مقالات مختارة

الحكومات المتعاقبة تهدر 36 % من قيمة عقود النفايات.. عمداً! ايلي الفرزلي

 

إذا كانت فضيحة الانترنت غير الشرعي ما تزال مجهولة «الأب السياسي»، فإن فضائح إدارة ملف النفايات المستمرة منذ 20 عاماً معروفة الأب والأم.

لم تتصرف شركة «سوكلين»، التي كانت مكلفة أعمال النظافة منذ العام 1996، من عندها. كل الحكومات المتعاقبة كانت تغطيها وتشجعها وتجعل منها ربيبة العهود، إلى حد تحول العقود الموقعة معها إلى سرّ من أسرار الدولة، لا يمكن حتى لوزراء الاطلاع عليها.

ولأن الغطاء رفع عنها، أو يكاد، فجأة صارت أطنان الملفات والعقود متاحة للجنة المال والموازنة، التي تسلمتها من رئيس مجلس الإنماء والإعمار نبيل الجسر، الأسبوع الماضي.

وإذا كان الوزراء المعنيون لم يحضروا تلك الجلسة، انطلاقاً من كونها «سابقة» أن تتم دعوة لجنة وزارية، وكون الأولوية تبقى لمعالجة الأزمة الحالية، فإن تكرار الدعوة لم يساهم في حضور أي وزير لجلسة أمس، وإن كانت الحجة منطقية أكثر، حيث كان ينعقد مجلس الوزراء بالتزامن مع الجلسة النيابية، علماً أن الأجواء كانت تؤكد أن الوزراء لن يحضروا في مطلق الأحوال. ولذلك، عمدت اللجنة هذه المرة، بإجماع أعضائها، إلى الطلب من رئاسة مجلس النواب دعوة الوزراء المعنيين، أي وزراء الداخلية والبيئة والمالية ووزير الزراعة (المكلف بالملف)، بالإضافة إلى الأمين العام السابق لمجلس الوزراء سهيل بوجي (لاستيضاحه عن حقيقة ما قيل في الجلسة عن أنه كان يحجب المراسلات عن مجلس الوزراء)، الى الجلسة المقبلة للجنة.

وقد تسلحت اللجنة ببراهين إضافية تؤكد تورط الحكومات السابقة بملف «سوكلين»، حيث كانت تصر في كل مرة على تجديد العقد من دون تعديل، متغاضية عن الملاحظات التي كان يقدمها مجلس الإنماء والإعمار، عن هدر وصل إلى 36 بالمئة في عقود الطمر والمعالجة، تضاف إلى تخطي الحكومات لقرار صادر عن ديوان المحاسبة في 30 آذار 1999، يؤكد أن العقود التي سبق أن وقعت مع سوكلين «باطلة بطلانا مطلقا وتقع في غير موقعها القانوني».

تلك العبارة لم تعن شيئاً بالنسبة للحكومة. تخطت قرار بطلان العقود، ثم أحالت الملف إلى مجلس شورى الدولة، لتحصل على قرار بصحة العقود، انطلاقاً من أن «اعلان بطلان العقود الادارية يدخل في اختصاص القضاء الاداري من دون سواه، وليس هناك ما يمنع من تمديد العمل بالعقد الموقع مع سوكلين». وهو ما أدى، ولا يزال، إلى تبرير تمديد العقود.

أما شركة «سوكلين»، فقد نفضت يدها، في بيان أمس، من أخطاء الحكومات السابقة، رافضة تحمّل مسؤولية أيّ أمور أو قرارات اتّخذتها الحكومات اللبنانية المتعاقبة أو مجلس الانماء والاعمار أو الوزارات المعنية بسبب عدم مشاركتنا بها.

وبعد اللغط الذي حصل أمس، على أثر ما نقل عن المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم، عن أن «سوكلين لم ترتكب أي خطأ»، أوضح ابراهيم لـ «السفير» أن «تقارير الخبراء هي التي قالت إن الشركة لم ترتكب أي خطأ»، مشيراً إلى أنه لم يأخذ بهذه التقارير، وإنما دقق فيها وتبين له وجود 5 ثغرات، خصوصاً بعدما كشف شخصياً المطمر، فادعى على «سوكلين» لملاحظته أن ثمة إخلالاً في الواجبات، محولاً الملف عند قاضي التحقيق الأول في بيروت غسان عويدات. أما الشركة، فقد أكدت في بيانها الذي ردت فيه على المعلومات المغلوطة عن دورها في خطة النفايات الحالية، أنها حاضرة للمثول أمام عويدات لتوضيح كافة الأمور المتعلقة بعملها والجواب على كل الأسئلة، رافضة كل الاتهامات الموجهة إليها.

بالعودة إلى ما تكشف في اللجنة، فقد أكد كنعان أن الوزراء الحاليين مسؤولون بصفة استمرار مراقبة المرفق العام عن التجاوزات السابقة، فالحكومة والوزارات مستمرة والحكم استمرار وكل من وجد في هذا الموقع أو ذاك يتحمل المسؤولية، ويجب أن يسأل: «لماذا استمرار هذا الوضع من دون أي تقدم أو معالجة لهذا الملف، في الوقت الذي نرى مراسلات وقرارات أشار إليها رئيس مجلس الانماء والاعمار نبيل الجسر؟».

فالجسر، كان قد قدّم إلى اللجنة مراسلاته مع مجلس الوزراء، منذ 1998 وحتى اليوم، وكذلك القرارات الحكومية التي جددت فيها عقود النفايات.

وعلى سبيل المثال، فإن المجلس يشير في إحدى المراسلات الصادرة في العام 2000، إلى أن معامل الفرز لم تعد تستوعب الكميات المتزايدة من النفايات، والإدارة لم تتمكن من تقديم مراكز جديدة، الأمر الذي حتّم توجيه الفائض غير المعالج من المواد العضوية إلى المطمر الصحي، وبالتالي، فقد ساهم ذلك في زيادة كمية المواد المطلوب طمرها، ورتب كلفة إضافية قدرها 36 بالمئة سنوياً على العقد، واستنفاد القدرة الاستيعابية لمطمر الناعمة بسرعة. إلا أن هذه المعلومات لم تعن شيئاً لمجلس الوزراء الذي استمر في تمديد العقود، موافقاً بالتالي على هدر 36 بالمئة من قيمة العقد، من دون أن يرف له جفن. وأكثر من ذلك، فإن الحكومة لم تتعرض لعقد المعالجة، بالرغم من معرفتها أن كمية النفايات المعالجة قد انخفضت إلى 9 بالمئة فقط، علماً أنها كانت تدفع ما مقداره 5 ملايين دولار للاستشاري المشرف على المعالجة أيضاً.

وأكثر من ذلك، فقد أصرت الحكومة في العام 2001 على السير بعملية الدفع من الصندوق البلدي المستقل، متغاضية عن رأي آخر لديوان المحاسبة يشير فيه إلى أن الأموال «يجب أن تحسم من حصة كل بلدية بقدر استفادتها من النفقات المشتركة»، وهو ما أدى عملياً إلى مراكمة الديون على البلديات، لتصل حالياً إلى نحو 2700 مليار ليرة.

باختصار، اثبتت المستندات التي قدمها الجسر أن الحكومات المتعاقبة لطالما وضعت الخطط لإدارة ملف النفايات، إلا أنها كانت تتعمد إفشال مخططاتها لتمديد العقود كما هي.

وقد أكد كنعان، بعد الجلسة، أن «هذا الموضوع هو جزء من الكوارث على المستوى القضائي والقانون ولا يجوز السكوت عنه اطلاقا. ولذلك اتخذنا قرارا في لجنة المال والموازنة وهو استكمال هذا الملف حتى النهاية».

وتابع: «سنصل الى خلاصة أن لا احد مسؤول. أنا اقول لا، هناك من يتحمل المسؤولية، فاذا لم نكن نحن قضاء، فنحن نواب ونتمتع بحصانة وواجبنا قول الحقيقة وأن نضع كل الناس امام مسؤولياتهم، وسنفعل ذلك مهما كلف الثمن».

مطمر برج حمود لـ4 سنوات

فكك مجلس الوزراء معظم العقد الباقية للحل الطارئ لمشكلة النفايات بعد أن طمأن حزب «الطشناق» عبر تعديل قرار مجلس الوزراء السبت الماضي. فقد تم توضيح القرار لناحية معالجة جبل برج حمود وتم تحديد عمر المطمر الذي سيقام على الموقع لفترة اربع سنوات على ان يستوعب 1200 طن يوميا، والاكتفاء بمعمل «الكورال» للمعالجة. ويفترض ان تبدأ عملية الجمع في قطعة الارض القريبة من المكب في برج حمود في غضون يومين، لحين تجهيز أرض «الباركينغ»، ولا مشكلة بالنسبة لموقع «الكوستا برافا».

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى