ماذا ينتظر دعاة التغيير في لبنان؟
غالب قنديل
التوحش الرأسمالي وتغول البشاعة يزحفان على حياة اللبنانيين والنظام الطائفي الرأسمالي التابع هو أصل العلة بينما يتلهى دعاة التغيير بجدالات ومنافسات عقيمة تصرفهم عن المسألة الجوهرية وهي تعيين الطريق الممكن لاستنهاض حركة شعبية تمتلك القدرة على إطلاق مسار تغييري يراكم التحولات نحو مرحلة جديدة تناسب حاجات الشعب اللبناني ومصالحه الحيوية وتضرب موعدا للبنان مع الغد القادم الذي تشهد به التحولات الكبرى في العالم والمنطقة على جميع المستويات.
القمح المسرطن والنفايات المتراكمة وغيرها من المآسي والويلات وجوه متعددة لمأزق نظام متعفن بات خطرا على الحياة الإنسانية بمضمونه الاقتصادي القائم على الخصخصة والتقاسم وبفساده الإداري الموصوف الذي عبرت عنه مناهج التعامل مع إدارة النفايات وأصلا وأساسا بصيغته الطائفية العنصرية التي تنطلق من النظام الانتخابي الطائفي الأكثري وتتصل بتطييف الإدراة خلافا لاتفاق الطائف الذي ألغى طائفية الوظيفة باستثناء الفئة الأولى وحدها بينما النظام الحريري المطبق في الإدارة يقرن تعيين جميع الوظائف بالقاعدة الطائفية الكريهة على حساب مباريات مجلس الخدمة المدنية ويحرم الموظفين من حقوقهم ويمنع سلسلة الرواتب الجديدة ليحمي الإدارة الموازية التي أقامتها الحريرية لحساب القلة الباذخة المتحكمة بكل شيء في البلد.
ما من شيء حولنا لا يدعو إلى الثورة في هذا البلد الذي يغرق إعلامه في البلادة والإثارة بفضل حالة فوضوية خارج أي قواعد ناظمة كسائر الدول التي تحترم شعوبها وتشارف فيه الرصانة والجدية على الانقراض وسط سعار خطير في المنافسة على مصادر التمويل السياسي الخارجي الآخذة بالشح بينما يد الدولة المرفوعة في كل شيء تشجع اللصوصية والقرصنة وتفتح الفضاء على مخاطر الاخترق الصهيوني وترعى المافيات المحمية في جميع وجوه الحياة وحيث تتحول الرسالة الإعلامية في المرئي والمسموع والمكتوب الذاهب نحو الانقراض إلى طغيان التحريض الطائفي والمذهبي والإسفاف الجنسي وبصيغ مقززة تخدش ما تبقى من حياء وذوق حتى بتنا بحاجة إلى إعادة تنظيم الإعلام كما كنا عشية اتفاق الطائف.
وإذا كان كل ما نعيشه داخليا يستصرخ الحاجة إلى التغيير السياسي والاجتماعي فإن الظروف الإقليمية والدولية المتغيرة تحتم ذلك فالأكيد ان لبنان ليس جزيرة معزولة وما يجري في محيطه ينعكس عليه مباشرة وهذا ما يعني اليوم ان على لبنان الاستعداد لملاقاة التغييرات الجذرية المقبلة في الإقليم الذي ينتمي إليه جغرافيا وحيث السمة البارزة هي صعود التكتل الشرقي الكبير الذي يضم روسيا والصين وإيران وسورية على حساب الحجم الذي شغلته منظومة الهيمنة الأميركية الصهيونية السعودية في المنطقة وذلك بفعل سقوط هيبة الردع الصهيونية وتراجع نفوذ الإمبراطورية الأميركية وهزائم المملكة السعودية المفتوحة تفاعلاتها على احتمالات نشوء تداعيات دراماتيكية داخلية في الفترة المقبلة .
اقتصاديا وسياسيا وامنيا يعني ذلك تصدع السقف الغربي الخليجي الذي بنيت عليه صيغة الحكم والاقتصاد والسياسة في لبنان منذ حوالي أربعين عاما فمصلحة لبنان ان يجد مكانا له في الشراكة الاستراتيجية الشرقية العابرة للحدود وان يحجز مقعدا في قطار طريق الحرير الذي وصل إلى طهران وسيكمل سكته في العراق وسورية قريبا.
ما من تعبير اوضح على تبدل الظروف المحددة لموقع لبنان الإقليمي من حجم دور حزب الله في محاربة الإرهاب التكفيري وفي ردع الكيان الصهيوني على مستوى المنطقة وكذلك سيلان لعاب الحريرية على فرص التسلل إلى عقود إعمار سورية القادمة بمئات المليارات حيث يتكشف تخطيط الحريري لمصالحة بعض خصومه من حلفاء سورية بعد انكماش فرصه الاقتصادية السعودية بهدف تيسير اعتماده لمجموعات لبنانية تدخله بيسر إلى سورية لتعهد بناء بعض من صروح سورية التي ساهم الحريري وفريقه في تدميرها بدفع الإرهابيين من لبنان وبالدفع لهم بكميات من السلاح والمال بالأمر السعودي وهذه عملية لن تنجح على الأرجح لأن قرار سورية واضح فشركاء البناء بعد الحرب هم شركاء الصمود والانتصار وليسوا شركاء الإرهاب والدمار في حلف العدوان .
ولابد من تحذير مسبق لبعض اللبنانيين المحسوبين على الخندق الوطني من التحول إلى سماسرة ووسطاء لحساب الحريري وامثاله لدى سورية فالواجب فضحهم مع وسطائهم في لبنان وفي سورية لأن حلقة السمسرة العابرة للحدود قتلت لبنان واغتالت مستقبل العلاقة اللبنانية السورية الطبيعية خلال العقود الماضية ولا يجب ان يسمح لها بهذه اللعبة مجددا فهي تعاكس مصالح لبنان وسورية معا.
معتنقو فكرة التغيير ودعاة تجاوز النظام الطائفي ولو من ضمن صيغة الطائف باعتماد نظام انتخابي نسبي والمؤمنون بإنهاء نظام الخصخصة والتنقاسم وبإقامة دولة مدنية عادلة قوية مدعوون للتفكير والإبداع في صياغة خطة لتوحيد جهودهم وقواهم من اجل الإنقاذ الوطني والتلكؤ في ذلك جريمة.