التفاهم الأميركي الروسي
ناصر قنديل
– في قلب التفاصيل اليومية تمرّ المؤشرات التي تتموضع عندها الدول الكبرى وتؤكد أنّ التفاهمات الكبرى قد تمّت، وأنّ الخلافات على التفاصيل تتواصل حتى ترسيم المشهد النهائي للمنطقة، وتتحدّد عناوين الخطوط الرئيسية للتفاهمات بعناصر رئيسية لا رجعة عنها، أولها أنّ الأميركي الذي كان يقاتل دفاعاً عن التفرّد في صياغة المنطقة الأهمّ في العالم باعتبارها منطقة مصالح استراتيجية أميركية، تتركز فيها مصادر الطاقة والممرات المائية الحيوية والكتلة السكانية الجغرافية التي تتوسط القارات الثلاث الأهمّ آسيا وأفريقيا وأوروبا، وحيث يتوضع الحليف الأهمّ الذي تشكله «إسرائيل»، واللغز الايديولوجي الأخطر الذي يمثله الإسلام، حتى صار هذا الأميركي بسبب الفشل يتقبّل ويعترف بشراكة كاملة لروسيا، وشراكة إقليمية لإيران، وهذان المتغيّران سيحكمان رسم الخطوط والتفاصيل معاً، ولا يقبلان إعادة نظر.
– التسليم بالشراكة الكاملة مع روسيا وإيران تعني الاستعداد لتقبّل تنازلين أميركيين إضافيين، واحد يتصل بالتسليم بعدم القدرة على مواصلة الحرب لهزيمة حلفاء روسيا وإيران، والمعني هنا الدولة السورية ومقاومة حزب الله، وثانٍ يتصل بحلفاء أميركا، والعجز عن مواصلة جعل قدرتهم على تحقيق الأرباح قضية أميركية، بل الانطلاق من سبب الفشل الذي أنتج هذه المعادلات يعود إلى عجز هؤلاء الحلفاء وضعفهم، ما يعني أنّ أميركا ستقوم لتخفيف خسائرها بتوزيع نصيب خسائر الحروب والتسويات عليهم، ليدفعوها من أرصدتهم، كي لا تدفع شيئاً من رصيدها، والواضح أن المعني هنا هو الثلاثي التركي السعودي «الإسرائيلي».
– هذه الخطوط المحورية للسياسة الأميركية الجديدة، تعني تحوّل القتال لتخفيف أرباح حلفاء روسيا وإيران من قلب معادلات التسويات، منعاً لتحوّل التسويات إلى هزيمة كاملة، ومنعاً لانهيار حلفاء أميركا بدلاً من تموضعهم كخاسرين، لكنهم قادرون على تحمّل أنصبتهم من الخسائر. وهنا يدور التفاوض، وهنا تلعب السياسات والمخابرات في الخطط التي تشتغل خلف الخطوط الظاهرة، ففي سورية تشتغل أميركا على تحويل التسوية إلى خارطة طريق لإضعاف الدولة المركزية التي صار القبول باعتبارها مع رئيسها شريكاً في المشهد الجديد لجغرافيا المنطقة، ومع المقاومة تسعى أميركا لجعلها تحت ضغوط وإرباكات تحول دون قدرتها على التحوّل إلى قيمة مضافة تهدّد مستقبل «إسرائيل» وأمنها.
– في سورية حُسم أمر الخروج التركي، وحُسم أمر سقوط مشاريع الرهان على ميليشيات وقيادات طائفية تتقاسم الجغرافيا، وتجمعها دولة هشة على الطريقة اللبنانية، وحُسم أمر عودة دولة وجيش ورئاسة، في بلد سيكون محور الاستقرار وحفظ الاستقرار في المنطقة، وحُسم أمر اعتبار وقف النار والحوار السياسي مجرد عناوين لتبرير انخراط الغرب مع الدولة السورية وشراكتها في الحرب على «داعش» مقابل منحها التغطية للحرب على «النصرة»، وحُسم أمر ترشح الرئيس السوري في الانتخابات المقبلة مع التسليم المسبق بكون كلّ المعطيات تعمل لمصلحة فوزه المؤكد، وفي لبنان حُسم أمر العجز السعودي بوجه حزب الله، وحُسم أمر الارتباط العضوي بين الرئاسة اللبنانية وأمن المقاومة، وحُسم أمر مكانة سورية في معادلة الرئاسة المقبلة، وبقي في سورية تحديد مَن مِن المعارضة سيكون شريكاً في التسوية وكيف، ومَن في لبنان سيكون شريكاً إقليمياً في التسوية، السعودية أم مصر، ومَن يكون رئيس الحكومة ليتمّ البحث برئيس الجمهورية، ومَن سترشح مصر ومَن سترشح السعودية؟
(البناء)