الحرب على سوريا.. السعودية وتركيا تعملان على فتح الجبهة اللبنانية:فينان كانينغهام
تحاول المملكة العربية السعودية وحلفائها في المنطقة من خلال سلسلة تدابير صارخة، لزعزعة استقرار لبنان. كما تسع المملكة العربية السعودية وتركيا على حد سواء إلى تقويض اتفاقية وقف اطلاق النار في سوريا وتصعيد الصراع إلى مستوى رفيع في المنطقة .
نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريرا هذا الاسبوع طرحت فيه معضلة ساذجة إلى حد ما: “امضى دبلوماسيون ومحللون عدة أسابيع لمحاولة فهم لماذا السعوديون ابدو اندفاعا كبيرا لمعاقبة لبنان – وربما حلفاء لبنانيين مرتبطين بهم – بسبب التأثير القوي الذي يمتلكه حزب الله، والذي لا شيء جديد فيه”.
حسنا، هذه هي الاجابة السريعة: كانت روسيا فعالة جدا في سحق اي حرب خفية لتغيير النظام في سوريا، وهذا ما ادى الى اصابة المملكة العربية السعودية وتركيا بنوبة غضب هيستيرية.
جاء التدخل العسكري الروسي في سوريا للدفاع عن دولة عربية تواجه حرب سرية مدعومة من الخارج وتضم مجموعة من الوكلاء الذين لا يعدون ولا يحصون، وبتدخلها وجهت ضربة قاسية لمكائد واشنطن وحلفائها في حلف شمال الأطلسي والدول العميلة الإقليمية.
وبينما حاولت واشنطن وشركائها الغربيين اتباع مسار سياسي بديل لتغيير النظام في سوريا، بقيت المملكة العربية السعودية وتركيا عالقتان في اخدود الحرب السرية.
هم يراهنون على أن الجيوش الإرهابية الوكيلة المسلحة يمكن بطريقة أو بأخرى ان تنقذهم من الخسائر التي منيو بها من قبل القوات الجوية الروسية بالاشتراك مع القوات البرية التابعة للجيش العربي السوري، والمستشارين العسكريين الإيرانيين وحزب الله اللبناني.
وبالتالي، فإن الانتهاكات الفورية لاتفاقية وقف اطلاق النار التي دعت اليها واشنطن وموسكو في سوريا، جاءت من قبل الجيش التركي الذي قصف الحدود الشمالية لسوريا. وهذا ان لم يكن خرقا انما هو استفزازا سافرا للسيادة السورية، كما أشارت موسكو.
التعبئة السعودية العسكرية، بما في ذلك التركية، على الحدود الشمالية الشرقية مع العراق، فضلا عن نشر تقارير عن الطائرات المقاتلة السعودية التي وصلت إلى قاعدة إنجرليك الجوية التركية مقابل محافظة اللاذقية شمال غرب سوريا يمكن أن ينظر إليها على أنها خطوات مدروسة لتقويض وقف إطلاق النار. الاستنتاج المنطقي لهذا العدوان الطائش من قبل كل من المملكة العربية السعودية وتركيا هو اشعال أوسع للصراع، ومن شأن تلك التصرفات جر الولايات المتحدة وروسيا إلى حرب مفتوحة.
ينبغي أن تفسر سلسلة المبادرات التي تقودها السعودية تجاه لبنان في هذا السياق. ففي الأسبوع الماضي، أعلنت المملكة العربية السعودية والممالك السنية في مجلس التعاون الخليجي حزب الله منظمة إرهابية. الكلمة التي “عفا عليها الزمن” تتبادر إلى الاذهان من جديد، وورائها حافز خفي.
الغى الحكام السعوديون، الملك سلمان وابنه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان خطط منح لبنان 4 مليارات $ كانت بمعظمها مساعدات على شكل منح عسكرية، كانت ستنفق على تطوير الجيش الوطني اللبناني.
ودون تقديم أي دليل، اصدرت دول مجلس التعاون الخليجي – الكويت وقطر والبحرين والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان بالإضافة إلى المملكة العربية السعودية – تحذيرات سفر لمواطنيها الراغبين في زيارة لبنان، وأعلنت دول مجلس التعاون الخليجي أيضا أن حزب الله يتدخل في شؤونها الداخلية ويحاول توظيف مواطني الخليج في المنظمة للقتال في سوريا، حتى دول مجلس التعاون الخليجي هددت بترحيل العمال المغتربين اللبنانيين، والذين يبلغ عددهم نحو نصف مليون.
وذكرت وسائل الإعلام الإقليمية انه تم الاستيلاء من قبل السلطات اليونانية الأسبوع الماضي على مخبأ كبير للأسلحة، موجود بصورة غير مشروعة على متن سفينة تبحر من تركيا إلى لبنان.
السعوديون وحلفائهم الإقليميين عملوا على تغيير النظام في سوريا على مدى السنوات الخمس الماضية- وعملوا ضد الحكومة الروسية، والإيرانية المتحالفة مع حزب الله والرئيس السوري بشار الأسد في كل المجالات – فعدم الاستقرار في المنطقة هو أفضل وسيلة لإنقاذ الحرب السرية التي تخوضها السعودية وحلفائها في سوريا.
تدرك الاستخبارات الاميركية والبريطانية والفرنسية أن الحرب السرية التي تنطوي على وكلاء الإرهاب لم تعد خيارا قابلا للتطبيق – نظرا للقوى الهائلة المحتشدة لدعم الدولة السورية، وليس أقله القوة الجوية الروسية.
يحاول النظمانالسعودي والتركي الذي يرأسه رجب طيب أردوغان أن يكونا مرنين ومتشبثين بجدول أعمال الحرب السرية.، ولكن سيكون على هذه القوى النظر إلى أي شيء اقل من إزالة الرئيس الأسد من منصبه لان عدم تحقيق هذا الهدف شكل ضربة خطيرة لغرورهم المستبد واعتبر دفعة ايجابية لمنافسهم الإقليمي، الشيعة الذين تدعمهم إيران.
قرار دول مجلس التعاون الخليجي بحق حزب الله الشيعي هو محاولة للانتقام من الميليشيا التي ساعدت باقتدار الجيش السوري لاستعادة السيطرة على مجالات رئيسية ومنعت المسلحين المتطرفين السنة من تغيير النظام في البلاد، بالتزامن مع الضربات الجوية الروسية. كما ساهمت في اغلاق المعابر الحدودية في اللاذقية وإدلب وحلب وقطع الطريق على ألوية الإرهاب من الحصول على أسلحتهم من تركيا، وهذا يوضح جزئيا سبب استجابة نظام أردوغان لطلب قصف الحدود من أجل تامين الغطاء لتمرير كل ما يحتاج اليه المسلحين.
وعلاوة على ذلك، تهدف الحملة التي تقودها السعودية لمعاقبة حزب الله أيضا الى زعزعة استقرار لبنان من خلال خلق تصدعات طائفية داخل البلاد. فقد شوهت واشنطن وبعض الدول الغربية الأخرى صورة حزب الله من خلال اعتباره “منظمة إرهابية” ولأنه انشأ “دولة داخل الدولة” وبسبب جناحه العسكري الذي يقوم الى جانب الجيش الوطني اللبناني.
ومع ذلك، حزب الله معترف به دستوريا وهو شرعي في لبنان. ويرجع ذلك جزئيا إلى الدور الرئيسي للحزب في طرد الاحتلال العسكري الإسرائيلي المدعوم من الولايات المتحدة للبلاد في العام 2000 ومرة أخرى في العام 2006. ويفخر الكثير من الشعب اللبناني، بما في ذلك المسيحيين والمسلمين السنة، بحزب الله كقوة مقاومة شريفة وقفت في وجه احتلال امبريالي تقوده الولايات المتحدة في المنطقة.
الحزب – الذي تعترف به روسيا أيضا تحت مسمى “حركة المقاومة الوطنية المشروعة” – يضم نحو 10 % من اعضاء البرلمان اللبناني ويحمل اثنين من المناصب الوزارية في الحكومة الائتلافية لبيروت.
لذلك الاقتراح السعودي لمعاقبة حزب الله ليس أكثر من محاولة غير مبررة لفتح شقوق طائفية كانت قد دمرت لبنان في الماضي القريب خلال الحرب الأهلية 1975-1990. يجب ان ينظر الى محاولة وصف عضو في الحكومة اللبنانية من قبل دولة أجنبية بـ “الإرهابي” على أنها محاولة مغرضة لزعزعة الاستقرار. ويذكر ان الامين العام لحزب الله حسن نصر الله ادان هذا الاسبوع العرض السعودي لإشعال الفتنة في لبنان، ومن الصعب أن نختلف معه على هذا التقييم.
ولا يزال هناك بعض الجيوب التي تدعم المتطرفين السنة داخل لبنان، فالسعوديين الى جانب الاتراك يحاولون الغوص في عملية التحريض، خلال الصراع السوري، وكان هناك أعمال عنف متفرقة في مدينتي صيدا وطرابلس من قبل عناصر سلفية على صلة وثيقة بالمملكة العربية السعودية وتركيا. الآن يتم دعوة تلك العناصر نفسها للخروج إلى الشوارع مرة أخرى.
وليس من الواضح ما إذا كان لبنان سيستجيب لذلك، ولكن استقالة وزير في الحكومة مرتبط بالفصيل الموالي للسعودية في الاسابيع الاخيرة بسبب ما يدعي بـ”هيمنة حزب الله” على السياسة اللبنانية يثير الشكوك.
يشعر الكثير من اللبنانيين بالاستياء بسبب المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي يعاني منها البلاد، وقد أدى تراكم النفايات خلال العام الماضي في أجزاء كبيرة من العاصمة الى المزيد من اليأس، فهذا البلد الصغير مؤلف من أربعة ملايين نسمة تعاني من عدم قدرتها على استيعاب ما يقرب من مليون لاجئ سوري.
إعادة فتح وإعادة إشعال-أهوال الحرب الأهلية يشكل عبئا ثقيلا على معظم المواطنين اللبنانيين وهذا قد يكون كافيا لصد تلك الضغوط الخبيثة.
ولكن ما يمكن أن يقال على وجه اليقين هو أن دور تركيا والمملكة العربية السعودية وغيرها من الدول العربية غير معقول على الاطلاق وهو جنائي. ويبدو أنهم على استعداد تام لإغراق أي بلد مجاور في حمام الدم الطائفي من أجل المصادقة على الطموحات الإقليمية غير المشروعة الخاصة بهم.
ترجمة: وكالة اخبار الشرق الجديد- ناديا حمدان