مقالات مختارة

امام اختبار المواجهة مع حزب الله.. ماذا بعد؟ ابراهيم ناصرالدين

 

في «ميزان» الربح والخسارة يبدو الاخفاق السعودي مدويا في حربه المفتوحة على حزب الله الذي نجح في «امتصاص» «الغضبة» السعودية، ثبت الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله «قواعد اللعبة» رسم حدودا واضحة لطبيعة المواجهة، واضعا المملكة امام الكثير من الاسئلة الصعبة، اهمها ماذا بعد؟

هذا السؤال يفترض ان تتوضح الاجابات عنه في الايام المقبلة، عقب انتهاء زيارة رئيس تيار المستقبل سعد الحريري الى المملكة، والحديث عن الطابع «الخاص» للزيارة قد يكون مبررا لعدم الزام رئيس الحكومة الاسبق بمواقف قد لا تكون القيادة السعودية جاهزة لاتخاذها، ولذلك اعطي هامشا يستطيع من خلاله «التهرب» من اتخاذ مواقف عملية مواكبة للتصعيد السعودي، قد لا تكون ظروفها مؤاتية في الوقت الراهن في ظل وصول الخيارات السعودية على الساحة اللبنانية الى «حائط» مسدود، بعد تبلغ المملكة «رسائل» اميركية وفرنسية حاسمة بعدم الرغبة في حصول انهيار للاوضاع على الساحة اللبنانية، وهو ما ترجم بابلاغ المسؤولين الفرنسيين ولي العهد الامير محمد بن نايف بعدم «كسر الجرة» مع الحكومة اللبنانية والابقاء على «خطوط الرجعة» مفتوحة امام دعم المؤسسة العسكرية، فيما يرتقب وصول مسؤول اميركي رفيع الى بيروت في الايام المقبلة.

لكن اوساطاً ديبلوماسية في بيروت، تحذر من الافراط في التفاؤل ازاء احتمال حصول «تعقل» سعودي بسبب الضغوط الهائلة التي تتعرض لها المملكة على مختلف «جبهات» المواجهة مع ايران، وهذا ما يدعو الى المزيد من الحذر والترقب بانتظار اكثر من مؤشر، لعل اهمها ماهية ردود الفعل المطلوبة من حلفاء السعودية في بيروت، وهو ما سيترجمه الحريري بعد عودته «الميمونة»، لكن ثمة خيارات محدودة، دون نتائج مضمونة، بل ستكون النتائج «كارثية» في ظل اختلال موازين القوى… اما بقاء الوضع على ما هو عليه في الداخل فيعني ان كل الاجراءات السعودية عديمة الجدوى ومن دون «طائل»… وعلى الساحات الاخرى الاوضاع ليست اقل سوءا الوضع في اليمن شديد الصعوبة مع قرب دخول الحرب عامها الثاني دون حسم قريب للمواجهة، اما الموقف السعودي في سوريا فيزداد صعوبة وباتت الرياض «معزولة» في مواجهة تفاهم روسي- اميركي يتقدم على ما عداه ويفرض معادلات سياسية وميدانية تعرف المملكة جيدا انها غير قادرة على تجاوزها، فيما تنظر بـ «عين الريبة» ايضا الى الانفتاح التركي على ايران وتشعر بمزيد من «العزلة» مع تحول ايران الى «محج» يومي لكبار المسؤولين الغربيين.

وقبل زيارة احمد داود اوغلو بايام الى طهران، أقنعت موسكو واشنطن بالذهاب الى اتفاق وقف الأعمال العدائية في سوريا ورسخ هذا الاتفاق التفاهم الاميركي – الروسي حول اولوية قتال التنظيمات الارهابية في سوريا بعدما تخلت واشنطن عن «اولوية»اسقاط النظام السوري، وهو ما يتعارض مع الاولوية السعودية، وذهبت موسكو الى ابعد من ذلك من خلال الاعلان انها لا تمانع في قيام «جمهورية فيديرالية» في سوريا، هذا الطرح يتناقض بشدة مع الاهداف الاستراتيجية لتركيا والسعودية، لأن الفيديرالية اذا ما طبقت في سوريا لن تقف عند الحدود السورية، فكل دول المنطقة التي تضم أقليات دينية أو عرقية ستكون مرشحة لتطبيق هذا النموذج لديها، وهي بذلك تضع هذه الدول بين «مطرقة» مواصلة العمليات العسكرية الروسية بمساندة الجيش السوري وحزب الله وايران، او «سندان» حل لا يتناسب مع واقعها الديموغرافي «والجيوبوليتيكي» المهدد بتغيير كامل وشامل اذا ما نجح النموذج الفدرالي السوري، وهذا ما يضع هذه الدول امام البحث عن خيارات بديلة ليس اقلها التراجع عن سياسة «نطح الحائط» في سوريا، ما يفتح الباب امام تسويات واقعية تاخذ بعين الاعتبار موازين القوى التي فرضها التدخل الروسي، او التورط اكثر في المستنقع السوري والدخول في موجة عنف جديدة بحجة قتال «داعش»ما سيدفع الروس والايرانيين وحزب الله الى بدء تطبيق الخطة «باء» لقلب «الطاولة» ميدانيا في حلب، وادلب، والجبهة الشمالية ، ومحيط دمشق، ليبدء بعدها التفاوض وفق اسس جديدة مغايرة تماما لما هو مطروح اليوم على «الطاولة» في جنيف.

هذا السقوط المدوي للدور السعودي في سوريا، تزامن مع «خيبة» امل سعودية من نتائج الانتخابات التشريعية في ايران، فقيادة المملكة كانت تمني النفس بفوز كاسح للتيار المحافظ يقوض سياسة الانفتاح الناجحة للرئيس الاصلاحي الشيخ حسن روحاني، والان اصبحت المعادلة في نظر السعوديين تقوم على «واجهة» معتدلة تحسن التعامل مع المجتمع الدولي فيما تبقى مفاتيح «الحل والربط، خلف الستار بين المرشد السيد علي خامنئي والحرس الثوري اللذين يقودان فعليا السياسة الخارجية والداخلية، وهذا يعني ان ايران مقبلة على استثمار جدي في علاقاتها الدولية للاتفاق النووي الموقع مع الغرب، وهذا يعطيها دورا رياديا على المستويين الاقتصادي والسياسي والعسكري، وهذا حكما سيؤثر في دورها وموقعها في المنطقة، خصوصا ان التيار الاصلاحي الفائز في انتخابات مجلس الشورى ومجلس الخبراء سيجري تحولات اقتصادية في إيران، وسيسرع في السير نحو الانفتاح على المجتمع الدولي، «لفك» العزلة التي تسبب بها الحصار والعقوبات الاقتصادية التي فرضت على ايران لأكثر من 15 عاما.

وبالنسبة للسعودية التي يقوم نظامها على حكم العائلة تخشى جديا تحدي النموذج الايراني الذي يلقي الضوء على طبيعة نظامها القائم على غياب الديموقراطية، وتصبح يوما بعد يوم نظاما «صحراويا» معزولا في محيط تعتمد معظم دوله «الصناديق»، وهذا يؤثر في نظرة الغرب للجمهورية الاسلامية التي قدمت في الايام القليلة الماضية دليلا حسيا على وجود تحولات «ديموقراطية» مستندة إلى انتخابات حرة لم يشكك اي احد في نزاهتها الامر الذي سيوفر حججا شرعية للموقف الغربي في الانفتاح اكثر على ايران بحجة تشجيع ومساندة سياسات الاصلاحيين.

وهذا يعني ان الرياض فقدت قدرتها على التاثير في الغرب، للتخريب على ايران، وآخر تجليات الفشل اخفاق ولي العهد السعودي محمد بن نايف في احداث خرق في الموقف الفرنسي تجاه طهران، وهو حاول خلال لقاءاته مع المسؤولين الفرنسيين اثبات وجهة النظر السعودية القائلة إن نتائج الانتخابات الاخيرة لن تحدث أي تغيرات على السياسات الإيرانية في المنطقة، لكن باريس الراغبة في عدم تخريب علاقاتها «الانتهازية» مع السعودية القائمة على الاستفادة من صفقات السلاح وغيرها من المشاريع الاستثمارية، ابدت تحفظا واضحا عن الرغبات السعودية بالتصعيد مع ايران، وفهم السعوديون ان الحكومة الفرنسية ليست في صدد اتخاذ مواقف تقصيها عن سوق الاستثمار المالي والاقتصادي في ايران، وعلى العكس من ذلك سمع الامير السعودي نصائح فرنسية بضرورة اجراء مراجعة سعودية لسياستها ازاء طهران للاستفادة من الوقائع السياسية الجديدة ودراسة التحولات في الرأي العام الإيراني….

ازاء هذا «الارباك» السعودي الواضح الذي اضيف اليه عدم حصول المملكة على اجماع عربي لخوض حرب «مفتوحة» ضد حزب الله، وهو ما ترجم عمليا في مواقف عدة دول «تملصت» على طريقتها من هذه «الورطة»، يبقى الحذر قائما وضروريا ازاء سياسة سعودية تبقى خارج سياق «المنطق» والحسابات العقلانية، فاذا كان وزير الخارجية عادل الجبير ما يزال يظن انه قادرا على تحديد مصير الرئيس السوري بشار الاسد، وفرض شروط المملكة في سوريا، فان «سذاجة» «وضحالة» تفكير مماثلة قد تدفع المملكة الى الاعتقاد بان حلفاءها في بيروت قادرون في «لحظة» «تخل» على هزيمة حزب الله في «عقر داره»، او قد يكون ثمة تفكير جدي بالاستعانة «بالصديق» الاسرائيلي للقيام بالمهمة!؟

(الديار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى