مقالات مختارة

هل يكون الانسحاب الروسي بداية إعلان الحرب على «النصرة»؟ دمشق – عبد الله سليمان علي

 

ساعدت التوضيحات التي صدرت عن مسؤولين روس، أمس، الشارع السوري على امتصاص الإحساس بالصدمة الذي انتابه جراء القرار الروسي سحب القوة الرئيسية من القوات من سوريا، فيما انحسرت بسرعة مشاعر الارتياح التي سادت أوساط المسلحين في الساعات الأولى من إعلان القرار، لتحلّ محلها مخاوف جدية من تداعيات الخطوة الروسية، وتساؤلات عن المستهدف الحقيقي من ورائها.

وما زاد الطين بلة بالنسبة لهذه الأوساط هو الإعلان عن اجتماع في تركيا، ضمّ قادة كبرى الفصائل للاتفاق على صيغة لتوحيد صفوفهم، الأمر الذي فهم على أنه سيكون بمثابة أمر عملياتي لإعلان الحرب على «جبهة النصرة».

وكانت حالة من الإرباك قد سادت صفوف الموالين للنظام السوري فور شيوع نبأ الانسحاب الروسي، لا سيما في ظل الغموض الذي هيمن على القرار، وعدم توفر أي معلومات عن أسبابه وخلفياته. وكان مصطلح «التخلّي» قد بدأ يداهم الأذهان قبل أن تسهم تصريحات جديدة لبعض المسؤولين الروس في تبديد هذه المشاعر، من خلال إيضاح الإطار السياسي والعسكري الذي يحكم قرار الانسحاب.

فمن جهة، نفى الكرملين أن يكون سحب القوات الروسية الأساسية من سوريا يستهدف ممارسة الضغط على الرئيس السوري بشار الأسد. وأكد المتحدث باسمه ديمتري بيسكوف أن قسماً من العسكريين الروس سيبقون في قاعدتي حميميم وطرطوس.

بدوره، قال رئيس مكتب الكرملين سيرغي إيفانوف إن «أحدث أنظمة الدفاع الجوي ستبقى في سوريا»، من دون أن يؤكد رسمياً ما إذا كان الأمر يتعلق ببطاريات صواريخ «أس 400» أم لا.

ومن جهةٍ ثانية، أعلن مسؤول عسكري روسي موجود في سوريا أن «الطيران الروسي سيواصل ضرباته الجوية على أهداف إرهابية، رغم سحب القسم الأكبر من القوات العسكرية الروسية من البلاد». وتأكيداً لذلك، تابعت الطائرات الروسية، أمس، القيام بمهامها القتالية في بعض المناطق السورية، لا سيما تلك التي يسيطر عليها تنظيم «داعش». حيث تمكن من إحراز تقدم غرب تدمر.

وفي ما يشبه التفسير لعبارة الرئيس الروسي أن «الأهداف اكتملت» قال مساعد وزير الدفاع الروسي الجنرال نيكولاي بانكوف إنه «من المبكر جداً الحديث عن انتصار على الإرهابيين، الطيران الروسي لديه مهمة تقوم على مواصلة الغارات ضد الأهداف الإرهابية» حسب ما نقلت عنه وكالة الأنباء الروسية من قاعدة حميميم. وهو ما يؤكد أن حديث بوتين كان يتعلق بالجانب السياسي من المهام، أي فرض «وقف العمليات العدائية» وانخراط الأطراف السورية في مباحثات جنيف للتوصل إلى حل سياسي، وليس له أي علاقة بالمهام المتصلة بمحاربة الإرهاب الذي هو الهدف المركزي للتدخل الروسي.

في المقابل، هدأت سريعاً موجة الارتياح التي عمّت أوساط المسلحين في أعقاب الإعلان عن الانسحاب الروسي، الذي حاول البعض تصويره على أنه إقرار روسي بالهزيمة والانكسار أمام «المجاهدين». وحلّت محلها بنفس السرعة حالة من التوجس والترقب، خصوصاً بعدما تبين أن الانسحاب ليس كما تصوروا، وأنه قد يكون حركة دهاء من قبل الطرف الروسي لها ما بعدها. وهو ما دعا بعض منظري هذه الفصائل إلى مطالبتها بالحذر واليقظة، لأن المرحلة المقبلة ستشهد مكراً عالمياً ضد «المجاهدين». وقد تكون «رسالة النصح» التي وجهها الشيخ أبو قتادة الفلسطيني خير ما يعبر عن هذه المخاوف. فقد رأى الفلسطيني أن الخطوة الروسية تستهدف تكرار نموذج أفغانستان، لأن الخروج الروسي من أفغانستان أواخر ثمانينيات القرن الماضي، كان بداية اقتتال الفصائل ضد بعضها بعضاً، لذلك حذّر من أن «المرحلة المقبلة (في سوريا) ستشهد تصعيداً شيطانياً ليقع القتال بين الفصائل».

وقد يبدو ربط الفلسطيني بين الانسحاب الروسي والاقتتال بين الفصائل غير منطقي، لكن هذا الربط يشير بكل الأحوال إلى مدى الخوف الذي بدأ يعتري أحد أهم منظري «جبهة النصرة» في الخارج، بأن تؤدي الأحداث التي شهدتها محافظة إدلب إلى اندلاع القتال بين الفصائل.

ولا يتوقف الأمر على أحداث إدلب وما تخللها من اشتباكات بين «جبهة النصرة» و «الفرقة 13» سقط جراءها عدد من القتلى من الطرفين، فهناك أيضاً الحملات الإعلامية التي بدأت تتخذ منحى تصاعدياً ممنهجاً ضد «النصرة»، متضمنةً فتح ملفات «البغي والظلم» اللذين قامت بهما ضد عدد من فصائل «الجيش الحر» خلال السنوات الماضية.

ولم يكن من قبيل الصدفة أن يقود حذيفة عزام، ابن عبدالله عزام الأب الروحي للحركات «الجهادية» في أفغانستان هذه الحملة، التي بدأها بنشر شهادته حول إبادة «جبهة ثوار سوريا» بقيادة جمال معروف، وما شهده بنفسه خلال عملية الإبادة من رفض «النصرة» للتحاكم أمام أي محكمة شرعية لا تتبع لها. وهو ما يذكّر بالحملة الإعلامية التي شنت ضد «داعش» أواخر العام 2013، وكانت التهمة الأولى الموجهة إليه هي «رفض التحاكم» ثم أخذت تتشعب وتتصاعد من البغي والظلم إلى تهمة الخوارج التي أباحت قتاله، وهو ما حدث منذ مطلع العام 2014.

وكان لافتاً في هذه الشهادة أنها أكدت ما سبق لـ «السفير» الكشف عنه في تشرين الثاني من العام 2014 في مقالة بعنوان «الجولاني يوبخ قادة أحرار الشام قبل مقتلهم». فقد تحدث عزام عن الاجتماع العاصف الذي جمع أبا محمد الجولاني مع قادة «أحرار الشام» قبل أيام من مقتلهم. وقال «كانت الاجتماعات الأخيرة بينهما محتدة، وكانت النفوس محتقنة تجاوزت حدود الحوار إلى ارتفاع الصوت بين بعض قادة الأحرار والجولاني، وافترقوا حينها على غير تراضٍ وما لبث قادة الحركة أن قضوا نحبهم».

وجاء الإعلان عن اجتماع في تركيا ضم قادة كبرى الفصائل، من بينها «جيش الإسلام» و «أحرار الشام» و«فيلق الشام»، مع عدد من ضباط الأمن والاستخبارات الأتراك ليؤجج المخاوف السابقة، وذلك بالرغم من أن الهدف المعلن للاجتماع هو «توحيد الصفوف». غير أن التجارب السابقة علّمت «جبهة النصرة» أن أي اتحاد للفصائل لم يتم من قبل إلا بهدف محاربة «داعش»، لذلك لم يتردد بعض قادتها عبر حساباتهم على «تويتر»، ومن بينهم أبو خطاب المقدسي، من التعبير عن قلقهم من أن يكون «قرار الحرب ضد جبهة النصرة قد صدر بالفعل» ولم يبق إلا وضع اللمسات الأخيرة على الخطة والأسلوب والذرائع.

وجاء نفي «أحرار الشام» لمشاركتها في تشكيل «جيش الفسطاط» في الغوطة الشرقية، الذي كان من المفترض أن يضمها إلى جانب «فجر الأمة» و «جبهة النصرة»، ليزيد من الشكوك حول نيات الحركة، وأن هذا النفي قد يكون مؤشراً على أن الحركة ربما سترضخ للضغوط التي تمارسها عليها بعض الجهات الإقليمية لفك تحالفها مع «جبهة النصرة».

وقد علمت «السفير» من مصدر من «أحرار الشام» أن الخلافات بين بعض قادة الحركة قد وصلت إلى درجة غير مسبوقة من التصعيد، على خلفية الموقف من «جبهة النصرة». إذ بينما يضغط «الجناح السياسي»، بقيادة الأخوين نحاس، لفك التحالف معها والانخراط في التحالف الذي تطالب به كلّ من تركيا والسعودية، وهو موضوع الاجتماعات في أنقرة هذه الأيام، فإن قادة الجناح العسكري وعلى رأسهم أبو صالح طحان يرفضون ذلك. وقال المصدر إن مشادات كلامية حصلت بين طحان وأبي عيسى الشيخ هدد طحان على إثرها بالاستقالة.

كما ظهرت خلافات بين قادة «أحرار الشام» في الغوطة الشرقية حول المشاركة في تحالف «جيش الفسطاط»، حيث بدا أن كلاً من أبي سليمان الزبداني وأبو موسى الكناكري كانا يؤيدان هذه المشاركة ويشجعان عليها، ويعتبران أنها خطوة نحو ما أسمياه «الاصطفاف السني»، بعيداً عن «الجهادية» والصوفية وغيرها من التيارات الإسلامية، فيما قرر عاصم الباشا، الذي عين «أميراً لأحرار الشام في الغوطة» منذ تشرين الأول الماضي خلفاً لأبي سليمان الزبداني، أن يرفض هذه المشاركة.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى