سحب القوات الروسية: التوقيت والدوافع حميدي العبدالله
كما فاجأت روسيا العالم بانخراطها إلى جانب الجيش السوري في مكافحة الإرهاب، فاجأت العالم مرة أخرى بقرار سحب قواتها الرئيسية من سورية.
الأرجح أنّ توقيت ودوافع هذا القرار سيثيران موجة كبيرة من الأسئلة، ولكن من الصعب على أي جهة وضع هذا الانسحاب في إطار الانكفاء نتيجة لفشل روسيا في سورية، أو لضغوط تتعرض لها القيادة الروسية، أو نتيجة لخلاف بين دمشق وموسكو.
الأسباب المُعلنة من قبل القيادتين السورية والروسية أوضحت توقيت ودوافع سحب القوة الرئيسية، أي انتفاء مبرر إبقاء هذا الحجم الكبير من القوات بعد التوصل إلى التفاهم بين روسيا والولايات المتحدة حول وقف العمليات والذي صمد حتى الآن، وحظي بدعم دولي واسع جعله مساراً مفتوحاً وليس هدنة لبضعة أيام أو بضعة أسابيع.
في ضوء هذا الواقع، لم يعد ثمة مبرّر لإبقاء القوات الروسية بالحجم الذي وصلت إليه قبل التوصل إلى اتفاق وقف العمليات.
وجود «القوات الروسية» الذي صدر أمر من بوتين بسحبها لم يصدر قرار بتوجُّهها إلى سورية إلا بعد إسقاط تركيا للطائرة الروسية، وتلويح حلف «ناتو» بالتضامن مع أنقرة. في ذلك الوقت، اضطرت روسيا إلى إرسال قوات لم تكن في عداد القوات الجوية التي أرسلت في 30 أيلول 2015 للإسهام في مكافحة الإرهاب، بل أرسلت هذه الطائرات والقاذفات والقطع البحرية بهدف ردع أي محاولة لتحويل الحرب إلى حرب إقليمية ودولية كبرى، وكان هذا الخطر قائماً حتى لحظة التوصل إلى الاتفاق الأميركي الروسي على وقف العمليات.
وكان من البديهي، بعد التوصل إلى هذا الاتفاق، أن تقرر روسيا سحب هذه القوات لأسباب عديدة أبرزها أنه لم يعد هناك مبرِّر لوجود هذه القوات بعد انتفاء مبرر إرسالها إلى سورية، وهو المبرِّر الذي يتجسّد في القلق من احتمال تدخل عسكري مباشر من قبل تحالف تقوده الولايات المتحدة، أو احتمال قيام إحدى الدول المرتبطة بالغرب باعتداء على سورية، والمقصود هنا تركيا. كما أنه لم يعد ثمة مبرّر لاستمرار هذا الحشد بالقوات الاستراتيجية التي لم تستخدم أصلاً في الحرب على الإرهاب في سورية، بل كانت إجراءاً استباقياً تحسُّباً لأي مغامرة من الأطراف الأخرى، وقد تحمّلت روسيا أعباء هذه العملية لردع كلّ من قد يسعى إلى شنّ عملية عسكرية خارجية في سورية.
اليوم لم يعد هناك ما يبرّر هذه الكلفة، وإذا ما حصل أي تطور مفاجئ في المستقبل، يُمكن حينها، كما قال الرئيس بوتين في أعقاب قراره سحب «القوات الرئيسية»، إرسال «قوة ضاربة» بسرعة كبيرة، إذ أنّ هذه القوة الضاربة في سورية قد تجمَّعت بسرعة قياسية، وما جرى تحقيقه في المرة الأولى يمكن تحقيقه في مرة أخرى.
في مطلق الأحوال، فإنّ القوة الجوية التي أُرسلت في 30 أيلول للإسهام إلى جانب الجيش السوري في قتال الإرهاب، لم يتم سحبها، ولا تزال قاعدة حميميم موجودة وفيها الطائرات المعنية بالمشاركة في الحرب على الإرهاب.
(البناء)