التعاون الخفي!: اليكس فيشمان
موت الطفلين من بيت لاهيا، اللذين اصيبا في قصف لسلاح الجو يوم الجمعة ليلا، ليس مأساة انسانية يتعين الاسف لها والاعتذار عنها فقط. فمقتل الأطفال في اطار ما يسمى في اللغة العسكرية «ضرر محيطي»، يضع قيد الشك سياسة الرد الإسرائيلية على نار الصواريخ من القطاع منذ «الجرف الصامد».
في ختام الحمل تعهدت القيادة السياسية إلا تبدي أي تسامح مع خرق وقف النار. وبالفعل، لم ينقض شهر واذا بسلاح الجو يهاجم اهدافا في القطاع ردا على نار الصواريخ نحو سديروت وعسقلان. ورويدا رويدا، من غارة إلى غارة ومن رد إلى رد، بدأ يتبلور نمط عمل مميز، متوقع، بعيد عن كل ما هو معروف في مبادىء القتال كالمفاجأة، الخدعة، حشد الحشود او التفكير الاصيل.
يبدأ هذا بإطلاق النار من القطاع نحو البلدات او قوات الجيش قرب الجدار ـ الامر الذي لم تكن حماس في أي مرة، بما في ذلك يوم الجمعة الماضي ـ مسؤولة مباشرة عنه. وهذا لا يمنع أحد ما في القيادة الأمنية من الاعلان بان حماس مسؤولة عن كل ما يجري في القطاع، ولهذا فانها ستعاقب. تمر بضع ساعات واذا بسلاح الجو يغير على اهداف تعرفها بيانات الناطق العسكري كاهداف بنية تحتية ومنشآت لحماس. باختصار «أهداف عقارية». معظم الغارات تنتهي بلا اصابات لحماس، حماس تهدد بالرد، وجولة اخرى تنتهي. منذ «الجرف الصامد»، كانت أكثر من 30 حالة كهذه. هذا سلوك عسكري محرج، عقيم، ليس فيه غاية او انجاز عسكري، ولا يبدو ان في وسعه أن يؤثر على خطوات الطرف الاخر. الحقيقة هي أن الجيش الإسرائيلي يهاجم أهدافا فارغة. فمن يؤمن بالمؤامرات يمكنه حتى أن يشك بان إسرائيل تبلغ حماس بالهجمات مسبقا. ولكن لا حاجة للمؤامرات: حماس تعرف اللعبة وتعرف بان الجيش الإسرائيلي يعطيها بضع ساعات بعد اطلاق النار حتى الغارة الجوية، كي تتمكن من النزول إلى المخابيء.
في الجيش أيضا يفهمون بان هذا القصف هو نوع من لعبة الرسائل، وفي قيادة الجيش الإسرائيلي هناك اصوات تتذمر من طريقة العمل هذه. غير ان للقيادة السياسية اعتباراتها. أولا، فقد صرحت بانها لن تكون متسامحة مع نار الصواريخ من القطاع، حتى لو لم تلحق ضررا، ووعدت بان حماس ستعاقب، حتى لو لم تنفذ هي اطلاق النار. وبشكل عام، ينبغي ان يرى المواطن الإسرائيلي بان الحكومة تفعل شيئا. ولكن إلى جانب الرسائل العلنية تختبىء هنا ايضا رسالة خفية. فمنذ «الجرف الصامد» تكاد حماس لا تشارك في اعمال عسكرية حيال إسرائيل. فهي تستعد للحرب، تفعل الإرهاب وتحرض في الضفة، تساعد داعش في سيناء واحيانا تتجاهل منظمات عاقة تطلق النار نحو إسرائيل، ولكنها نفسها تبذل جهدا كي لا تسخن الحدود.
لإسرائيل مصلحة بان تواظب حماس في سياسة «التجلد» هذه. فطالما لا تعتبر في نظر الجمهور الفلسطيني متعاونة مع إسرائيل او كمن تخلت مؤقتا عن مبدأ المقاومة، يمكنها أن تواصل سياسة لجم العمليات واطلاق النار ضد إسرائيل. وعليه، فان السبيل الاكثر نجاعة للحفاظ على الصورة الكفاحية لحماس في نظر الجمهور الفلسطيني هو الهجوم عليها. ما يسمح للناطقين بلسان حماس ان يعرضوا المنظمة كمن تقف في الخط الاول في الجبهة في مواجهة الهجمات الإسرائيلية الوحشية، خلافا للتعاون من رام الله.
هذه مفارقة: مقلوب على مقلوب. نحن في واقع الأمر «نساعد» حماس من خلال مهاجمتها. لإسرائيل توجد اليوم مصلحة في بقاء حكم حماس من اجل الحفاظ على استقرار ما في القطاع. فحماس تشكل حاجزا في وجه الفوض الداخلية وسقوط حماس في ايدي داعش وامثاله. وتنجح هذه المناورة عندما لا تكون اصابات، وبالتأكيد ليس بين المدنيين. عندما يكون القتلى اطفال، فان هذا يحطم الاواني ويضع حماس في مشكلة. فالجمهور يطلب الحماية، مما هو كفيل بالزام حماس بالرد حقا. يحتمل أن تحتوي حماس الحدث الاخير، ويتواصل التظاهر. ولكن نموذج القصف الجوي مع ضرر يمكن احتماله، وبدون اصابات بين المدنيين من شأنه أن يستنفد نفسه.
يديعوت