أزمة الحزبين بفوز ترامب وكلينتون مفاجآت السباق الرئاسي مستمرة د.منذر سليمان
مشهد سياسي غير مسبوق
فور اعلان نتائج الانتخابات التمهيدية ليوم “الثلاثاء الممتاز،” سلّطت قيادة الحزب الجمهوري سهام انتقاداتها على المرشح دونالد ترامب بغية وقف اندفاعه على اقل تعديل، بعد ظفره بنصف الولايات التي شاركت في عملية التصويت وراكم نحو 15 ولاية لصالحه. مشهد قد يبدو سورياليا في الحياة السياسية الاميركية، اذ لم تسجل سابقة للجوء حزب سياسي لعزل والاطاحة بمرشحه المتقدم في النتائج في ذروة التنافس الرئاسي، تبديل الحصان في منتصف السباق، ومن ثم الترويج المستمر للمرشح ماركو روبيو الذي اخفق في حصد نسبة 20% من الاصوات، كحد ادنى وفق لائحة الحزب الداخلية.
قيادة الحزب واكبت المناظرة الاخيرة بين مرشحيها الاربعة، 3 آذار، بالاعلان عن حملة دعائية شرسة للنيل من ترامب سخرت لها ابرز رموز المؤسسة الحزبية واعادت الى الواجهة المرشح الرئاسي السابق، ميت رومني، للتنديد بترامب الذي “سيكون كارثيا بالنسبة للسياسة الخارجية للولايات المتحدة .. وسيعرض مكانتها دوليا للتدهور.” جل الانتقادات اللاذعة انصبت على بعد السياسة الخارجية لتداعيات رئاسة ترمب، كما يراها قادة الحزب الجمهوري، وهي الحلقة الاضعف في مجمل سجله المتواضع اصلا.
خطيئة ترامب
على الرغم من تفضيل ترامب استخدام مفردات سوقية ومبتذلة وحركات بهلوانية تحاكي غرائز الاجيال الشابة لإهانة خصومه واعدائه على السواء، فان “الحقد” المؤسساتي عليه يعود لتوجهاته وتصريحاته السياسية المتتالية وولوجه الى اعماق مسلمات الحزب واستقطابه قطاعات وشرائح اجتماعية ربما كانت كامنة وصامتة او مغيبة في معظم الاحيان. بعبارة اخرى، بذاءة ترامب وفقدانه للكياسة الديبلوماسية لم تثيرا حفيظة المؤسسة بقدر ما اثارها تحديه لسياساتها الكارثية ومهاجمة “فرسانها” علنا.
جدير بالذكر ان تصريحات ترامب المتكررة حول مفاضلته للعرق الابيض ودونية الاقليات الاخرى في المجتمع اصابت مؤسسة الحزب الجمهوري في الصميم، ليس بدافع تنكرها او ابتعادها عن خطابها السياسي، بل لكونها تعكس حقيقة “مباديء وتصورات” حزب النخب المالية والمصرفية وكبريات الشركات. وعندما ازاح ترامب طبقة كثيفة من مساحيق “الديموقراطية” عن هيبة الحزب، وقفت قياداته عارية امام مرآة التعبير الادق عن كواليس الحزب وقياداته وفقدانها الرؤى لمواكبة العصر الراهن.
ليس بوسع قيادات الحزب الجمهوري القفز عن “سر شعبية” ترامب الذي فاز بحشد شرائح عريضة من الجمهور الانتخابي تراوح بين التوجهات الليبرالية، نسبيا، في ولاية ماساتشوستس، والتوجهات الاشد محافظة تمثلت بفوزه بانتخابات ولاية الاباما التي لم تفارقها النزعات العنصرية الكامنة او العائمة فوق السطح. “جاذبية” ترامب لتلك الشرائح المتباينة فاقت نسبة 40% في بعض الاحيان، الأمر الذي لم يغب عن بال قيادات المؤسسة الحزبية واجتراح حلول سريعة لتطويقه والحد من اندفاعه على اقل تعديل.
ضاعف من قلق المؤسسة الحزبية التنوع الديموغرافي والتحصيل العلمي للشرائح المؤيدة لترامب، خاصة في ولاية ماساتشوستس الحديقة الخلفية للمرشح الجمهوري الرئاسي السابق ميت رومني، وفاز بها ترامب بنسبة ادنى بقليل من 50%.
للتعرف على لغز كراهية الحزب لا يسع المرء الا الاصغاء لتصريح مرشح المؤسسة المفضل للحزب الجمهوري، ماركو روبيو، الذي سارع عقب انفضاض المناظرة سالفة الذكر قائلا “ترامب صنيعة اوباما.” وتلقفت معظم وسائل الاعلام “الزعم” بحرارة ونشاط.
للوهلة الاولى، تبدو مفردات روبيو، القادم من صفوف تيار حزب الشاي، خارج السياق السياسي للنخب الحاكمة، بيد ان تفحص ادق لخطاب الطرفين، الديموقراطي والجمهوري على السواء، تدل على عقلية ورؤى متطابقة بالرغم من قناعاتها المغايرة، اذ لا تزال اصداء ادعاءات وزيرة الخارجية السابق هيلاري كلينتون وجون كيري، حول سوريا تصم الآذان، بقولهما ان “داعش صنيعة الأسد.”
اما “خطيئة” ترامب بالنسبة للمؤسسة الحاكمة فكانت تجرؤه غير المعهود او التقليدي عن تحدي وانتقاد ادائها وسياساتها المبددة لوعود الرخاء والازدهار، اوجزتها يومية بوليتيكو، 4 آذار، بأن جذرها يكمن في تناقض وجهات نظره مع “مسلمات” الحزب الجمهوري في السياسة الخارجية للبلاد، من ابرزها انتقاده المباشر للحرب على العراق ووصفها بانها “اخفاق (عالمي) ناتج عن اكذوبة” روج لها الرئيس السابق جورج بوش الابن وفريقه؛ “اعجابه وتأثره بشخصية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؛” واعلانه انه “سيلتزم الحياد اثناء التوسط بين اسرائيل والفلسطينيين؛ وتأييده العلني لسياسة التعذيب التي دشنها جورج بوش الابن.”
قبل ايام معدودة سخّر قادة الحزب الجمهوري احدى اهم صقور الشخصيات الضالعة في مسائل الأمن القومي، الرئيس السابق لوكالة الأمن القيومي مايكل هايدن، محذرا من ان “قادة القوات المسلحة قد يرفضون الانصياع لأي اوامر من ترامب،” كقائد اعلى للقوات المسلحة، “في حال وصوله الى البيت الابيض.” ومن ثم تدحرج سيل البرقيات والعرائض المنددة بترامب وما سيشكله من عامل “فتنة وانقسام” داخل المؤسسة الحاكمة.
امام هذه التطورات، “اضطرت” قيادة الحزب الجمهوري للافصاح مبكرا عن نواياها قبل التئام المؤتمر العام للحزب، وروجت لبضعة “سيناريوهات” ترمي للحيلولة دون بروز ترامب رغم الخسائر الجانبية التي سترافقها. ابرز تلك الخيارات تعويم فكرة لائحة انتخابية تضم الثنائي ماركو روبيو وتيد كروز قبل المؤتمر ليتم اختيارهما بشكل رسمي حينئذ للالتفاف على “شعبية” ترامب، وتفاديا لما قد تضطر قيادة الحزب من الدخول في “عقد صفقات” خلال المؤتمر مع ترامب والدخول في مواجهة مع الشريحة المؤيدة له، مهما كلفها من اثمان.
احد ابرز رموز تيار “المحافظين والتشدد” في الحزب الجمهوري، مايك هاكابي، وجه نداءا ومناشدا قيادة الحزب، عقب الاعلان عن فوز ترامب الاخير، بأنه يتعين عليها الاقرار بأحقية المرشح ترامب الذي برهن على انه فاز كممثل لقطاع عريض من شرائح الحزب الغاضبة “وعدم التظاهر بأن مؤيديه جمهور من الاغبياء، هم ليسوا قطيعا من الحمقى والاغبياء .. انهم غاضبون من (سياسات) المؤسسة الحزبية التي ترتعش فرائصها لنجاحات دونالد ترامب.”
كلا الطرفين في الحزب الجمهوري، قياداته التقليدية وترامب، يحشد جهودا مكثفة للانتخابات التي ستجري يوم 15 الشهر الجاري في بضعة ولايات ابرزها ولاية فلوريدا، بلد ابنها المدلل روبيو، والذي تشير اغلب استطلاعات الرأي بتخلفه عن خصمه ترامب بما لا يقل عن 20 نقطة مئوية. سقطت رهانات الحزب على تقدم روبيو وربما لنهاية الحملة خاصة بعد انسحاب المرشح جيب بوش من السباق.
أهمية فلوريدا الاستثنائية تكمن في صيغة توزيع مندوبيها، اذ تنص لوائحها الداخلية على ان الفائز “يظفر بكافة المندوبين،” ويحرم الآخرين من اي أمل بتراكم قائمة المندوبين لصالحهم. أمر يثير عظيم القلق داخل اروقة الحزب وقياداته، خاصة عند الأخذ بعين الاعتبار اصطفاف رموز “جناحي” الحزب لجانب ترامب: كريس كريستي حاكم ولاية نيو جيرسي (الليبرالي نسبيا) والمرشحة السابقة سارة بيلين عن تيار حزب الشاي المتشدد.
كما لم يغب عن بال وقلق المؤسسة الحزبية اصطفاف قيادات مؤثرة لدعم ترامب من شأنها افشال الاتهامات المسبقة له بأنه لا يمثل “القيم المحافظة” للحزب، ابرزها رئيس مجلس النواب الاسبق نيوت غينغريتش، السيناتور المتشدد جيف سشينز، وحاكم ولاية اريزونا السابقة جان برووَر.
المرشح الجمهوري السابق “المحافظ” مايك هاكابي خاطب جمهور ترامب بود وامتنان عقب فوزه بالثلاثاء الممتاز موجها التحية والامتنان لترامب لدوره في حفز “ثورة سلمية،” ومناشدا صفوف الحزب الجمهوري الاصطفاف المبكر خلف المرشح الافضل حظوظا.
الحزب الديموقراطي
راكمت المرشحة هيلاري كلينتون مزيد من الانجازات الانتخابية، بعد الاعلان عن نتائج يوم الثلاثاء الممتاز، واصبحت في مصاف المرشح الاقوى للحزب في وقت مبكر. بيد ان الطريق امامها لا يبدو ممهدا بالكامل نظرا لما تحتويه جعبة خصومها الجمهوريين وملاحقتها قانونيا على خلفية ادائها ابان ترؤسها وزارة الخارجية. اكثر التوقعات واقعية تشير الى انها ستمضي قدما في مسار الترشيح غير عابئة بتلك العقبات، والتي ستخلف جروحا نادبة لا محال.
احد ابرز اسرار نجاح وتقدم كلينتون على منافسها بيرني ساندرز يكمن في مراكمتها لعدد اكبر من المندوبين الممتازين، الذين لا يخضعون لآليات الترشح في الولايات المختلفة، ويمارسون نفوذا اقوى داخل اروقة الحزب الديموقراطي. تعززت فرص نجاحها بعد فوزها بانتخابات ولاية ماساتشوستس، الليبرالية، التي ادرجت في خانة المؤيدين لمنافسها ساندرز سابقا.
كان لافتا في خطاب كلينتون بعد فوزها تجاهلها التام لذكر منافسها ساندرز والتركيز على المرشح الجمهوري الاقوى دونالد ترامب. الأمر الذي اعتبره المراقبون انه رسالة لكل ما يعنيهم الأمر بأن السباق الرئاسي اضحى محسوما بين هيلاري وترامب.
حظوظ ساندرز في الفوز بترشيح الحزب مرتبطة مباشرة بما ستؤدي اليه الملاحقة القضائية للسيدة كلينتون على خلفية تبادلها مراسلات الكترونية خاصة بمعزل عن اطار الأسس الرسمية للخارجية الاميركية. من المرجح ان أي قرار سيصدر، ان صدر، اقل من ادانة كاملة لكلينتون لن يسفر عن تراجعها، وبالتالي تتبخر حظوظ ساندرز في الترشح، لكن باستطاعته التأثير في برنامج الحزب وتوجهاته “بعض الشيء.”
بالمقابل ايضا، جاء خطاب ترامب بعد فوزه المميز بلغة “تصالحية” بعيدا عن مفرداته الحادة المعهودة، وفعلت فعلها في الاوساط السياسية لاعتقاده انه يمضي قدما نحو الفوز بترشح الحزب غير عابيء بالعقبات القادمة، اسوة بمنافسته على الطرف الآخر هيلاري كلينتون.
مأزق مؤتمر الحزب الجمهوري
اوحت قيادة الحزب الجمهور بأن كرة الثلج المناهضة لترامب تكبر وتتدحرج بانضمام بعض اهم الشخصيات النافذه، من ابرز رموزها “الفيلسوف الفكري” للحزب بيل كريستول وامتداداته الواسعة بين اقطاب معسكر الحرب وأهم رموز العدوان الاميركي على العراق.
كريستول وآخرين، المؤرخ البارز روبرت كيغان، ذهبوا بعيدا في اعلان عدائهم المبكر لترامب بأنهم يفضلون التصويت لصالح هيلاري كلينتون عن تلويث اصابعهم والادلاء باصواتهم لصالح مرشح الحزب الجمهوري.
اشد ما تخشاه قيادات الحزب يوم انعقاد المؤتمر تسلح ترامب بما لا يقل عن 50% من مجموع اصوات المندوبين الأمر الذي سيعقد خياراتها ويضطرها لمهادنة ترامب والتفاعل معه على مضض. وتشدد النخب القيادية على ضرورة حرمان ترامب من حصد تلك النسبة المريحة بالنسبة له.
امام هذا المأزق، لن يكون اما المؤسسة الحزبية سوى اللجوء لصيغة “تسويات” سياسية تتخللها جولات من التصويت على أمل ان تفرز الجولة الاولى عن عدم حسم الاغلبية لصالح ترامب، مما يعني انها ذاهبة لجولة ثانية تهيء لها شروطا لصالحها “قد” تمكنها من استبدال ترامب بمرشح آخر “نزولا عند قواعد اللعبة الديموقراطية وقرار القاعدة” الانتخابية، تجري في الغرف المغلقة.
بيد ان افضل تلك السيناريوهات غير مضمونة النتائج نظرا لتعدد اللاعبين وتصادم المصالح وتبدل الاصطفافات والولاءات التي ربما ستعزز موجة الغضب “الشعبي” من سياسات الحزب ونخبه القيادية.
المغامرة الآكبر بالنسبة لقيادة الحزب ان اي صيغة حل احلاهما مر: الالتفاف على ترامب سيقلص حماس القواعد الانتخابية الذهاب لصناديق الاقتراع، على اقل تعديل، واهداء المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون نصرا مؤزرا.
الانغلاق الفكري لنخب الحزب الجمهوري حفزها لتغييب مدى “غضب” بعض قواعد الحزب الديموقراطي من هيلاري كلينتون وربما استعدادهم للتصويت لصالح ترامب نكاية بكلينتون. وعبر عن هذا التوجه صراحة المرشح السابق وعضو الكونغرس الديموقراطي “المحافظ” عن ولاية فرجينيا، جيمس ويب، الذي صرح بأنه سيصوت لترامب لحرمان هيلاري.
الايام القليلة المقبلة حبلى بالمتغيرات في صفوف الحزب الجمهوري: اصطفافه خلف ترامب لن يغير التوازنات الانتخابية كثيرا بحيث تمكنه من الظفر بالبيت الابيض؛ واستبعاده ترامب قد ينطوي على تداعيات واعادة اصطفافات طويلة الأجل، ليس بعيدا عنها انشقاق داخل الحزب يهيء الارضية لتيار او حزب ثالث في المشهد السياسي الاميركي – المرفوض بشدة وعن سبق اصرار وترصد من قبل الحزبين.
ترامب في البيت الابيض
التكهن بتوجهات ترامب المقبلة، في حال فوزه بالانتخابات الرئاسي، ليس امرا عسيرا باعتبار توجهاته ومواقفه معلنة وغير عابيء بتداعياتها، وقد يضطر للجم بعض اوجه التهور، لكنه سيمضي قدما بوحي قناعاته الخاصة حتى لو كلفه عداء السلطة الرابعة – اسوة بالرئيس الاسبق ريتشارد نيكسون، مع الفارق الفكري والسياسي بينهما.
يحرص ترامب على الافصاح عن عميق كراهيته لسياسات الرئيس اوباما وعزمه على “شطب” وازالة مفعول عدد من القرارات الرئاسية التي اصدرها “مضطرا” امام امتناع الكونغرس القيام بوظيفته التشريعية.
ترامب يعد مرشحا استثنائيا في المشهد السياسي الاميركي يستمد ذخيرته الشعبية وصعوده من قدرته “الفائقة” على رصد حجم العداء الشعبي للمؤسسة الحاكمة وتوجهه لقطاعات واسعة من الجمهور بخطاب مبسط، واحيانا مبالغ في التبسيط والتسطيح، وتقديم وعود ارضيتها شعارات غرائزية تبهر ولا تنفّر. ولا يخجل من خلو خططه المعلنة لبرامج اقتصادية معينة او سياسات خارجية محددة، بل نظام ضريبي ينتظره الجمهور الانتخابي.
عبرت يومية وول ستريت جورنال عن سر شعبية ترامب بأنه استطاع الدخول الى اعماق القواعد الانتخابية التي “تنظر بعين الريبة الى سياسات الارهاب الاجتماعي والفكري التي تمارس ضدها من قبل النخب السياسية الحاكمة .. وتكافئه في كل مرة يتفوه بها بانتقاد للمؤسسة الحاكمة ومقدساتها” التي يغيبها الاعلام.
وما رمت توضيحه الصحيفة ان تناغم خطاب ترامب مع تراكمات غضب القواعد الشعبية “يعفيه” من الاضطرار للتقدم بخطط وبرامج سياسية واقتصادية واجتماعية واضحة المعالم؛ وتحجب سيل الانتقادات حتى لتناقض تصريحاته بشكل متواصل. عداء المؤسسة له الاولوية، وهو الدرس الذي ينبغي الاصغاء اليه بشدة.
يزهو ترامب بسجله “كرجل اعمال .. يسعى وراء عقد الصفقات وليس الاصطدام والتنافر،” ويحصن نفسه بأنه على أتم الاستعداد للعمل والتعاون والتشارك مع كلا الحزبين، بل تفضيله العمل مع الحزب الديموقراطي ان بقي الحزب الجمهوري على عدائه له واثارة العقبات امامه. اللافت ايضا ان ترامب يجنح نحو التوصل لنتائج وبغضه لمفاوضات ماراثونية – عشق السياسيين.
بالمقارنة، حالت الحواجز الفكرية بين الرئيس اوباما واقطاب الحزب الجمهوري من تعاون الطرفين وتذليل العقبات بينهما، بل يتربص كل منهما بالآخر عند كل منعطف مما اصاب المؤسسة السياسية بكاملها بحالات من الشلل والاستفراد المتكرر.
على الصعيد الداخلي، “الرئيس ترامب” سيستخدم توجهات قوية وفو رية لرفع القيود الحكومية، وما تبقى منها، عن القطاع الصناعي والشركات الكبرى؛ وربما سيلجأ لتقليص الجهاز الاداري في الحكومة – نغمة متواصلة ودائمة للحزب الجمهوري طمعا في “تخصيص” الادارات والخدمات الحكومية.
اسلوب ترامب اليومي المعتاد يحيله الى الاعتماد على ارشادات “الخبراء والاخصائيين” في مجالات متعددة، وسيعمم ذلك التوجه في البيت الابيض؛ بيد ان ما تخشاه السلطة الحاكمة ارتهان ترامب لقناعاته الداخلية وعدم الاخذ بنصائح الخبراء، خاصة عندما يتعلق الأمر بأمور السياسة الخارجية وضوابطها وايقاعاتها المتعددة الاوجه والتداعيات. في هذا الصدد، ستكون قضايا “الشرق الاوسط” احدى ضحايا توجهات ترامب التي لا يتحلى بخبرة كافية في هذا المجال، وسيبقى اسيرا لطواقم المستشارين في هذا الشان لفترة غير قصيرة.
ترامب يشاطر توجهات الرئيس الاسبق رونالد ريغان في القفز عن القيود المعهودة و”مخاطبة” الدول والمجتمعات الاخرى مباشرة، لا سيما عند شعوره بمساعي تقيد حركته في الداخل الاميركي. ريغان، آنذاك، استطاع تمرير سياساته الاقتصادية الكارثية وتقليص معدلات الضريبة على الشرائح الاشد ثراء في المجتمع، واضحى مثالا تقتدي به نخب الحزب الجمهوري ومرشحيها الذين يفتقدون لكفاءة ذاتية باجتراح حلول خاصة غير تقليدية.
المؤسسة النافذة في الحزب الجمهوري تستحضر سجل الرئيس ريغان وتعتبره مقياسا ونموذجا ينبغي الاسترشاد به، حتى بعد اصدار التاريخ حكمه بخطل وكارثية تلك السياسات على الشعوب قاطبة. لكن ريغان الرمز يبقى المعبر الاوفى لاستراتيجية النهب الاميركية (والغربية)، وقد نشهد تماهي تلك السياسات في عهد “الرئيس ترامب،” رجل الاعمال المخلص والصادق للنظام الرأسمالي بطبعته المعولمة.