تعويم جمهورية سوكلين
غالب قنديل
نجدد استعمال التسمية بالإذن من الشركة التي نقتبس اسمها لتوصيف حالة سياسية ونمط من الحكم وطريقة في إدارة الشأن العام ميزت الحريرية منذ وفادتها بعد اتفاق الطائف .. إنه مشهد معبر : سوكلين عادت بعد عودة الرئيس سعد الحريري الذي قدم بجدارة رعايته للتفاهم الحكومي.
مبروك لجميع الشركاء والمستفيدين ! … عادت سوكلين كالقدر الأعمى وستجثم صيغة التقاسم والخصخصة في إدارة النفايات لأربع سنوات وحتى لو استحدثت شركات اخرى وبشركاء مختلفين ستبقى سوكلين هي الرمز والعنوان والنموذج بعدما انتصر حزب الرئيس فؤاد السنيورة على اللبنانيين الذين ملأوا الساحات صراخا وأسالوا كثيرا من الحبر في بيانات الاستنكار وهم بالأصل ظلوا قلة ضعيفة مشتتة تتقاسمها رايات الاستعراض الأجوف والاختلاف على جنس الملائكة.
تم تعويم جمهورية سوكلين كمعادلة للخصخصة والتقاسم على حساب المال العام ومفهوم الخدمة العامة بعدما نجح الحزب الحاكم المتحكم في ترويض الرأي العام بحيث بات مجرد رفع النفايات من الشوارع والتخلص من الروائح الكريهة والجراثيم المنبعثة من تلالها المتراكمة في كل حدب وصوب إنجازا مرتجى يستحق التهليل وهدفا يستحق الصمت على الشبهات التي اكدتها تصريحات وزارية في حمى الأزمة ولجانها ومناقصاتها الفضائحية فالخوف من الجرب والطاعون والأفاعي والجرذان صار أكبر من المخاوف الأخرى التي يثيرها ترف الحلم بدولة حديثة تحترم فيها الأصول وتقوم فيها البلديات بمعالجة حضارية لخدمة هي من واجباتها البديهية.
جرى التآمر على الحراك الشعبي العفوي الذي انطلق فور اندلاع الأزمة التي نشأت نتيجة خلاف على التقاسم الذي كان قائما منذ التسعينيات وسعت اطراف الشراكة لاستغلال الحراك بإغلاق المكبات واستثارة مناخ من التوتر في البلد لتمرير تعديل التقاسم وفقا لصيغة المناقصة التي تقدمت فيها ست شركات بأوراق عرض مكشوفة.
تم لجم اندفاعة الجمهور باستحضار شبح التصادم الطائفي والمناطقي وعبر التلويح بمخاطر أمنية ومن خلال تضخيم شبهات وعلاقات لبعض مجموعات الناشطين أكدتها تصريحات السفير الأميركي وكأنه أراد المساهمة بذلك في إجهاض الهبة العفوية لخدمة أصدقائه الواجفين على حصصهم وهكذا استعمل التخويف من خضة امنية خطيرة بوصفه السلاح الأمضى بيد الفريق الحاكم كلما لاحت بشائر نهوض شعبي حول القضية الاجتماعية او حول المطالبة بالتغيير السياسي المنشود انطلاقا من قانون انتخاب نسبي يضعف قبضة العصبيات الطائفية والمذهبية التي يحتمي بها اطراف الفريق الحاكم ويحرصون على دوامها لتمزيق الشعب وتفكيكه.
استخدم قادة حزب سوكلين تقنية بدوية بدائية في ترويض الرأي العام وهي إحداث وجع اكبر من الوجع الأصلي كما يفعل الحجامون الذين يتركون جرحا على جسد المريض ينشغل في مداواته فينسى ألمه الأصلي ويتوهم انه تخلص منه وهكذا ترك المسؤولون النفايات تتراكم وتتعفن ولم يتخذوا أي تدبير عملي لرفعها وأشغلوا الناس بخبريات الترحيل والتلزيم التي كشفت كثيرا من نهم المتقاسمين وجشعهم غير المسبوق واستباحتهم شتى السبل للنهب والتنفع بما فيها التزوير والكذب وكل ذلك وظف لينسى الناس مطالبتهم بتطوير إدارة النفايات وفق المعايير البيئية والصحية وبإحياء دور البلديات فبعدما هاجمت النفايات البيوت وطافت بها الشوارع صار رفعها هو الهم المقيم وبأي ثمن والثمن هو عودة الخصخصة والتقاسم برجوع سوكلين واخواتها معززة ولأربع سنوات وأيا كانت التبريرات والأغلفة المستعملة للتسويق والتبرير فالقصة المحسومة هي الظن بوجود حصص مالية وشبهات تقاسم في الخصخصة ومجددا في إلغاء مفهوم الخدمة العامة وتهميش البلديات ووضع اليد على أموالها .
كشفت ازمة الأشهر الثمانية بما لايدع مجالا للشك عدم نضج القوى السياسية التي ترفع شعارات التغيير وعدم نضج الرأي العام لبلورة حركة شعبية تغييرية رغم كثرة المنظرين والزعماء الذين استغرقوا في مشهدية الساحات والاستعراض وطاشت أحجار بعضهم حتى تصرفوا وكانهم أسقطوا النظام القائم ولم يبق أمامهم غير الاهتداء إلى الشكل الدستوري البديل فتنازعوا في الشعارات والأولويات وتاهوا في جدالات عقيمة ومنافسات أشد عقما بينما الناس الذي هبوا في البداية وأثارت حشودهم شهية الخطباء آثروا العودة إلى بيوتهم ومزابلهم الصغيرة بدلا من هدر الوقت مع قوى ومجموعات أسكرتها الجموع بدلا من التفكير الناضج والهاديء في سبل تطوير الحركة العفوية والنهوض بها إلى الأمام نحو اهداف محددة ومتواضعة كانت متاحة التحقق في ملف النفايات ولو تم ذلك لشكل مقدمة ملائمة للتقدم صوب شعارات تغييرية كثيرة طرحت في عكاظ الحراك الشعبي.
الأنكى والأخطر من كل ما تقدم ان هذا النموذج المشبوه والبائس للتقاسم والخصخصة ينقرض في معظم دول العالم بدءا من الولايات المتحدة ويتجدد في بلاد الأرز وتستحق القضية ان نسميه “السكلنة ” التي تم إحياؤها وهي تستحق تقديمها كمذهب سياسي واقتصادي سيهدد قريبا قطاعات كثيرة كالكهرباء والنفط والمياه والضمان الاجتماعي والهاتف الثابت وربما الأتوتسترادات وعلى اللبنانيين ان يفتحوا عيونهم جيدا على ما سيجري إنشاؤه من شركات محلية وما سيتم استقدامه من شركات اجنبية في السعي الحثيث لتمكين اخطبوط مالي متعدد الجنسيات سينهب الثروات العامة على حساب شعبنا “العظيم” الغارق في عصبيات الطوائف والمذاهب التي يتلاقى باسمها “الزعماء العظام” لينهبوا الجميع بدون رحمة .