أبعاد ونتائج في قرار بوتين
غالب قنديل
انصب اهتمام وسائل الإعلام على محاولة فهم وتأويل القرار المفاجيء الذي أعلنه الرئيس فلاديمير بوتين بعد التشاور مع الرئيس بشار الأسد بسحب القوات الروسية الرئيسية في سورية وهي كناية عن قاذفات مقاتلة هجومية واطقمها وبعض القطع البحرية مع الإبقاء على القاعدتين الروسيتين البحرية والجوية وقوات الحماية الخاصة بهما بما في ذلك الصواريخ الحديثة لحماية الأجواء السورية ( S300وS400 ) ووحدات الطيران الاستطلاعي التي تعمل في مراقبة وقف العمليات العسكرية التي تشمل مناطق تواجد الجماعات المسلحة التي وافقت على الدخول في المسار السياسي وانخرط قسم منها في آلية المصالحات وإلقاء السلاح التي تقودها الدولة الوطنية السورية وحيث اكد الجانبان الروسي والسوري في بيانات رسمية على استمرار التحالف الوثيق والعمل المشترك في الحرب على الإرهاب بدعم روسي مباشر للجيش العربي السوري .
الأهداف التي قال الرئيس بوتين إنها تحققت واستدعت قراره المعلن والنتائج المترتبة على القرار يمكن إجمالها بما يلي :
– ثبات تفوق الجيش العربي السوري واسترجاعه للسيطرة على مساحات واسعة من الأراضي السورية قدرها الروس بعشرة الاف كيلومتر مربع وتصاعد العمليات التي ستبقى مستمرة ضد داعش وجبهة النصرة والجماعات المصنفة إرهابية وفقا للوائح التي أعدها الفريق الروسي المختص بمتابعة الهدنة والمكرسة امميا لدى مجلس الأمن الدولي بناء على التفاهم الروسي الأميركي الذي آنجز آلية فرز مبدئية للجماعات المسلحة.
– حققت العملية الروسية الواسعة ردعا ثابتا للتدخلات التركية الداعمة لقوى الإرهاب وفرضت الحد من إرساليات السلاح والمسلحين إلى سورية من الحدود التركية والأردنية التي اقتربت منها عمليات الجيش العربي السوري تحت التغطية الجوية الروسية الكثيفة والثقيلة وحيث بات بإمكان الجيش العربي السوري والقوى المؤازرة المكرسة في الاتفاق الروسي الأميركي وبقرار من مجلس الأمن ان تواصل مطاردة العصابات الإرهابية حتى الحدود تمهيدا لإغلاقها.
– انجز الحليف الروسي خلال سير العمليات الجوية الداعمة للقوات السورية المسلحة تجديدا شاملا لترسانة هذه القوات من السلاح والذخائر بحيث بات سلاح الجو السوري قادرا على مواصلة الحرب على الإرهاب بجدارة بمعونة منظومات تقنية متطورة مشتركة مع الأقمار الصناعية الروسية التي ترتبط بغرف العمليات السورية مباشرة وتفيد من معلوماتها وحدات المدفعية الحديثة وأسراب الطيران الحربي والمروحي والقوات البرية السورية والقوى المؤازرة لها والتي أثبت قدرة عالية على التقدم وتحرير المناطق في المعارك التي خاضتها خلال الأشهر الماضية.
– من المعلوم ان الخبراء الروس الموجودين في سورية أصلا والمستشارين العسكريين والمدربين الذين قدموا مع الحملة الجوية الروسية تشملهم الاتفاقات الثنائية المتعلقة بالتعاون العسكري بين روسيا الاتحادية والجمهورية العربية السورية والمرتبطة بإرساليات السلاح الروسية للجيش العربي السوري والتي انطلقت منذ العام 2007 وتصاعدت في سياق الحرب على الإرهاب.
– يأتي القرار بمثابة اختبار لدول حلف العدوان على سورية التي هددت بالانتقال من خطة الحرب بالوكالة إلى التدخل العسكري المباشرغير مرة وبعدما جاهرت الولايات المتحدة بلسان رئيسها باراك اوباما بطي هذا الاحتمال نهائيا فالاختبار يشمل العربدة السعودية والتركية والإسرائيلية بحيث ان هذه الحكومات إذا جربت الاعتداء على سورية ستجد الجيش العربي السوري بقدراته المتجددة جاهزا لصدها بقوة مفاجئة وستجد روسيا في موقع الداعم لدفاع سورية عن سيادتها الوطنية وستكون روسيا في مجلس الأمن الدولي قادرة على استقطاب الولايات المتحدة إلى جانبها بدعم تدابير دولية رادعة للمغامرين عملا بالتفاهمات الثنائية الروسية الأميركية وهو ما قد يشمل قريبا تحركا مرتقبا في المجلس لردع الحكومات التي ستواصل دعم الجماعات الإرهابية في سورية عملا بقرارات اممية سابقة.
– جهد الرئيس بوتين منذ بداية العدوان الاستعماري على سورية للظهور في موقع دافع للمسار السياسي الذي خربته الولايات المتحدة وحلفاؤها رغم التعهدات التي نكلها جون كيري وتراجع عنها غير مرة منذ حزيران 2012 وقد امكن بفضل المبادرة العسكرية الروسية بناء على طلب الرئيس الأسد التعجيل في إرغام واشنطن على الخضوع لقواعد متوازنة للعملية السياسية انطلاقا من بيان فيينا وصولا إلى الاتفاق الذي أعلن من موسكو ببيان للرئيس بوتين تبناه الرئيس الأميركي ولولا تعديل التوازن على الأرض الذي فرضه الجيش السوري بدعم جوي روسي لما تحقق ذلك بالسرعة التي تم بها والقرار الأخير الذي شاء بوتين وضعه في رصيد مفاوضات جنيف يدعم هذا التوجه الروسي ويطرح التحدي على الحكومات المشاركة في حلف العدوان.
– المبادرة الروسية حسمت دوليا القواعد التي أرسيت للعملية السياسية بوصفها حوارا سوريا سوريا بقيادة سورية و حسمت اعتبار الاحتكام إلى إرادة الشعب السوري طريقا للبت بحصيلتها العملية وهذا ما يتناسب ورؤية الدولة الوطنية السورية التي طرحها الرئيس بشار الأسد منذ بداية العدوان على سورية ورفضتها دول العدوان وعملاؤها في الواجهات السياسية المعارضة المتحولة على مر السنوات الخمس الماضية .
– بعد الخطوة الروسية سيتبلور المشهد بوضوح اكثر : الجيش العربي السوري يقود الحرب على الإرهاب بقيادة الرئيس بشار الأسد رئيس الجمهورية العربية السورية والعالم مطالب بدعم جهود هذه الدولة التي تقود المصالحات وتقود العملية السياسية الداخلية وتكافح الإرهاب نيابة عن العالم وهذا ما سيكون مضمون مبادرات روسية قادمة قد تتحول إلى استصدار قرارات اممية داعمة لسورية مع تقدم الجيش العربي السوري نحو إدلب والرقة معقلي جبهة النصرة وداعش ومناطق أخرى تسيطر عليها وحدات مصنفة إرهابية او تنحاز إلى داعش والنصرة ويبقى القول إن اهم عبارة روسية صدرت امس كانت قول مسؤول عسكري روسي : إننا قادرون ساعة نريد على إعادة نشر قواتنا الجوفضائية الثقيلة التي سنسحبها في سورية خلال 24 ساعة حين تقضي الضرورة والاستنتاج : الضرورة يقررها الرئيسان بوتين والأسد كما حصل سابقا بالطبع.