقة الاستراتيجية الروسية السورية أن التسلل الى التفاصيل، والإكثار من الاجتهادات، وزرع الأسافين في علاقاتهما الاستراتيجية موغلة في القدم وطموحة في المستقبل لن يجدي نفعاً في الأزمات ولا في المسلمات، ولا في حالة الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، وعليهم أن يخيطوا في غير هذه المسلاّت الصدئة.
خطوة الانسحاب التكتيكي تشي بوضوح بالثقة الروسية في بدء استقرار سورية بعد أن حقق التدخل أهدافه، فالروس اليوم على الأرض قوة عسكرية قادرة على ضبط المؤشرات العالمية على الساحة الروسية والسورية، وسورية اجتازت تطوع الاستهداف القسري الحاقد وبات الإرهاب في مرماها على أراضيها كاملة من الأرض ومن الجو ومن المعلومات وقبل هذا وذاك من الإرادة السورية الصلبة، الصامدة، الصابرة التي استطاعت قيادة معركتين معاً هما الأخطر والأصعب في تاريخ الدول والشعوب بنجاح، وتسجل على صفحات التاريخ انتصارات مغمسة بالدم والتضحيات..
تكتيك التدخل الروسي بعد أكثر من أربع سنوات ونصف السنة، وتكتيك الانسحاب الأولي للمعدات والتجهيزات الأبعد والأعنف من المعركة السائدة الآن تكتيك ينطوي على البراعة السياسية والبراعة في توظيف الجانب العسكري. وما تبقّى من معدات وقدرات في حقيقة الأمر فائض عن الضرورة التي اقتضاها وجود الروسي على الأرض.. وما تحقق للجانبين السوري والروسي سيكون قاعدة انطلاق جديدة لمستقبل جديد من العلاقات.. يشمل قضايا استراتيجية تهم المنطقة بالقدر الذي يهم العالم كله.