وثائق «داعش» المسرّبة: مهندسان لبنانيان بين 122 انتحارياً عبد الله سليمان علي
ما كان مفترضاً أن يشكل أكبر عملية اختراق لأسرار تنظيم «داعش» وخفايا بنيته الهيكلية، انقلب بسرعة إلى شكوك كبيرة حول مصداقية الوثائق المسربة ومدى صحة المعلومات الواردة فيها. وبالتالي فإن أسماء اللبنانيين الواردة في هذه الوثائق تبقى محل شك حتى إثبات العكس.
ومن جملة الأسباب التي أدت إلى هذه الشكوك، تضارب الأنباء مؤخراً، حول وجود أكثر من عملية تسريب لوثائق تتعلق بتنظيم «داعش». فمن جهة أعلنت صحيفة ألمانية عن حصول الشرطة الجنائية الألمانية على وثائق تتضمن معلومات عن المواطنين الألمان المنخرطين في تنظيم «داعش».
ومن جهة ثانية قالت شبكة «سكاي نيوز» البريطانية، الأربعاء، إن عنصراً منشقاً عن «داعش» سلّمها وثائق تتضمن بيانات شخصية عن 22 ألفاً من أفراد التنظيم مخزنة على ذاكرة «يو إس بي». كذلك قام موقع «زمان الوصل» السوري المعارض بنشر وثائق تتعلق بهوية 122 انتحارياً مسجلاً في سجلات التنظيم التي تحمل اسم «بيانات مجاهد». وليس معروفاً إلى الآن هل نحن أمام التسريب نفسه، لكن كل جهة تهتم بالشق الذي يعنيها من الوثائق.. أم هي تسريبات مختلفة؟ يبدو أن الاحتمال الثاني هو الأرجح، لأن وزير الداخلية الألماني توماس دي ميزير أعرب عن اعتقاده بصحة المعلومات الواردة في الوثائق التي بحوزة أجهزة الأمن الألمانية، في حين تتصاعد الشكوك حول التسريبات الأخرى، ولا سيما الوثائق التي نشرها الموقع السوري.
وكان موقع «زمان الوصل» قد نشر استمارة خاصة بأسماء 122 من «الانتحاريين» المسجلين في تنظيم «داعش»، مشيراً إلى أنها القائمة الأخطر التي استخلصها من بين آلاف الوثائق التي حصل عليها نهاية العام الماضي. ويبدو أن هذه هي الوثائق نفسها التي تتحدث عنها «سكاي نيوز» لأن «زمان الوصل» تحدث عن الرقم 22 ألف اسم نفسه الذي ورد في خبر الشبكة البريطانية.
ومن بين قائمة الـ 122 ورد اسم لبنانييْن اثنين هما: «أبو خطاب التميمي»، اسم الأم هدية، خريج هندسة، من مواليد 1988 منطقة بوارج، دخل إلى سوريا بتاريخ الأول من شهر تشرين الثاني عام 2013 عن طريق إدلب، وبتزكية من «أبو البراء الشامي» عضو المحكمة الشرعية في أعزاز. واللبناني الثاني بحسب التسريبات هو «أبو شادي اللبناني»، اسم الأم عائدة، مواليد 1982 بلدة قرعون ـ بجانب جامع الساحة، وهو ايضاً خريج هندسة ودخل عن طريق إدلب في التاريخ نفسه الذي دخل فيه التميمي وبالتزكية نفسها من «أبي البراء». لكن الفرق بينهما أن التميمي اختار أن يكون انغماسياً أو استشهادياً، بينما اختار أبو شادي أن يكون مقاتلاً عادياً أو استشهادياً.
ولا شك أن التحقق من صحة المعلومات الواردة في هذه الوثائق يحتاج إلى وقت طويل، خصوصاً أن التسريبات أخفت جزءاً أساسياً من المعلومات الشخصية، كالأسماء الحقيقية وأرقام الهواتف، وعزت ذلك إلى سياسة التحرير في الموقع. لذلك لا يمكن حسم صحة أو عدم صحة ما ورد فيها قبل التأكد منها بطرق موثوقة.
لكن ينبغي التمييز بين أمرين وهما: صحة مضمون المعلومات الواردة في الوثائق، ونسبتها إلى سجلات رسمية صادرة عن تنظيم «داعش». فلا شيء يمنع أن تكون بعض الأسماء والمعلومات صحيحة، لكن من المحتمل أن تكون هذه الوثائق مصطنعة لتبدو كأنها صادرة عن التنظيم، وهناك العديد من الأدلة التي تثبت ذلك.
وقد أشار بعض الخبراء إلى ما تحتويه البيانات من معلومات متضاربة، إذ كُتب على سبيل المثال اسم التنظيم بطريقتين مختلفتين في الوثيقة الواحدة، وهما «دولة الإسلام في العراق والشام» و»الدولة الإسلامية في العراق والشام». ومن بين الخانات الواردة «تاريخ القتل والمكان» بدلاً من مصطلح «استشهاد» الذي يستخدمه التنظيم.
ولكن الدليل الأقوى هو أن الوثائق استخدمت التاريخ الميلادي لتحديد تاريخ دخول الأشخاص إلى سوريا أو لإثبات تاريخ ولادتهم، ومن المعروف أن تنظيم «داعش» يعتمد التاريخ الهجري ويحرّم الاعتماد على التاريخ الميلادي بشكل مطلق، لذلك من المستحيل أن يذكره في سجلات رسمية صادرة عنه، فكيف وأن بعض الحقول الواردة في الوثائق ذكرت شهر رمضان وأعقبته بذكر العام الميلادي؟ فمثل هذا الخلط في التواريخ لا يمكن أن يصدر عن دواوين التنظيم.
كما ورد في الوثائق أنها صادرة عما أسمته «الإدارة العامة للحدود»، بينما التسمية المعتمدة من قبل التنظيم، وحتى من قبل تنظيمات أخرى مثل «جبهة النصرة»، هي «ولاية الحدود».
وأهم ما يلفت الانتباه في الأسماء الواردة أنه من الصعب إيجاد اسم منها قام بالفعل بعملية انتحارية برغم أن جميع الأسماء، بما فيها أسماء اللبنانيين، ورد أنها دخلت إلى سوريا منذ عامين ونصف تقريباً، فهل إلى هذه الدرجة يحتاج الانتحار لدى «داعش» للوقوف في طابور الانتظار؟.
(السفير)