فلينتظروا خيبتهم الثقيلة
غالب قنديل
شكل الرهان على إدارة جمهورية جديدة تشن حروبا واسعة وتقلب الاتفاق النووي الإيراني وتغزو سورية مجددا بعد فشل الحرب بواسطة عصابات التكفير الأخوانية الوهابية ومثيلاتها مضمون العربدة التي قامت بها حكومات العدوان على سورية وتضمنت اتهامات متواصلة للرئيس باراك أوباما بالتخاذل منذ خريف 2013 عندما اضطر لسحب التهديد بغزو سورية بالجيوش والأساطيل الأميركية فماذا تقول الوقائع ؟.
أولا ظهرت مجموعة من المؤشرات في الحملات الانتخابية الرئاسية التمهيدية الجمهورية والديمقراطية على السواء تدلل على طبيعة الظروف الصعبة التي تجتازها الإمبراطورية الأميركية التي خسرت بعض مصادر هيمنتها الأحادية واضطرت للتكيف مع معادلات كونية جديدة بعد مرحلتين من الحروب الكبرى المباشرة وبالواسطة لخمسة عشرعاما تقاسم فيها الرئاسة كل من جورج دبليو بوش وباراك اوباما وحيث ارتسمت منذ وثيقة بيكر هاملتون معالم التكيف السياسي مع الفشل الذي استمر وتفاعل بعد ذلك رغم إلقاء المؤسسة الحاكمة القبض على سدة القرار لمنع الدخول في مغامرات عسكرية جديدة مكلفة تبين ومن سورية انها قد تقود إلى حرب عالمية كبرى تشير الحسابات الاستراتيجية الأميركية في البنتاغون ودوائر القيادة والتخطيط إلى ان الولايات المتحدة عاجزة عن احتمال نتائجها وتكاليفها .
ثانيا يتصدر دونالد ترامب سباق الرئاسة داخل الحزب الجمهوري ويمثل رفض العودة إلى مغامرات عسكرية في الخارج والتكيف مع التسويات الممكنة مضمون خطبه التي تركز على إعادة بناء القوة الأميركية وهو ما حرك ضده معارضة واسعة من صفوف بيرقراطية الحزب الجمهوري وخصوصا في أوساط المحافظين الجدد الذين برزت معلومات عن احتمال هجرتهم إلى معسكر هيلاري كلينتون في حال فشلت المحاولات اليائسة المتبقية لمنع فوز ترامب بترشيح جمهوري رسمي .
وهنا يظهر اختلاف جوهري بين رحلتي دونالد ترامب ورونالد ريغان قبل خمسة وثلاثين عاما لكونهما من خارج المؤسسة البيرقراطية الحزبية فريغان استند بقوة لعصابة المحافظين الجدد بزعامة ديك تشيني تحت شعار التخلص من عقدة فييتنام وتأهيل الولايات المتحدة لحروب التدخل مرة أخرى وهو ما قامت به إدارة ريغان على اوسع نطاق في العالم .
ترامب ينادي بإعادة ترتيب البيت الأميركي من الداخل ولذلك وجه إليه المحافظون الجدد وسائر رموز حزب الحرب الأميركي اتهامات صريحة بتبني نزعة انعزالية تحتمل خطر الانكفاء عن ساحات ضرورية للحفاظ على مكانة الولايات المتحدة كقوة عظمى ويظهر من نتائج الانتخابات داخل الحزب الجمهوري ان الاتجاه العام لمزاج الغالبية الأميركية هو رفض التمادي في خوض المزيد من الحروب وإعطاء الأولوية لترميم القوة الأميركية من الداخل حيث يستمر الركود ومعه المشاكل الاجتماعية المتفاقمة وتهتك مرافق الخدمة العامة بدءا من المطارات والطرق وهذا احد عناصر شعبية ترامب.
ثالثا تمثل هيلاري كلينتون في توجهاتها أحد رموز حزب الحرب من خلال الأولوية التي تعطيها للمواجهة مع روسيا والصين اقتصاديا واستراتيجيا لكنها تمثل على هذا الصعيد امتدادا ونظيرا لنهج إدارة أوباما بمعنى انها تتبنى تنشيط أدوات القوة الناعمة الأميركية في التعامل مع القوى الناهضة في الشرق وهي تطرح في برنامجها تفعيل استراتيجية الحرب الباردة الجديدة في مختلف محاور السياسة الخارجية الأميركية بما في ذلك خوض حروب عبر الوكلاء وجيوش المرتزقة تحت شعار الدفاع عن الدور القيادي للولايات المتحدة في العالم كما جرى في اوكرانيا.
وبالمقابل يبدو من المخاض الرئاسي ان التيار الذي يصطلح على تسميته بيسار الديمقراطيين نجح بإيصال احد رموزه بيرني ساندرز إلى المنافسة وليس مستبعدا ان يحل بعد كلينتون مباشرة وقد يعزز حظوظه بالترشيح إلى جانبها كنائب للرئيس حسب بعض التوقعات .
بأي حال يبدو ان الحزب الديمقراطي الحاكم يجتاز مرحلة الانتخابات من غير خضات كبيرة في تركيبته واتجاهاته الداخلية كما هي الحال في الحزب الجمهوري الذي شكل إبعاد جيب بوش عن سباقه الداخلي صدمة كبيرة للمحافظين اظهرت تبدلا مهما في مزاج اعضاء الحزب وعزوفا عن تجديد خيار الحروب والمغامرات العسكرية الكبرى في الخارج .
رابعا من الآن يمكن القول للبلهاء العرب الذين صرخوا احتجاجا باتهام اوباما بالتخاذل عندما تراجع عن قرار غزو سورية مباشرة ومنوا انفسهم وتوقعوا إدارة جمهورية تقلب المعادلات وتنشط مغامرات التدخل العسكري ونادوا بالتريث في قبول التسويات الممكنة بانتظار الخريف المقبل انهم خسروا الرهان وستمضي سنوات قادمة لا تستطيع فيها أي إدارة اميركية ان تسرج قواتها لغزو عسكري كبير يناسب انقلابا استراتيجيا على انبثاق القوى الكبرى الجديدة أي روسيا والصين وإيران والهند .
اما الحرب الجاري تسويقها في ليبيا فستكون إن وقعت عملا مشهديا اميركيا كما حصل في غرينادا بعد انتخاب ريغان لرد الاعتبار للقوة العسكرية ولكن هذه المرة لمحاولة خلط الأوراق وتشغيل محركات القوة الناعمة والحروب بالوكالة في عمليات الفك والتركيب في القارة الإفريقية تحت شعار مكافحة الإرهاب وهذا سيضع الولايات المتحدة في مواجهات صعبة ومكلفة لا يسهل احتمال نتائجها وتداعياتها وهو ما سيفتح اكثر من مستنقع في رمال القارة الساخنة .
اما حيث شرعت الإمبراطوية بالتكيف مع التوازنات القاهرة فهي محكومة بالرضوخ للتوازن الواقعي الذي فرضه محور المقاومة ومن خلفه عمالقة الشرق بوزنهم النوعي الثقيل اقتصاديا وعسكريا ولذلك ترجح مسارات الانتخابات الرئاسية الأميركية عدم وقوع تغيير يذكر كبير في توجهات واشنطن التي كان أبرزها التكيف مع المبادرة الاستراتيجية الروسية في سورية وتلمس المخارج الممكنة للتعايش مع فكرة العجز عن إسقاط سورية او النيل من الرئيس بشار الأسد ولينتظر المتورطون في قصور انقرة والرياض والدوحة خيبتهم الثقيلة.