إسرائيل تفاجأت بخطوة بوتين: عزَّز موقع الأسد التفاوضي.. وانسحب حلمي موسى
اعترف رئيس الأركان الإسرائيلي الجنرال غادي آيزنكوت بأن الخطوة الروسية بسحب غالبية القوات من سوريا فاجأت إسرائيل، التي لم تكن تعلم شيئا عنها.
واختلفت تقديرات المعلقين الإسرائيليين بشأن دوافع وأبعاد الخطوة الروسية، التي رأى البعض أنها تعبر عن اتفاق مع أميركا، في حين رأى آخرون أنها تحذير موجه للقيادة السورية لإبداء مرونة في مفاوضات جنيف.
وأشار آيزنكوت، أثناء استعراض أمني قدمه أمس للجنة الخارجية والأمن في الكنيست إلى الخطوة الروسية في سوريا قائلا: «لم تكن لدينا معلومات مسبقة مثلما لم يكن أيضا لدى الآخرين».
واعتبر آيزنكوت أن قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتخذ بشكل مفاجئ، خلافاً للقرار الروسي قبل بضعة شهور بالدخول في الدوامة السورية، حيث توفرت حينها لشعبة الاستخبارات إشارات مسبقة تدل على ذلك.
وأضاف: «في هذه المرحلة، نحتاج إلى التواضع والحذر في محاولة فهم إلى أين تتجه الأمور في الحلبة السورية مع خروج القوات الروسية من المنطقة». وأوضح أن «التدخل الروسي عزز قوة (الرئيس بشار) الأسد الذي صار بقدرته الذهاب إلى محادثات جنيف من موقع قوة». وتوقع أن يتم الانسحاب الروسي بشكل تدريجي، وأن يتم الاحتفاظ بالعمل في القاعدتين الجوية والبحرية بشكل مقلص، بحيث لا يكون الانسحاب مطلقاً.
واختلفت آراء المعلقين الإسرائيليين في الخطوة الروسية. وكتب غاي أليستر، في موقع «والا» الإخباري، أن قرار بوتين بسحب قواته من سوريا يدخل في باب الخديعة السياسية. وأوضح أن بوتين فاجأ مرة أخرى كل من حاول التنبؤ بخطواته بأن أعلن، من دون تحديد جدول زمني، عن تغيير قواعد اللعبة في سوريا. ففي بداية الشهر الحالي كان حلف شمال الأطلسي (الناتو) يتوقع تعميق روسيا لوجودها في سوريا من دون أي توقع بتقليص هذا الوجود.
ومع ذلك اعترف أليستر بعدم معرفة مغزى بيان الانسحاب في ظل تأكيد الرئيس الروسي على استمرار تواجد قواته في قاعدتي اللاذقية وطرطوس. ولكن ثمة أهمية في نظره لتوقيت البيان مع بدء مفاوضات السلام في جنيف، معتبراً التوقيت ليس صدفة. وأشار إلى بدء الحملة الروسية الجوية في 30 أيلول الماضي، حينما كان «المتمردون» يهددون سيطرة النظام على الساحل السوري، وإلى انتهائها مع بدء المفاوضات. ومع ذلك لم يستبعد أن يكون للموقف الذي سبق للأسد أن أعلنه في الشهر الماضي عن نيته عدم التنازل عن أراض للمسلحين صلة بالأمر، معتبراً أن ذلك أغضب الروس. ولمَّح أيضا إلى أوضاع روسيا الاقتصادية ورغبتها في إصلاح العلاقات مع الغرب. وكتب أيضا عن العلاقات الروسية – الأميركية وأثرها على القرار.
أما المعلق الأمني في صحيفة «معاريف» يوسي ميلمان فاعتبر القرار خطوة حكيمة وحذرة وضعت روسيا في موقع الدولة العظمى. ولاحظ أن المتحدث باسم البيت الأبيض تلعثم عند محاولته التعليق على القرار الروسي، معتبرا أن هذا التلعثم يدفع للفهم بأن أحداً في العالم لم يعرف ما يدور في خلد بوتين وما هي دوافع قراره.
وأشار ميلمان إلى أن بوتين أعلن أن أهداف الحملة الروسية في سوريا تحققت، وأن ثمن ذلك كان متدنيا جدا حتى بتعابير روسية. فقد أفلحت موسكو في دفع الوضع في سوريا نحو اتفاق وقف لإطلاق النار، وهو أمر لم يكن أحد يصدق أنه سينجح. ولكن هذه النتيجة وضعت روسيا كقوة عظمى في مرتبة موازية لأميركا، رغم أن الأخيرة تفقد مكانتها في المنطقة، وخصوصا بين أصدقائها.
واعتبر أن بوتين تصرف بحكمة وحذر، حيث أنه تطلع إلى عدم التورط في الوحل السوري وعدم تكرار أخطاء الاتحاد السوفياتي الذي خسر الحرب في أفغانستان. وأوضح أن بوتين بخطواته العسكرية يفهم أن سوريا لن تعود إلى الأبد دولة مستقلة بحدودها القديمة، ولذلك قادت روسيا خطوة يمكن أن تحول سوريا إلى دولة فدرالية. وفي نظره، الخطوة الروسية تخدم أغراض كل من إيران وإسرائيل المتناقضة. فإيران بعد الخطوة الروسية ستعود لتلعب دور الركيزة الأساسية للنظام. أما إسرائيل فرأت في التواجد الروسي خطراً وبركة في الوقت ذاته. والانسحاب الروسي سيعيد لإسرائيل حرية العمل التي كانت تتمتع بها في الماضي في الأجواء السورية.
أما معلق الشؤون العربية في «هآرتس» تسفي بارئيل فاعتبر أن بوتين، بقرار الانسحاب الروسي، يرسم الخريطة المستقبلية لسوريا. وأشار إلى أن القرار الروسي اختار الإبقاء على سوريا من دون حسم في ميدان المعركة بهدف جعل من المتعذر على النظام السوري مواصلة القتال. وكتب أن القرار يحرر روسيا من الصورة التي وقعت فيها وهي «الرجل السيئ» و «عدو العرب» في نظر الإعلام العربي. ومع ذلك، فإن بارئيل رأى أن القرار يتضمن إقراراً بأنه ليس بوسع القوة الجوية الروسية تحقيق أكثر مما حققت من دون الاستناد إلى قوات برية روسية. وقد استخلص بوتين أن نفوذ روسيا مضمون في سوريا، وأن الوقت حان لتنفيذ خطته لتقسيم سوريا في مقاطعات ضمن نظام فدرالي.
(السفير)