سورية وجنيف 3: ضبط الإيقاع وتبديد أوهام المعتدين امين محمد حطيط
كثيرة كانت المناورات التي قامت بها مجموعة العدوان على سورية خلال الجولة الأولى من جنيف 3، بدءا بالاستنسابية في تشكيل وفد المعارضات وصولا إلى الدلع في الحضور وتجنب اللقاء المباشر ورفض الإقرار ببدء المباحثات في إطار الدعوة الموجهة من قبل الأمم المتحدة مرورا بشروط جنونية قديمة استعيدت أو شروط تعجيزية جديدة ابتدعت، في سلوك عدواني يكاد المتابع أو المراقب يظن معه أن جبهة العدوان على سورية حققت نصرا في الميدان وذهبت إلى جنيف لإلزام سورية بالتوقيع على صك الاستسلام وهو طبعا امر يعاكس الواقع بشكل تام؟
لقد استغل أعداء سورية حرصها على دماء أبنائها ومصالح الدولة الوطنية حرصا دفعها إلى المرونة في التعامل مع أكثر من مسألة ومجال بدءا بتشكيل وفود المعارضات على يد مملكة الإرهاب السعودي حيث تم اختيار من يمثل المصالح الأجنبية ويحمل الجنسية السورية من غير استحقاق، وصولا إلى طريقة السلوك وطرح أفكار ليس لها أساس قانوني أو سياسي أو واقعي ألا في ذهن من يطلقها من المعتوهين والمرتزقة السياسيين.
لكن وحتى لا يتمادى هؤلاء المعتوهين وأسيادهم المعتدين في غيهم ومكابرتهم، رأت سورية وجوب إعادة النظر بالمرونة في التعامل وانه بات ملحا إعادة التذكير الحازم بالثوابت الوطنية التي لا نقاش ولا حوار حولها عبر إعلان واضح لما هو مقبول ولما هو غير مقبول في التداول والبحث لدى العمل على المسار السياسي للخروج من الأزمة.
وقبل أن نتوقف عند هذه الثوابت نذكر بمبدأ أساسي في إدارة النزاعات والصراعات، مفاده انه في صراع كالذي يجري في سورية بين مشروع عدواني استعماري إقليمي -أجنبي ومشروع مقاوم وطني وإقليمي، لا يمكن للمعتدي أن يملي شروطا أن لم يكن قد انتصر في الميدان، أو كان يحتفظ بأوراق يمكنه استعمالها من التأثير على مسار الميدان لجعله في صالحه.
و إسقاطا لهذا المبدأ على الواقع السوري نجد و بكل موضوعية أن مشروع العدوان استنزف كل أوراقه و لم يبق منها في اليد ألا أوراق الإعلام و الحرب النفسية أما الأوراق العسكرية و الميدانية المؤثرة فقد فرغت يده منها كلها بدءا من التهديد بالتدخل العسكري المباشر الذي نعاه أوباما بشكل قاطع ، مرورا بالسعي إلى مناطق آمنة أو مناطق حظر جوي وقد فشل اردغان في تحقيقها وصولا إلى مناطق الاقتطاع الإرهابي التي باتت الجماعات المسلحة تتساقط فيها تباعا ويدخلها الجيش العربي السوري مع حلفائه الصادقين ،أما التقسيم و الفدرلة فإنها أوراق حكم بعقمها في ظل انتصارات سورية مؤخرا ما يعني أن الأداة العسكرية للعدوان باتت في شبه انكسار و لا يمكن أن يعول عليها جديا .
ومع عجز القدرة العسكرية لمشروع العدوان وانتفاء مقومات القوة الفاعلة التي تغير ميزان القوى بعد المتغيرات الأخيرة يكون منطقيا أن ترفض سورية ومن معها من الحلفاء التسليم لمكونات العدوان بشيء مما يطلبونه خارج الأطر الدستورية والقانونية والشرعية، ويأتي في طليعة ما يكون رفضه واجبا، تسليم السلطة أو إعادة تشكيلها بعيدا عن إرادة الشعب السوري. وهو المطلب الذي يبدو أن دعاة العدوان ومنفذيه يتمسكون به أو يصرون عليه وكان شيئا لم يحصل من هزائم لهم في الميدان أو كأن الميدان لم يتطور في غير صالحهم.
في ظل هذا التناقض بين ما يطلبه المعتدون و ما تتمسك أو ما يحق لسورية أن تتمسك به يطرح السؤال عن مصير الجولة الثانية من جنيف 3 ، و هي الجولة التي يبدو مشهدها مشوبا بالغموض و الارتباك على صعيد معسكر العدوان ، بينما يبدو الأمر ساطع الوضوح و الثقة بالنفس على الصعيد السوري و الحلفاء و مع هذا التناقض لا يكون للتفاؤل حول مصير الجولة المدعو اليها في جنيف اليوم مكان معتبر ، ما يقود إلى القول بان احتمال الفشل هو اعلى من احتمال النجاح و يتحمل المسؤولية في الأمر الأمم المتحدة خاصة مبعوثها دي مستورا و تلحق به جماعات المعارضات و ممثليها في جنيف3 و رعاتهم الدوليين خاصة الإقليميين منهم .
أما عن دي مستورا فهو خالف في تصرفه منطوق القرار 2254 الذي على أساسه دعا لجنيف 3 حيث اظهر انحيازا واضحا لجماعات العدوان وهنا نسجل باستغراب إشراكه و تحت ضغط تركي و سعودي و غربي بعض فصائل المعارضات السورية في الحوار دون أخرى ثم اصراره على اقتصار المشاركة على من تريده السعودية و انصياعه للفيتو التركي فيخرج بتشكيل وفد لا يمثل حتى نصف المعارضة، ثم انه يزج نفسه في وضع جدول الأعمال و تحديد مهل زمنية لهذه العمل أو ذاك مما يتصل بالاستحقاقات الدستورية و كانه يحل نفسه محل طاولة الحوار و يتصرف كما لو انه المفوض السامي المنتدب على سورية .
أما وفد المعارضات فهو رغم تمثيله الجزئي لما يسمى معارضة، بعد أن استبعد من صفوفه معارضات أخرى، استبعادا أدى إلى رفض بعض المدعوين المشاركة في الإطار الذي وضعه دي مستورا، فان من سيحضر يبدو مشتتا مربكا تشده إلى الوراء طموحات ساقطة ويرفض الاعتراف بالواقع ويتجنب القراءة في الميدان لأن فيه ما لا يريحه لذلك فأننا لا ننتظر من جماعة هذه حالها أن تكون قادرة على التفاوض والالتزام أو تنفيذ ما تلتزم به هذا إذا سمح لها أسيادها أن تلتزم.
أما على صعيد الوفد السوري، وهو الوفد الذي أدهش الجميع باحترافه وصلابته وموضوعته وقدرته على التمسك بالمبادئ الثوابت السورية الوطنية والسيادية، فانه يذهب هذه المرة بشكل متميز عن المرات السابقة ويبدي قدرة واضحة على ضبط إيقاع المؤتمر وما سيجري من مباحثات فيه على ضوء ما يلي:
1. لم يعد هناك مجال للتساهل وترك الوفد الممثل للمعارضة جزئيا أن يمارس سياسة الاستعراض والدلع فالوقت ليس وقت تقديم جوائز ترضية لاحد. وسورية تعرف جيدا أنها هي في الفريق المنتصر وأن الحرب عليها بدأت تضع أوزارها وان غبارها بدأ يتكشف عن حقيقة تؤكد أن سورية باتت في مأمن من الأخطار الاستراتيجية وهي قادرة على حفظ الانتصار أما المعتدي فهو المهزوم العاجز عن أحداث تغيير في المشهد.
2. لم يعد مقبولا أي نوع من أنواع التسويف والمماطلة في السياسة من اجل كسب وقت لاستعماله في تحشيد ميداني معادي بعد ان أثبتت المتغيرات أن أحدا من المدعوين لن يقدر على أحداثه. وبالتالي فأما أن تسير الأمور وفقا للمنطق السليم والسيادة السورية وتكون الحركة على المسار السياسي بما يحفظ ذلك أو أن يستمر العمل في الميدان في مرحلة أولى كما هو الأن ضد المجموعات التي صنفت إرهابية ولم يشملها قرار وقف العمليات العدائية وفي مرحلة ثانية الانتقال للعمل ضد المتمردين الذي يعرقلون الحل ويمنعون عودة الأمور إلى طبيعتها إرضاء لأسيادهم في الخارج.
ومع هذا التباين في المواقف والتفاوت في القدرات والإمكانات بين سورية والأخرين أعداء وخصوم نكاد لا نتوقع من جنيف 3 في جولته الثانية أن يحقق شيئا معتبرا، لا حكومة ولا غيرها، وهنا يطرح السؤال حول مصير المسار السياسي كله فهل يقفل وتكون الاكتفاء بالعمل العسكري وتكون الكلمة الفصل للميدان؟
المنطق السليم يقول نعم لكن الظروف ومصالح بعض الأطراف الدوليين وعلى راسهم أميركا تجعل الفكر يذهب باتجاهه آخر حيث يتوقع أن تمارس أميركا ضغطا من نوع جديد على من يعرقل جنيف 3 من اتباعها لتحمله على التصرف بشيء من الواقعية حتى لا يخسر وتخسر هي معه كل شيء ولهذا جاء كيري إلى المنطقة وأوروبا ليبلغ رسائل من نوع لم يألفه الاتباع.
ولذلك نعتقد أن جنيف 3 في جولته الجديدة قد لا يأتي بجديد يعول عليه الآن وبالتالي لن ينال دي مستورا جائزة تعيين حكومة انتقالية ولن يصادق له على ما حدد من تواريخ لأجراء انتخابات، لكن ذلك لن يكون نهاية المطاف فبعد هذه الجولة سيكون عهد آخر. وهي نتيجة يؤكدها وزير الخارجية السوري الذي استبق الأمر وكرس الثوابت باسم القيادة السورية.