14 شاباً من لبنان إلى «أرض الخلافة»… قبل العودة إلى التفجير رضوان مرتضى
يُعيد تنظيم «الدولة الإسلامية» إحياء عمل خلاياه الأمنية. يستقطب شباناً من لبنان إلى «أرض الخلافة». أعداد المهاجرين إلى «الجهاد» إلى ازدياد. وهناك يتحضرون أمنياً وعسكرياً تمهيداً لإعادة إرسالهم للتفجير. في موازاة ذلك، تشتعل حرب بيانات إعلامية بين أنصار «الدولة» و«القاعدة» في مخيم عين الحلوة. فهل تعود الاغتيالات أو ينجح التنظيم في إشعال المخيم؟
ارتفع عدد الشبان الذين تركوا مخيم عين الحلوة للالتحاق بتنظيم «الدولة الإسلامية» الى ١٤ شاباً. هاجر هؤلاء الى «أرض الجهاد»، بعضهم عبر مطار بيروت الى تركيا ثم الرقة، فيما اختار القسم الآخر البحر سبيلاً إليها. فلماذا خرجوا من لبنان؟ هل تخلّى التنظيم عن مشروعه في بلاد الأرز ولم تعد مدرجة على لائحة أهدافه أو جزءاً من ولاية دمشق؟
أسئلةٌ أجاب عن بعضها الإصدار الرسمي الأوّل للتنظيم الذي خاطب السنّة اللبنانيين بـ«يا أحفاد الصحابة في لبنان». فمجرّد خصّ لبنان بإصدار كهذا، يعني أنّه لا يزال ضمن لائحة أولويات «الدولة»، بدليل أن من هاجروا الى «أرض الخلافة» «ما خرجوا إلّا ليعودوا». ويؤكد مصدر قريب من التنظيم لـ«الأخبار» أن «كل من خرج سيرجع حين يتم الطلب». فالتنظيم المتشدِّد لا يعاني شُحّ منتسبين كي يستقطب من هنا أو هناك، لكنه استدعاهم للالتحاق بدورات أمنية تمهيداً لتكليفهم لاحقاً بمهمّات في الداخل اللبناني. وبحسب مصادر تدور في فلك «الدولة»، «تبلغ كلفة تأمين الأوراق والسفر للشاب الواحد 2000 دولار. أحياناً تُعيد دولة الخلافة المال للمهاجر حال وصوله أو تُرسل له المال قبل خروجه».
هذه المعطيات ليست بعيدة عن الجهات الأمنية التي تتابع المغادرين وتُعمّم أسماءهم، إذ إنّ «التجارب السابقة»، بحسب مرجع أمني، «كفيلة بكشف آلية وأسلوب عمل هذه الجماعات». وأسلوب العمل هذا اكتُشف من خلال اعترافات انتحاريين وأمنيين جرى توقيفهم، قبل تنفيذ المهمات التي كُلِّفوا بها. أحد أبرز هؤلاء كان إبراهيم الجمل الذي شرح بالتفصيل كيفية تجنيده ثم التحاقه بالرقة للخضوع لدورات تدريبية قبل اختياره وتكليفه ليكون مشغّلاً و«استشهادياً». وفي هذا السياق يصبّ إصدار «الدولة»، إذ تتوقف المصادر الإسلامية عند «دلالة تعمّد التنظيم كشف وجهَي المتحدّثين في الإصدار»، وهما لبنانيان من الشمال. فترى أن إظهارهما رسالة لأهل الشمال، حيث يعتقد بأن بعض مناطقه قد تُشكّل بيئات حاضنة لحَمَلة فكره. وبالتالي، رغم عدم أخذ التنظيم بالجنسيات باعتبارها ساقطة أمام الانتماء الإسلامي، إلا أنّه يلعب على هذا الوتر لعلمه بتأثيرها لبنانياً. كل ذلك يشي بأن هناك تحضيرات تجري لحدثٍ أمني. وهذا ما تخشاه الأجهزة الأمنية.
كل ما سبق لا يعني التصويب باتجاه المخيّم أو أهله، مع الإشارة إلى أنّه لم يكن بين المتورطين في تفجير برج البراجنة الانتحاري أيّ فلسطيني، ولكن لكشف مدى تغلغل التنظيم وعمله الدؤوب لتشغيل الخلايا الأمنية. فهي بالنسبة إلى «جنوده» حرب مفتوحة بين «أهل الكفر وأهل الإيمان». ورغم ما تقدّم، لا يميل الأفراد الذين يدورون في فلك «الدولة» إلى العمل بهدوء، بل ينشدون التصعيد لتوتير الأوضاع، لا سيما في عين الحلوة، إذ لم يسلم أبرز المطلوبين في قضايا الإرهاب في المخيم من هجمات أنصار «الدولة». فقد اشتعلت حرب بيانات في عين الحلوة بين «تجمّع الشباب المسلم» والمنتمين إلى تنظيم «الدولة» الذي يعزز وجوده داخل المخيم. فقد كفّر هؤلاء شادي المولوي والمتحدّث باسم تجمّع «الشباب المسلم» الشيخ جمال حمد. ووصفوا المولوي، أحد قادة «جبهة النصرة» في لبنان، بأنه «لسان فتنة ضد الدولة»، و«يدير قناة على تطبيق التيليغرام باسم ثورة لبنان المسلم»، لتشويه سمعة التنظيم والمنتمين إليه. كذلك تحدثت مصادر تدور في فلك «الدولة» عن فتوى بتحريم نصرة بلال بدر، أحد أبرز المطلوبين في المخيم لتورطه في عمليات اغتيال طالت قيادات من حركة فتح، لأنّه «يطعن بالخلافة ويوالي الصحوات». هكذا انطلقت حرب البيانات في عين الحلوة بطرفيها: «الشباب المسلم» وأنصار «الدولة الإسلامية». الطرف الأول هو ائتلاف شباب إسلاميين وآخرين يدورون في فلك تنظيم «القاعدة». أما الثاني، فيُعرف من رموزه عبد فضة وعماد ياسين وهلال هلال. استعرت الحرب على خلفية ما أشيع عن مصالحة بين فصائل المخيم تضم الشباب المسلم، والتي جاءت حصيلة لقاءات بين لجان الأحياء والقواطع والفصائل في المخيم. يومها تحدث ممثل «تجمع الشباب المسلم» الشيخ جمال حمد، فأكد الالتزام بكل ما من شأنه تعزيز الأمن ووحدة أبناء المخيم. ملخص الاتفاق أن «يتعاهد الطرفان أمام أهل المخيم بعدم الاعتداء وعدم جرّ المخيم لمعركة خاسرة، يتضرر منها عموم أهل المخيم وتقضي على أمنهم وأمانهم». وقد صدر بيان عن «الشباب المسلم» في هذا الخصوص يفيد بأنهم رضوا بالمصالحة «حرصاً على المخيم، ومن باب درء المفاسد، ولما وصلت إليه الأمور من توتير للأجواء في مخيم عين الحلوة باتجاه معركة مدمرة لا تُبقي ولا تَذر». في المقابل، رأى أنصار «الدولة» أن «قيادات النصرة في عين الحلوة توصلت إلى صلحة مع مرتدّي فتح». وردّاً على ذلك، بدأوا بتوزيع بيانات مفادها أن: «الأمن والأمان لا يكونان بمصافحة المرتدين إنما بشريعة الرحمن». ورأوا أن «الشباب المسلم صحوات كحماس والعصبة».
يرى أنصار «الدولة» أن تجمّع الشباب تشرذم بعدما تركته العناصر العملية والتنفيذية لتبايع «الدولة»، فيما تبقى فيه الشيوخ فقط. بل يذهبون إلى القول إن الكتلة الصلبة لهذا التجمع تلاشت، زاعمين أن «عديد الشباب المسلم لا يتجاوز الخمسين في أحسن الأحوال». يستعيد هؤلاء المعارك الأخيرة يوم نزل إلى أحياء التعمير والصفصاف والطيري قرابة ١٥٠ مسلّحاً أثناء الاشتباكات مع حركة فتح، ويؤكدون أن «معظم القوة المقاتلة انضمت إلى الدولة بعد تقاعس قادة الشباب المسلم ومهادنتهم الصحوات». ألا تعتقدون أن الشباب المسلم يسعى إلى التهدئة لتجنيب المخيم ويلات جديدة؟ سؤال يردّ عليه المصدر الذي يوالي «الدولة»: «بالنسبة إلينا هم جبناء. لماذا لم يأخذوا في الاعتبار مصلحة المخيم سابقاً عندما خاضوا أكثر من معركة». وتعليقاً على تبرير الشباب المسلم رضاهم بالمصالحة خشية تدمير المخيم، يقولون: «أوَلسنا فسطاطين… كفر وإيمان؟». يعتبر هؤلاء أنهم يملكون القدرة والإرادة. وردّاً على التساؤل عن أن عديدهم قليل ليحققوا فارقاً، يرد المصدر: «أوَنسيت مقاتلي فتح الإسلام. كانوا ١٧٠ صمدوا ٣ أشهر وعشرين يوماً ولم يستشهد منهم سوى النصف أو أقل قليلاً. العبرة ليست في العدد». الصورة واضحة أمام أنصار «الدولة». يعلم هؤلاء أن قتالهم لن يكون في وجه الجيش اللبناني. يعرفون أن الجيش لن يدخل إلى المخيم، بل سيُعزز الدُّشم احتياطاً، فيما القتال سيكون داخلياً.
“لم ينفرط عقد تجمع الشباب المسلم. الائتلاف الذي تشكّل لجمع كلمة الاسلاميين في المخيم لم يتركه أحد”، يقول أحد أعضائه لـ”الأخبار”، مضيفاً: “الشباب المسلم أصدر بياناً واحداً ولم يرد على أحد ولا حتى على الغلاة. ونحن نعلم أن هناك مخططاً يحاك ضد المسلمين في المخيم”. ورغم أن التجمع لم يرقَ يوماً إلى مصاف التنظيمات، لكونه بقي بلا رأس وقراراته لم تكن ملزمة يوماً للمنضوين تحت لوائه، إلا أنه استطاع لفترة من الزمن أن يضبط شباباً متحمّسين لافتعال المعارك والمواجهات. وبحسب أحد قياداته، فإن ما جرى ليس مصالحة، بل هدنة، هدفها حقن الدماء وتجنيب المخيم معركة مدمرة. أما الحملة التي تشن ضد التجمع، فهدفها التوتير. بالنسبة الى دعاة الهدنة، “جماعة الدولة يعتقدون أنفسهم في الرقة. عددهم ثلاثون شخصاً ويريدون قتال فتح والدولة اللبنانية وحزب الله”. ويرى تجمع الشباب المسلم أن لا غاية من الاشتباكات التي تجري في المخيم، بل التوتير لأجل التوتير.
(الاخبار)