الحقبة الفلسطينية الجديدة
غالب قنديل
إنها الحقبة الفلسطينية الجديدة تنطلق على جثة الحقبة السعودية التي كان محورها تصفية قضية فلسطين والاعتراف بالكيان الصهيوني والخضوع لدوره المركزي في المنطقة … حقبة فلسطينية جديدة نموذجها الملهم المقاومة التي يجسدها حزب الله خصوصا بنزاهة اعتناقه لفكرة تحرير فلسطين وليس من عدم أن يختار شبان الثورة الجديدة صورة السيد حسن نصرالله وراية حزب الله في ترسيم هويتهم وخيارهم المقاوم وعنوانه الانتفاضة الشعبية المتجددة بكل خصوصياتها وميادينها والمقاومة بالعمليات البطولية لفتيات وفتيان فلسطين بالسكاكين والرصاص وبما تيسر.
منذ أشهر يقتل المستعمرون وضباط الاحتلال ومخبروه في حصاد يليق بكرامة الشعب العربي الفلسطيني الذي يدوس بأقدامه أطنانا من التنظيرات عن دجل المواطنة تحت الاحتلال وعن كذبة الدولتين الساقطة بينما يحضر الصهينة لخطط اقتلاع جديدة ويمارسون قمعا واضطهادا عنصريا لاسابق له تحت نظر العالم.
كثافة العمليات المتلاحقة التي يشنها شباب وفتيات فلسطين المحتلة ليست فورة عارضة بل هي كما تقول المؤشرات السياسية والعملانية وكما تعترف قيادات صهيونية عليا كناية عن تحول أصيل يبشر بمرحلة جديدة كاملة تربك الاحتلال الصهيوني وراعيته الولايات المتحدة التي ذهب نائب رئيسها أمس إلى تقريع القيادات الفلسطينية واتهامها بالتقصير والعجز عن ضبط شعبها المقهور ومنعه من التمرد على غاصبي أرضه وكرامته !.
يلاحظ الخبراء الصهاينة في تحليل ما يجري انتشار قيم ثقافية فلسطينية تمجد الشهادة وتسمو بمكانة عائلات أبطال المقاومة المبادرين وهي روح ظن الصهاينة وشركاؤهم العرب والفلسطينيون أنهم سحقوها ودمروا الكرامة الوطنية الفلسطينية وعقموا الوعي ضد فكرة التمرد بكثافة الهطل الإعلامي السعودي والخليجي الموجه ضد فكرة المقاومة والمكرس لترويج الصلح مع الصهاينة بجميع منوعاته الرائجة من وهم الدولتين إلى الهدنة الطويلة مع غزة بشفاعة تركية وسوى ذلك من الخدع الأميركية الصهيونية البائسة لتغطية تصفية قضية فلسطين التي تدفع سورية كلفة عالية نتيجة التزامها بها ورفضها لمشاريع تصفيتها.
بعد أشهر على الانتفاضة الفلسطينية المستمرة تأكد انبثاق جيل جديد من المقاومة الفتية التي يتبدى نسيجها التنظيمي في نظر المخابرات الصهيونية بمثابة شبكة عنكبوتية خفية ظاهرها مجموعات متحركة في مواقع التواصل الاجتماعي وهي كناية عن خلايا لايعرفون عنها شيئا ومثلهم كذلك قادة الفصائل لا يعرفون شيئا وبالذات السلطة الفلسطينية التي أنبها نائب الرئيس الأميركي وهي الحق يقال ماضية في بذل جهودها لحماية الكيان الغاصب وقوات الاحتلال بكل قوتها من خلال التنسيق الأمني الذي ما يزال مستمرا وتكشفت تفاصيل مشينة عن شموله سفارات السلطة في الخارج والدليل الأخير من بلغاريا .
تساقطت الأوهام والوعود الكاذبة وتقدم التهويد في كل شبر من فلسطين ولم يبق لأهلها غير القتال وإن تعذر السلاح فالسكاكين … إنها الانتفاضة الشعبية الأشد أصالة في تاريخ الكفاح الفلسطيني ضد الاحتلال الاستيطاني العنصري وهي حركة في قلب الأرض المحتلة تخض الكيان من جذوره .
المتمسكون بالتقليل من قيمة الانتفاضة باجترار التلاعب بالحروف والكلمات والنقاش في المصطلحات هم أغبياء لم يدركوا ما وصله مستوى الوعي الشعبي في فلسطين بتمرده على جميع تفاهات الحقبة السعودية وعلى عقلية التسول السياسي للفتات والنفايات عن موائد الحكومات العميلة تحت شعار دعم القضية الفلسطينية باللغة البلهاء المقززة التي أدمنتها القيادات التصفوية التي تعتبر القضية والمقاومة عبئا تتمنى لو تتخلص منه لتهنأ بما جمعته باسم فلسطين.
الانتفاضة التي نشهدها هي ثورة تاريخية على ركام الخرافات والأوهام الذي سدت به القيادات الفلسطينية أدمغة مواطنيها عبر تبرير علاقاتها بالرجعية العربية ورضوخها للمشيئة الأميركية وقبولها الاعتراف بالكيان الصهيوني ولهاثها خلف سراب التسويات مسلوبة الكرامة .
أصالة الثورة الفلسطينية الجديدة تنبع من كونها عودة الروح إلى فلسطين بعد تجربة مريرة وظلام دامس طويل وهذا ما لن يفهمه البيرقراطيون الفلسطينيون الذين باتوا كالعلق على ضفاف قنوات المساعدة والإغاثة والتسول المنظم كما لن يدركه الزعماء الذين أنسوا الفنادق الفخمة في ضيافة دول النفط التي ترعى انخراطهم في لعبة الأمم المكرسة لاغتيال قضيتهم والتنكيل بشعبهم … فقط المقاومون الأحرار يدركون هذا التحول الذي سينهض الشارع العربي بأسره بعد بزوغ صحوته انتصارا لحزب الله في وجه العدوان السعودي الخليجي .
في شوارع فلسطين المحتلة صورة عارية لحركة الصراع لا تستدعي شرحا أو فذلكة : عربي فلسطيني من أبناء الأرض يواجه صهيونيا غاصبا ومعتديا والصراع لا يحل بشكوى إلى مجلس الأمن عبر ممثلية السيد محمود عباس أوبهمة عادل الجبير وسواه …. حسم الشباب الفلسطيني الأمر وختم المحضر على حيرة صهيونية وخيبة كبيرة … انتهت حقبة الأوهام والمرحلة صارت بوضوح الدم .