مقالات مختارة

رحلة النفايات من تموز إلى آذار: ابتزاز ومحاصصة وصفقات عقارية ايلي الفرزلي

 

تفوق مجلس الوزراء على نفسه. 7 ساعات أضيفت إلى عشرات الساعات التي استهلكتها الحكومة في معالجة ملف النفايات، منذ إغلاق مطمر الناعمة في صيف العام 2015 حتى الآن. لكن مع كل ذلك الجهد، لم تحد هذه الحكومة، في جلسة 12 آذار 2016، قيد أنملة عما ورد في كتاب السلطة اللبنانية. بدت الجلسة دليلاً فجاً على الجشع الذي أدى إلى مراكمة النفايات في الشوارع لثمانية أشهر.

في ملف النفايات، لم يفتتح «البازار»، بالأمس. هو مفتوح منذ إقفال مطمر الناعمة. كان المطلوب حينها إعادة توزيع الحصص، لأن ثمة من اكتشف أن القسمة القديمة لم تكن عادلة.. فلم يعد يرضى أن تأكل «سوكلين»، ومن خلفها، البيضة والتقشيرة لوحدها. لكن البازار الأخير تفوق على كل ما سبقه. وكان «مقرفاً»، على حد قول أحد الوزراء المشاركين في جلسة الحكومة.

لا أحد إلا ويريد أن يرفع النفايات من الشوارع ومن المكبات العشوائية، لكن ثمة فارقا كبيرا بين رفع النفايات وبين تمرير الصفقات تحت أكوام النفايات وروائحها. وإذا كانت السلطة قد عملت منذ اليوم الأول على ابتزاز الناس من خلال إغراقهم بالنفايات والأمراض، تمهيداً لفرض ما يناسبها من «حلول»، فقد ظن كثر أن طول مدة الأزمة سيقلب السحر على الساحر وسيجعل الحكومة تلجأ للمرة الأولى إلى حلول بيئية جدية، تتخطى المنطق الذي حكم الجلسات الـ11 التي عقدتها منذ تموز الماضي.

تقاسم 160 مليون دولار

ذلك لم يحصل طبعاً. وبالرغم من أن اللجنة الوزارية كانت قد اتفقت على فتح مطامر الناعمة وبرج حمود والكوستابرافا، ولم يكن ينقص سوى تثبيت مجلس الوزراء للاتفاق، لكن تبين في الجلسة أن الخلاف بشأن الحصص كان بحاجة إلى بعض «الرتوش». ولأن الأجواء التي سبقت عقد الجلسة، أوحت أن القرار سيصدر حكماً، فقد كان ذلك كفيلاً بتشجيع مختلف الأطراف على رفع سقف مطالبهم وعدم التردد في ابتزاز بعضهم البعض. وبنتيجة المزاد، تبين أن الحكومة ستدفع للبلديات المتضررة، أي برج حمود، الجديدة ـ البوشرية ـ السد، الشويفات، برج البراجنة والمنطقة الخدماتية الثانية (الشوف وعاليه)، 8 ملايين دولار عن كل سنة، أي ما مجموعه 160 مليون دولار، يضاف إليها 6 دولارات عن كل طن ينقل إلى مطمر الناعمة الذي تقرر فتحه لمدة شهرين، (لم يُحَدَّد إلى من سَيُدْفَع هذا المبلغ، كما استثنى القرار تحديد البلديات التي ستستفيد من الحوافز في الشوف وعاليه).

وإذا كانت التقديرات تشير إلى تراكم 370 ألف طن في الشوارع والمكبات العشوائية، فإن المبلغ الذي سيدفع من حساب البلديات المستفيدة إلى الجهة المجهولة ستكون 2.2 مليون دولار، بما يجعل إجمالي المبالغ 162 مليون دولار. لكن ذلك ليس سوى أول الغيث، إذ إن الحكومة أقرت أيضاً رشى إضافية، تقدر بـ50 مليون دولار هي عبارة عن مشاريع إنمائية ستنفذ في البلدات المحيطة بالمطامر الثلاثة، علماً أن الحكومة نفسها سبق وأقرت رشى لمنطقتي البقاع وعكار قيمتها 100 مليون دولار لكل منطقة، على أن تحدد المشاريع والخدمات التي ستنفذ بقرارات تصدر عن رئيس مجلس الوزراء.

حتى الإنماء يباع

لا نقاش في أحقية مختلف المناطق بالمشاريع الإنمائية، إلا أن الحكومة لم تطرحها من هذا المنطلق، إنما ربطتها بشكل واضح بملف النفايات. وعلى سبيل المثال، فقد أعلن الرئيس تمام سلام، في جلسة 25 آب 2015، عن أمله أن يساهم إقرار الحكومة لهذه الرشى «في إيجاد حل فوري لأزمة تراكم النفايات المنتشرة في كل مكان».

كل ما سبق ليس إلا مقبلات الصفقات. الطبق الرئيسي يبقى في تغير الجغرافيا اللبنانية. شركة «سوليدير» ستصير ثلاثا، بعدما تقرر إسقاط نموذجها على المساحات التي ستردم في برج حمود والكوستابرافا، وقبلهما في صيدا، التي تقرر نقل بعض نفايات بيروت إلى معمل المعالجة فيها. وإذ تقدر المساحة التي تستحدث في برج حمود بنحو 350 ألف متر مربع، مقسمة بين الشركة المنفذة والدولة وبلديتي برج حمود والجديدة، فإن الأمر نفسه سيحصل في منطقة الكوستابرافا، حيث تمت الموافقة أيضاً على مطلبها استثمار الأراضي التي ستنتج من ردم النفايات في نطاقها.

الحلوى تبقى دائماً من حصة «سوكلين»، التي لم تنجح كل محاولات إقصائها، وإن نجحت مساعي تقاسم القطاع معها. فقد أقر المجلس استمرارها في القيام بالأعمال التي كانت تقوم بها، أي الجمع والكنس والنقل إلى فترة مجهولة عنوانها «إلى حين إجراء مناقصات جديدة»، وهي فترة لا تقل عن شهرين، حيث يفترض أن يجري مجلس الإنماء والإعمار المناقصات، ولا تزيد عن أربع سنوات.. ربما.

ما بعد عودة الحريري

خلاصة الجلسة، بالنسبة إلى مصدر مطلع على مفاوضات اللحظات الأخيرة، أن الحل الذي أقر يتناسب مع الواقع الوحيد الذي تغير منذ تموز الماضي وحتى الآن: عودة الرئيس سعد الحريري.

وبذلك، ثمة من يجزم أنه كان لا بد أن يعبّر عن هذه العودة الحريرية بتنفيذ وعد زعيم «المستقبل» برفع النفايات من الشوارع خلال يومين، والأهم دخول المقاول الأول في الجمهورية جهاد العرب شريكاً رئيسياً في القطاع باستصلاح الأراضي التي ستنجم عن ردم البحر، فضلا عن تحضير أماكن الردم.

يقول كثر من الوزراء إن الخطة ستمر، برغم اعتراضات الحراك المدني، الذي عاد إلى الشارع بعنوان فضفاض («الإنذار الأخير»)، وبرغم التهديد الملتبس للنائب طلال ارسلان بالتصعيد، والذي انتهى عمليا بالموافقة على الخطة الحكومية.

مسيرة النفايات كانت طويلة، لكنها بدأت بالقرار الأخطر، أي إقفال مطمر الناعمة قبل بدء الحل البديل، علماً أن الجميع كان يعرف أنه حتى لو سارت المناقصة حينها بشكل طبيعي، كانت الشركات بحاجة إلى أشهر عدة قبل أن تكون مستعدة لمعالجة النفايات. لكن الخطة كانت تحديداً تقضي بترك النفايات تتراكم في الشوارع، تمهيداً لتمرير أي قرار يعيد توزيع الثروات والمغانم.

11 فشلاً لحكومة النفايات

ولأن الحسبة لم تكن دقيقة أو لأن الطمع كان كبيراً، صارت الحلول تتعثر كلما «أبدعت» الحكومة، بكل مكوناتها، في ايجاد واحد منها تلو الآخر.

كانت جلسة 30 تموز 2015 أول الغيث في «معالجة» الملف. يومها وصف الرئيس تمام سلام أزمة النفايات بأنها «كارثة وطنية»، فظن الناس أنه لن يسمح للكارثة بالتمدد.

في جلسة 5 آب، أعلن عن «جهود حثيثة تُبذل على قدم وساق لمعالجة هذه المشكلة الملحة»، موضحاً أن «أحد الخيارات التي تُدرَس بعناية هو خيار تصدير النفايات الى الخارج الذي نأمل ان نكون قد توصلنا الى قرار فيه خلال أيام قليلة».

في الجلسة التي تلت، أي في 13 آب، قال: «ما زلنا نسعى لإيجاد حلول لمشكلة النفايات التي صار لها للأسف لون طائفي ومذهبي ومناطقي».

في 25 آب، عقدت الحكومة جلسة استثنائية لمناقشة الملف، حيث أعلنت، تحت ضغط الشارع، رفض نتيجة المناقصات وتكليف اللجنة الوزارية البحث عن بدائل. كما قدمت «رشى» إلى منطقتي عكار والبقاع، «على أمل الوصول الى معالجة سريعة تزيل الوضع الضاغط لهذا الملف».

وكانت جلسة 27 آب أول جلسة تطرح فيها مشاركة البلديات في الحل و «أفكار جديدة تتماشى مع مطالب المجتمع المدني»، مع الإقرار بمواصلة المساعي الحثيثة لإيجاد المطامر وتجهيزها من أجل إزالة النفايات من الشوارع فوراً.

وبعد أن أبعد وزير البيئة محمد المشنوق عن الملف، تحت ضغط الشارع أيضاً، كلف الوزير الجنبلاطي أكرم شهيب «بمتابعة هذا الملف بالسرعة اللازمة». وبالفعل، تمت في جلسة 9 أيلول الموافقة على خطة شهيب لجهة الاخذ بمبدأ لامركزية المعالجة، والموافقة على اعتماد مطمري سرار في عكار، ومنطقة المصنع في سلسلة جبال لبنان الشرقية، واستخدام معمل معالجة النفايات في صيدا، لاستقبال جزء من الكميات خلال المرحلة الانتقالية، وفتح مطمر الناعمة لسبعة أيام واستكمال دراسة استخدام مكب برج حمود وإعداد الدراسات اللازمة لتأهيل مكب رأس العين والمباشرة بتلزيمه.

سقطت خطة شهيب لأكثر من سبب. وهنا تتعدد الروايات، من نجاح المجتمع المدني والمناطق المتضررة في محاصرة الخطة في مهدها، إلى تحميل السياسيين مسؤولية عدم الضغط على بيئاتهم الاجتماعية للسير بالخطة، وصولاً إلى اعتبار رفض الخطة وعدم العمل بشكل كاف لتنفيذها، بمثابة الخطوة الأولى على طريق الترحيل، الذي أقر في 21 كانون الأول، بعد انقطاع الحكومة عن الاجتماع لأكثر من ثلاثة أشهر.

واستكمالاً لقرار الترحيل، أقر المجلس في جلسة 11 شباط سلفة خزينة بقيمة 50 مليون دولار من أجل تمويله، قبل ان يترنح في الجلسة التي تلت (18 شباط)، والتي شهدت عودة الحديث عن المطامر، التي «قطعت ثلاثة أرباع الطريق» في جلسة 3 آذار، والتي هدد سلام فيها أنه سيعلن فشل الحكومة في حال عدم التوصل إلى حل خلال أيام.

بعد تسعة أيام أعلن القرار، مكرساً فشل الحكومة للمرة الحادية عشرة في معالجة ملف النفايات، من دون الحاجة إلى إعلان رئيس الحكومة هذا الفشل.

أبرز معالم خطة النفايات

– الموافقة على إنشاء مركزين مؤقتين للمعالجة والطمر الصحي في كل من برج حمود ـ البوشرية ومصب نهر الغدير.

– الموافقة على إعادة فتح مطمر الناعمة لمدة شهرين لاستيعاب النفايات المتراكمة عن المرحلة السابقة وتطبيق القانون الرقم 280/2014 المتعلق بالحوافز المالية للبلديات المحيطة به.

– يحدد مركز المعالجة والمطمر الصحي لقضاءي الشوف وعاليه في مرحلة لاحقة بالتشاور مع البلديات المعنية.

– الموافقة على توزيع النفايات الناتجة من منطقة بيروت الإدارية في المراكز المستحدثة بموجب هذا القرار وفي معمل صيدا.

– يتم إنشاء وتطوير معامل المعالجة والفرز والمطامر الصحية وفق القواعد العلمية والبيئية بالتنسيق مع البلديات المعنية.

– تكليف وزيري المالية والداخلية والبلديات إعداد مشروع قانون للحوافز تعطى للبلديات التي تقع في نطاقها معامل الفرز والمعالجة والمطامر الصحية. والموافقة على إقرار دفعة قدرها 40 مليون دولار لهذه السنة قابلة للتمديد بقرار من مجلس الوزراء لكل من البلديات التالية: برج حمود.الجديدة ـ البوشرية. الشويفات. برج البراجنة. والمنطقة الخدماتية الثانية (الشوف وعاليه). تدفع من حساب البلديات المستفيدة من معالجة وطمر نفاياتها في الصندوق البلدي المستقل.

– دفع مبلغ 6 دولارات عن كل طن من النفايات المتراكمة التي تصل الى معمل الناعمة.

– تخصيص مبلغ خمسين مليون دولار لتغطية مشاريع إنمائية في البلدات المحيطة بكل مطمر من المطامر الثلاثة وموزعة على أربع سنوات.

– الموافقة على طلب بلديات برج حمود والجديدة ـ البوشرية ـ السد والشويفات استثمار الأراضي التي ستنتج من ردم النفايات في نطاقها.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى