الأوروبيون يقدمون وعوداً فارغة لردع اللاجئين! بروكسل – وسيم ابراهيم
أيام قليلة تنتظر أن يذوب ثلج الإعلانات الأوروبية والتركية، ويبان مرج الاتفاق الفعلي بينهما حول تدفقات اللاجئين.
إذا وضعت تلك الخطة الآن، كما نقلتها الإعلانات والبيانات والتصريحات، تحت جهاز تصوير شعاعي، فلن يظهر لها عمود فقري واضح. إنها أشبه بجرعة علاج مركّزة، لمشكلة يحتاج الأوروبيون، ألمانيا تحديداً واليونان، حلاً لها. بعض من يعملون عليها يؤكدون أن الفارغات فيها، نقاط الالتباس والغموض، سيتم ملؤها لاحقاً وفق تفاهمات محددة.
قبل أي حديث عما يجري لجعل الخطة قابلة للتطبيق، وكيفية تنفيذها، كان السؤال الأساسي: ما هي هذه الخطة بالضبط؟ القاعدة هي أن كل من سيصل إلى الجزر اليونانية ستتم إعادته إلى تركيا، أيا كانت جنسيته وأوضاعه. سيتم النظر باعتبار خاص للسوريين الذين يتم إعادتهم، على أساس «واحد مقابل واحد»، عبر توطين عدد مماثل من السوريين بنقلهم من تركيا إلى دول أوروبية.
لكن هناك غموضاً يكفي لجعلها مجرد معادلة حسابية فارغة من أي معنى. المنظمات الحقوقية انتقدت «مقايضة» تجعل ثمن توطين السوريين في أوروبا مرهونة بعدد السوريين الذين يخاطرون بحياتهم. إذا توقف السوريون عن التوجه إلى اليونان، فهل سيعني ذلك «صفر» توطين من تركيا؟ الجميع كان يدور في فلك تلك الأسئلة، من دون أن يكون وزراء داخلية أوروبا، خلال اجتماعهم في بروكسل، قادرين على رسم خريطة واضحة ومقنعة لبناء الخطة وكيفية عملها.
حسب ما أكدت مصادر أوروبية سابقاً، يجري تحضير خطة إعادة توطين للسوريين خارج منطق «واحد مقابل واحد». هذه القضية أكدها وزير الهجرة الهولندي كلاس ديكهوف، حين سألته «السفير» عن البدائل «الشرعية» التي يتحدثون عنها بهدف إيقاف الهجرة «غير الشرعية». قال إن طرح «واحد مقابل واحد هو نظام مؤقت للتوطين، مجرد مرحلة، وليس آلية دائمة»، قبل أن يلفت إلى أنه «علينا الحديث مع تركيا حول خطة إعادة توطين أكثر ديمومة، وفق منطق تقاسم العبء، وحينها ستنتهي مرحلة واحد مقابل واحد».
لكن لم يكن وضع تلك الآلية المؤقتة عبثياً. الهدف منها إيصال اللاجئين إلى اليأس من جدوى التوجه لليونان، بإفهامهم أنه سيجري إعادتهم من حيث أتوا. يقول ديكهوف مشدداً على ذلك «حين تتوصل إلى اتفاق (مع تركيا) فالناس لن يتوقفوا عن القدوم من تلقاء نفسهم، أعتقد أنه حين ننفذ خطوة واحد مقابل واحد فسيرى (اللاجئ) أنه ليس مجدياً الدفع لعبور البحر بطريقة خطرة وغير شرعية، وبالتالي سيتوقف» التدفق.
مع ذلك، ليس هناك ما يضمن النجاح. دول أوروبية عديدة رفضت سابقا استقبال اللاجئين، حتى ضمن آلية توزيع مؤقتة لنقل 160 ألف لاجئ من اليونان وإيطاليا. مسؤول أوروبي، يعمل على الملف، قال لـ «السفير» إن عرّابي الاتفاق مع تركيا يعملون على «إلغاء حجج الرفض» التي رفعتها دول أوروبية. متحدثاً عن آفاق خطة توطين من تركيا، مع تحفظه على ذكر أرقام، أوضح أن «تلك الدول تتذرع بأنه لا يمكننا فعل شيء قبل وقف التدفقات على الحدود اليونانية، وأننا لا نعرف من يأتي»، مشدداً على أن «تطبيق الخطة مع تركيا سيلغي تلك الأعذار، وحينها لا يمكنهم رفض استقبال لاجئين لأنهم سيكونون معزولين وبلا أعذار».
الأوروبيون يعملون الآن لجعل الاتفاق قابلاً للتطبيق، خصوصاً عبر استكمال جوانب قانونية وفنية. أبرز المشاكل القانونية هي أن الدول الأوروبية لا يحق لها ترحيل من يحق لهم طلب الحماية الدولية، خصوصاً أنهم قادمون من مناطق حرب، بموجب اتفاقية «جنيف» المتعلقة بحقوق اللاجئين. لتلافي هذه الثغرة، كما شرح مسؤولون يعملون على الملف، لا بد من إعلان تركيا بلد عبور «آمن». عبر هكذا إعلان، كما يشرح، يمكن لليونان «إعادة كل اللاجئين بشكل يتوافق مع القانون الدولي، قبل ذلك سيكون غير شرعي مثلاً إعادة من يطلبون اللجوء إلى الجزر اليونانية، لكن مع إعلان أن تركيا بلد آمن يمكن فعل ذلك».
حدث بعض اللغط جراء تصريح مسؤولين أتراك أن أنقرة لن تقبل إعادة المتواجدين على الجزر اليونانية، مؤكدين أن ذلك ليس ضمن الخطة مع الأوروبيين. المسألة لم تكن بحاجة لهذا اللغط. منذ البداية، حالما جرى التفاهم على الخطة، أكد الجانب التركي ضرورة إخلاء الجزر اليونانية من كل اللاجئين، للانطلاق في تطبيق الاتفاق فوق «صفحة بيضاء».
لتجنب أي لغط، وفق ما أعلن الجانبان سابقاً: لن تشمل مفاعيل الاتفاق كل من يصلون الآن إلى الجزر اليونانية، أو من وصلوا سابقاً، أو من سيستمرون في الوصول في الأيام المقبلة. التطبيق سيحتاج سلسلة خطوات، أولها التصديق النهائي على الخطة، المجدول في قمة 17 و18 آذار الحالي، ثم إعلان تاريخ محدد ليجري من حينه حساب اللاجئين الواصلين إلى الجزر اليونانية.
هناك مصاعب عديدة تواجه المصادقة على الاتفاق، قبل الحديث عن تطبيقه. يجب أيضا على تركيا، لتكون بلداً آمناً، أن تعلن التزامها باتفاقية «جنيف» حول اللاجئين، كما أكد المفوض الأوروبي للهجرة ديمتريس أفرامابوليس. ليست ملتزمة بكامل الاتفاقية حتى الآن، في حين يطالب الأوروبيون الآن أن تفتح المجال أمام من يريد طلب اللجوء فيها، لكونها تتيح للسوريين وضع «ضيف» لا يستوجب أي التزامات تحت القانون الدولي.
ليس معروفاً، بدقة، إن كان ما يحصل مجرد مضاربات قبل التوقيع، أم حرباً دعائية لمناهضي الخطة. كل هذه المساومة مع أنقرة لقيت انتقادات حادة في البرلمان الأوروبي. بعض الدول ترفض منح الأتراك، تلقائياً مقابل تعاونهم، اتفاقية لسفر مواطنيهم من دون تأشيرة دخول إلى أوروبا. تلك الاتفاقية تحتاج عادة توافر عشرات الشروط والتفاصيل التقنية والقانونية والحقوقية.
لكن ألمانيا تبدو عازمة على المضي لانجاز الصفقة. إنها المتأثرة الأكبر بتدفقات اللجوء. طوال أشهر حاولت عبثاً خلق إجماع أوروبي حول سياسة مشتركة. يبدو أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل اختارت منذ مدة الحلّ العملي بما يحقق مطالب برلين لتقليل تدفقات اللجوء: بدل التفاوض والجدل مع 27 دولة أوروبية، تشكل الاتحاد الأوروبي، لكل منها اعتباراتها السياسية ومشاكلها وأعذارها، اختارت تركيز محادثاتها ومساوماتها مع تركيا لكونها الأقدر على صنع فرق سريع.
المشكلة التي رأتها برلين بوضوح أن القضية لم تعد ترتبط بحجم التدفقات، واستخدام اليمين المتطرف لها، رغم خطورة ذلك مع وجود أحزاب متطرفة يمكنها المنافسة على السلطة الآن. القضية باتت تهدد أيضا مصير منطقة «شنغن» للتنقل الحر، بعدما قطعت أوصالها الرقابة الحدودية بفرضها من ثماني دول أوروبية.
حين سألت «السفير» وزير الداخلية الألماني توماس دو مزييه عن التشكيك في فعالية ومصداقية الخطة مع تركيا، قال إنها ستكون قادرة على وقف التدفقات إلى اليونان. موضحا وجهة نظره، اعتبر أنه «عبر إجراءاتنا نريد القضاء على أعمال المتاجرين بالبشر، لقد كانوا الرابح الوحيد حتى الآن»، قبل أن يضيف «لهذا فمن يأتي إلى اليونان نحتاج لإعادته إلى تركيا، وحينها يمكن بطريقة شرعية وتحت السيطرة أن تحدث الهجرة إلى أوروبا على نطاق أقل، وهذا سيقلل الأعداد وينهي النشاطات الإجرامية».
(السفير)