الحسم الميداني قبل البحث في نظام سورية السياسي؟ د. عصام نعمان
لغط كثير أثاره تصريحٌ حول خيار الفدرالية منسوب إلى نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف. التصريح جاء رداً على سؤال، متبوعاً بتأكيد أنّ الفدرالية او أيّ خيار آخر سيكون نتيجةً لمحادثات ومناقشات بين السوريين أنفسهم حول شكل نظام الدولة السورية في المستقبل، مع الحرص على وحدة البلاد واستقلالها وعلمانية دولتها.
بعض الأوساط الكردية في محافظة الحسكة السورية، كما في كردستان العراق، بَنَت على تصريح المسؤول الروسي توقعات ومخططات فيها الكثير من الخيال. بعضها الآخر كان أكثر رصانة بتأكيده على أنّ أكراد سورية جزء من الشعب السوري الذي يؤمن بوحدة سورية ومركزية دولتها وتحصين حال التعايش بين مختلف فئات شعبها.
إزاء اتساع اللغط حول تصريح ريابكوف، أوضحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا «أنّ بناء الدولة السورية يقرّره السوريون أنفسهم من خلال الحوار». هذا التوضيح يؤكد موقفاً قديماً لموسكو حرصت على ترجمته دائماً في قرارات مجلس الأمن الدولي بأنّ مستقبل سورية يقرّره السوريون أنفسهم. دمشق بدَت متأكدة من ثبات موقف روسيا في هذا المجال. فصحيفة «الأخبار» نسبت إلى مصدر سوري رفيع قوله «إنّ تحليلات ما بعد تصريح ريابكوف هي محاولات لتخريب العلاقات السورية – الروسية، وأن لا حلّ خارج الحفاظ على كامل الأراضي السورية».
حتى لو كان الروس جادّين في طرح الفدرالية في الوقت الحاضر فإنّ أيّ بحث جدّي في شكل نظام الدولة في المستقبل لا يُعقل أن يبدأ قبل حسم الصراع في الميدان. ذلك أنّ تنظيميْ «داعش» و«النصرة» ما زالا يسيطران على مساحات شاسعة من البلاد، ولا سبيل، تالياً، إلى تنفيذ ما قد يتفق عليه السوريون في ما بينهم قبل تحريرها من محتليها. كما لا يغيب عن أذهان أطراف الصراع جميعاً أنّ قرار مجلس الأمن الدولي 2268 والاتفاق الثنائي الأميركي – الروسي ينصّان على استثناء «داعش» و«النصرة» من قرار وقف الأعمال العدائية.
سورية، إذاً، مستمرّة في حربها الدفاعية على جميع تنظيمات الإرهاب في أراضيها أيّاً كانت الأطراف الدولية أو الإقليمية التي تموّلها وتسلّحها وتؤازرها. ولا سبيل، تالياً، إلى انخراط حكومتها في محادثات جدية حول شكل نظام الدولة قبل انتهاء الحرب، أيّ قبل هزيمة التنظيمات الإرهابية وتحرير جميع المناطق التي تسيطر عليها.
غير أنّ أولوية الحسم الميداني لا تحجب حقيقة بازغة هي صعوبة نجاح الجيش السوري في استئصال «داعش» و«النصرة» وأمثالهما من دون دعم عسكري وازن من روسيا وتنسيق فاعل مع العراق الذي يواجه مع سورية عدواً مشتركاً. فهل ثمة تحفظ روسي في توفير الدعم المطلوب للجيش السوري؟
ظاهرُ الحال يشير إلى أنّ موسكو جادّة في توفير الدعم السياسي والعسكري لدمشق، ولا سيما في مجلس الأمن الدولي وفي السلاح والعتاد والقصف الجوي لمواقع الإرهابيين. مع ذلك، ثمة مصالح واعتبارات مهمة تضعها موسكو في الحسبان ومن الطبيعي أن تراعيها في تعاونها مع سورية ضدّ الأعداء المشتركين. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنّ لروسيا مصالح واعتبارات تحرص على مراعاتها مع الولايات المتحدة ومن شأنها أن تترك هي الأخرى تأثيراً في تحديد أشكال الدعم العسكري الروسي على الأرض.
لذلك، يُستحسن في هذه الآونة طرح أسئلة استيضاحية:
ـ هل ثمة اتفاق ضمني أميركي – روسي على إقامة كيان حكم ذاتي للأكراد السوريين في شمال شرق سورية؟
ـ إذا كان الجواب إيجابياً، هل ينطوي الاتفاق على الحؤول دون وصول «وحدات حماية الشعب» الكردية السورية إلى المناطق الحدودية في غرب سورية، أيّ إلى منطقة عفرين؟
ـ هل ثمة ضغوط أميركية على روسيا للحؤول دون قيام الجيش السوري بعمليات عسكرية شرق نهر الفرات، أيّ في محافظتيْ الرقة ودير الزور، ضدّ تنظيم «داعش» الذي تستخدمه الولايات المتحدة ظرفياً في إطار مخططها الرامي إلى إقامة كيان حكم ذاتي للعراقيين من أهل السنّة في محافظتيْ نينوى والأنبار المحاذيتين لمحافظتيْ الرقة ودير الزور السوريتين؟
ـ هل تستأخر دمشق تحرير محافظتيْ الرقة ودير الزور إلى ما بعد تحرير محافظة إدلب من «النصرة» ومن ثم تركّز على مقاتلة «داعش» شرق نهر الفرات بالتنسيق مع العراق وبالتزامن مع هجوم جيشه المرتقب لتحرير مدينة الموصل؟
ـ هل تسعى تركيا إلى مشاغلة الجيش السوري على حدود محافظة إدلب، ومشاغلة «وحدات حماية الشعب» الكردية في مناطق اعزاز وجرابلس الحدودية إلى حين الانتهاء من الانتخابات الرئاسية الأميركية أملاً في فوز الجمهوريين بالرئاسة وما يمكن أن يجرّه ذلك من تغيير في سياسة الولايات المتحدة يجعلها أكثر تشدداً مع سورية وإيران؟
من الصعب توفير أجوبة مفيدة في الوقت الحاضر عن كلّ هذه الأسئلة، لأنّ حكومات الدول المعنية، ولا سيما إدارة أوباما، حريصة على عدم كشف أوراقها قبل اشهر معدودة من إجراء انتخابات الرئاسة واحتمال انتقال السلطة في الولايات المتحدة إلى الجمهوريين الأكثر تشدداً.
ماذا عن سورية؟
الأكيد أنها حريصة، بالدرجة الأولى، على تحرير كامل أراضيها المحتلة من «داعش» وأمثاله قبل الخوض في أيّ بحث حول شكل نظام الدولة في المستقبل.
(البناء)