«المغامرة» الخليجية: استبدال «الهٍبة» بـ«الهَبّة»!: عماد مرمل
لم يشكل قرار مجلس التعاون الخليجي ووزراء الداخلية العرب بتصنيف «حزب الله» منظمة إرهابية أي مفاجأة للحزب الذي يدرك أنه يخوض مواجهة شاملة ومكشوفة، تلاشت فيها معظم الخطوط الحمر، لتنقلب «الهِبة» الى «هَبّة» على المقاومة ولبنان.
وقد أدّت شراسة الصدام بين مشروعين لا يلتقيان، الى انهيار «قواعد الاشتباك» التي كانت تنظم الصراع الاقليمي نسبياً، وبالتالي انكشاف المنطقة امام معركة إيرانية ـ سعودية مباشرة، أرخت بظلالها وظلامها على امتداد الجغرافيا والديموغرافيا، من سوريا إلى اليمن، مروراً بلبنان والعراق.
لن يتغير شيء في واقع «حزب الله» بعد القرار الخليجي ـ العربي الذي لا يعدو كونه بالنسبة الى قيادة المقاومة قنبلة صوتية او دخانية. صحيح، أن بعض المغتربين العاملين في الخليج قد يكونون ضحايا لـ «القصف السياسي» العشوائي من مرابض النظام الرسمي العربي، لكن بنية الحزب بحد ذاتها لن تتأثر به لا من قريب ولا من بعيد.
أكثر من ذلك، هناك من يعتقد ان ما حصل حرر الحزب من آخر الضوابط أو الاعتبارات التي كان البعض ينصحه بأن يراعيها في المواجهة مع المحور الاقليمي المضاد، الامر الذي يعني انه سيواصل وربما سيطور في المدى المنظور هجومه الحاد على السعودية، من دون أن ينظر الى الخلف، خصوصاً أنه لم يعد يوجد ما يخشى عليه او منه، بعدما قطع العرب الخيط الرفيع الذي كان لا يزال ممتداً بينهم وبين الحزب.
وإذا كان القرار الموجّه ضد الحزب ينطوي على جديد، فهو انه أخرج الى العلن ما كان كامناً في النيات المضمرة، على مدى عقود.
يدرك الحزب أن الانظمة العربية التي صنفته إرهابياً هي معادية بالفطرة والتكوين والتربية والارتباطات لمبدأ المقاومة ضد الاحتلال، بمعزل عن هوية الطرف الذي يحمل لواءها، وأنها كانت تنتظر اللحظة المناسبة، للمجاهرة بعدائها المزمن، بعد تغليفه بقشرة من الحجج المفبركة.
بهذا المعنى، فإن جذور الموقف الخليجي ـ العربي الأخير تعود، وفق أداة القياس المعتمدة من قبل الحزب، الى اليوم الذي اطلقت فيه الرصاصة الاولى ضد الاحتلال الاسرائيلي، بعد اجتياح عام 1982، ثم راحت الهوة تتسع شيئاً فشيئاً مع كل إنجاز كانت تحققه المقاومة في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي.
وانطلاقاً من هذه المقاربة، لا يجد الحزب أن السبب الحقيقي والعميق لإدراجه على لوائح العرب للإرهاب يكمن في تدخله العسكري في سوريا، حيث العالم كله سبقه او لحق به الى التدخل لاعتبارات تتعلق بالمصالح الاستراتيجية او الأمن القومي لهذه الدولة او تلك.
أصل المسألة من وجهة نظر الحزب ليس هنا، خصوصاً ان مشاركته العسكرية في الحرب السورية، ليست بنت ساعتها، بل مضت سنوات عدة عليها، من دون تجاهل أثرها في تعديل موازين القوى وتحسين مواقع محور المقاومة والممانعة فوق رقعة الصراع، وما سببه ذلك من إرباك لدى المعسكر الإقليمي الآخر.
جوهر الانفعال الرسمي العربي، عائد برأي المقربين من الحزب، الى «حساسية مزمنة» من ظاهرة المقاومة، ها هي تطفح على سطح الجلد بعد احتباس طويل، وصولاً الى عدم قدرة العائلة الحاكمة في السعودية على تحمل او تقبل «جرأة» الأمين العام السيد حسن نصرالله الذي واجهها بحقائق دامغة لم يجرؤ أحد من قبل، إلا في ما ندر، على المجاهرة بها.
ولئن كان بيان مجلس التعاون الخليجي، كما بيان وزراء الداخلية العرب، قد صدرا من حيث الشكل باسم الدول الأعضاء مجتمعة، مع اعتراض قلة، إلا أن الحزب يعتبر ان «المحرّض» الاساسي على ارتكاب جريمة توصيفه بالإرهابي هو «الجانب السعودي الذي اضطرت دول عربية عدة الى مراعاته ومسايرته في حملته على حزب الله لمصالح وحسابات ظرفية، ومتى تغيّرت المعادلات ستظهر حقيقة مشاعر الكثير من العواصم العربية حيال العائلة الحاكمة في المملكة».
وبينما يخشى البعض من انعكاسات سلبية محتملة لما جرى على الاستقرار اللبناني المترنّح، يؤكد الحزب أن صمامات الأمان التي تضمّنها الخطاب الأخير للسيد نصرالله ستبقى سارية المفعول، بعد موقف دول الخليج ووزراء الداخلية العرب، لاسيما أن ردود الفعل الداخلية على التطور المستجدّ أتت عموماً إيجابية، وعابرة للاصطفافات السياسية التقليدية، الأمر الذي من شأنه أن يساهم في تقليص حجم المخاطر في هذه المرحلة.
(السفير)