اوباما: السعودية موّلت المدارس الوهابية بشكل كبير وأردوغان فاشل واستبدادي
بعد مقابلة الرئيس الاميركي باراك اوباما مع توماس فريدمان وصحيفة “نيويورك تايمز”، في نيسان الماضي، استكمل الرئيس كشف تفاصيل ارثه السياسي وعقيدته في مقابلة موسّعة من 83 صفحة مع جيفري غولدبرغ في مجلة “ذي أتلانتك” .
في المقابلة مع غولدبرغ روّج أوباما لما مفاده أنه وجد نفسه تحت ضغوط داخلية وخارجية دفعته إلى إعلان نية التدخل العسكري في سوريا في العام 2013 إثر التقارير التي تحدثت عن استخدام غاز السارين في الغوطة، الاجتماعات مع مسؤولي السياسة الخارجية وفريقه الأمني كانت تطلب منه التحرّك عسكرياً. ولكن بحسب غولدبرغ، فإن “أوباما لم يكن يعتقد بأن الرئيس يجب أن يعرّض الجنود الأميركيين لخطر كبير من أجل تجنّب كوارث إنسانية، إلا في حال كانت هذه الكوارث تشكل خطراً على الولايات المتحدة”.
وفي هذا الإطار قال الكاتب الأميركي إن أوباما كان يرى أن “سوريا تشكل منحدراً مثلها مثل العراق”، وهو توصّل، خلال ولايته الأولى، إلى اعتقاد مفاده أن “التهديدات تبرر تدخلاً أميركياً مباشراً، هي القاعدة، والتهديد لوجود إسرائيل، وأيضاً التهديد الذي يشكله السلاح النووي الإيراني والذي يرتبط بأمن إسرائيل”. لذا، “لم يصل الخطر الذي يشكله نظام الرئيس السوري بشار الأسد إلى مستوى هذه التحديات“.
آب 2013 كان مهماً جداً في “عقيدة” أوباما وفق غولدبرغ، حينها عدل عن القيام بعمل عسكري، بعدما كان قد مهّد لذلك في خطاب ألقاه في البيت الأبيض على خلفية حديث مساعديه ووزير الخارجية جون كيري عن مصداقية أميركا ومستقبل مصالحها وحلفائها الذي أصبح على المحك.
بناءً على خطاب أوباما كان هناك الكثير من المسرورين بقرار التدخل العسكري، ومن هؤلاء السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير الذي أصبح وزيراً للخارجية، يومها أخبر الجبير أصدقاء له، وأيضاً مسؤوليه في الرياض، أن “الرئيس أخيراً جاهز لضرب سوريا”، “أوباما أدرك مدى أهمية هذا الأمر”، قال الجبير لأحد محاوريه، مضيفاً “هو بالتأكيد سيضرب“.
ولكن أوباما الذي كان قد طلب من البنتاغون وضع لائحة بالأهداف، “يؤمن بأن مؤسسة السياسة الخارجية الأميركية، التي يزدريها سراً، تصنع من المصداقية أمراً معبوداً، خصوصاً المصداقية التي يتم الدفاع عنها بالقوة”، على ما نقل عنه غولدبرغ.
لذا، “وجد أوباما نفسه يتراجع عن فكرة القيام بهجوم غير مصرّح به من القانون الدولي أو الكونغرس”. ومن أسباب العدول عن ضرب سوريا، قال لغولدبرغ، إن “الشعب الأميركي بدا غير متحمّس للتدخل في سوريا، وأيضاً عدداً من القادة الغربيين الذين يحترمهم، مثل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ثم جاء رفض البرلمان البريطاني السماح لكاميرون بالهجوم على سوريا“.
القرار أغضب حلفاء كثيرين، ومنهم وليّ عهد أبوظبي محمد بن زايد، “الذي كان غاضباً من أوباما لتخلّيه عن الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك“.
ابن زايد قال لزائريه الأميركيين إن “الولايات المتحدة يقودها رئيس غير جدير بالثقة”. كذلك ملك الأردن عبدالله الثاني الذي كان مقتنعاً بفكرة أن أوباما يبتعد عن حلفائه التقليديين وينشئ تحالفاً جديداً مع إيران. وقال لأحد المقرّبين “أؤمن بقوة أميركا أكثر ممّا يفعل أوباما”، السعوديون أيضاً غضبوا من العدول عن الضربة، حينها عاد الجبير وقال للمسؤولين في الرياض “إيران هي القوة الكبرى الجديدة في الشرق الأوسط، والولايات المتحدة هي القوة القديمة“.
بعض أكبر خيبات أمله، وفق غولدبرغ، كان سببها بعض القادة في الشرق الأوسط أنفسهم. نتنياهو يدخل من ضمن هؤلاء، إذ إن أوباما كان “يعتقد أن نتنياهو يمكن أن يوصل إلى حل الدولتين”. وفي “إحدى الزيارات التي قام بها نتنياهو لواشنطن، عام 2011 ، بدا كأنه يعطي أوباما محاضرة بشأن التهديدات التي تحيط بإسرائيل”، فكان ردّ أوباما وهو غاضب “أنا أجلس هنا في البيت الأبيض، لكني أفهم جيداً عمّا تتحدث، وما هي مشاكل الشرق الأوسط”. ولكن من جهة أخرى، عبّر أوباما عن إعجابه بـ”صمود الإسرائيليين في وجه الإرهاب المتواصل“.
هناك قادة آخرون كانوا “مصدر إحباط” بالنسبة إلى أوباما، ومنهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي كان ينظر إليه أوباما في البداية على أنه “قائد مسلم معتدل يمكن أن يكون جسراً بين الشرق والغرب”، ولكنه اليوم يعتبره “فاشلاً واستبدادياً، يرفض استخدام جيشه الضخم من أجل المساهمة في إعادة الاستقرار إلى سوريا”. بناءً عليه، ينقل عنه غولدبرغ قوله بـ”أسلوب ساخر”، “كل ما أحتاجه في الشرق الأوسط هو عدد قليل من الاستبداديين الأذكياء“.
التناقضات لدى أوباما كثيرة. ووفقاً لوزير الدفاع الأسبق ليون بانيتا، أوباما كان يطرح الكثير من الأسئلة، ومنها “لماذا على الولايات المتحدة أن تحافظ على التفوّق العسكري النوعي الإسرائيلي مقارنة بالحلفاء العرب؟”. هو أيضاً “تساءل عن الدور الذي يلعبه حلفاء الولايات المتحدة العرب في دعم الإرهاب المعادي لأميركا“.
كذلك، يشير الكاتب إلى أن أوباما “غاضب من العقيدة السياسية الخارجية التي تجبره على معاملة السعودية كحليف“.
أوباما يرى، وفق غولدبرغ، أن “الحروب والفوضى في الشرق الأوسط لن تنتهي، إلا إذا تمكنت السعودية وإيران من التعايش معاً والتوصل إلى سبيل لتحقيق نوع من السلام“.
كذلك، ألقى بقدر من اللوم في الأزمة الليبية على حلفائه الأوروبيين. وقال: «حين أرجع بالزمن وأسأل نفسي ما الخلل الذي حدث، تكون هناك مساحة للنقد، لأنني كانت لدي ثقة أكبر في ما كان سيفعله الأوروبيون في ما بعد، نظراً إلى قرب ليبيا“.
وأضاف: “هناك دول فشلت في توفير الرخاء والفرص لشعوبها. هناك أيديولوجيا عنيفة ومتطرفة أو أيديولوجيات تنشر من خلال وسائل التواصل الاجتماعي… هناك دول فيها القليل جداً من العادات المدنية، وبالتالي حين تبدأ الأنظمة الشمولية بالتداعي، فإن المبادئ المنظمة الوحيدة الموجودة تكون الطائفية“.
في اجتماع لمنظمة «ايباك» مع رئيس الحكومة الأسترالية مالكولم تيرنبول، وصف أوباما كيف تحوّلت إندونيسيا، تدريجياً، من دولة مسلمة متسامحة إلى دولة أكثر تطرفاً وغير متسامحة. سأله تيرنبول “لماذا يحصل هذا الأمر؟»، فأجابه أوباما “لأن السعودية وغيرها من الدول الخليجية ترسل الأموال وعدداً كبيراً من الأئمة والمدرّسين (الإسلاميين) إلى البلد”. وأضاف “في عام 1990، موّلت السعودية المدارس الوهابية بشكل كبير، وأقامت دورات لتدريس الرؤية المتطرفة للإسلام، والمفضّلة لدى العائلة المالكة”. عندها سأله تيرنبول “أليس السعوديون أصدقاءكم؟”، فأجابه أوباما بأن “الأمر معقد“.
جيفري غولدبرغ عقّب بالقول “في البيت الأبيض، يمكن سماع المسؤولين يقولون لزائريهم إن العدد الأكبر من مهاجمي 11 أيلول لم يكونوا إيرانيين”. حتى إن أوباما نفسه يهاجم السعودية في الغرف المغلقة قائلاً إن «أيّ بلد يقمع نصف شعبه، لا يمكنه أن يتصرّف بشكل جيّد في العالم الحديث“.