كييف عودة إلى ذي بدء: حميدي العبدالله
شهدت العاصمة الأوكرانية اضطرابات حادة بمناسبة مرور عامين على ذكرى التحرك الذي أطاح بالرئيس الأوكراني السابق فيكتور ياكوفينيتش.
ووقعت اشتباكات بين التنظيمات القومية والجماعات المؤيدة للحكومة الحالية. وتخللت المواجهات أعمال شغب حيث تعرّض عدد من المصارف للاعتداء فيما أضرم مجهولون النيران في مصرف يقع غرب البلاد، حسب مراسل قناة روسيا اليوم.
التحرّك الجديد تقوده الأحزاب القومية المتطرفة التي تطالب باستقالة الرئيس الحالي الذي فاز في الانتخابات الأخيرة.
حتى هذه اللحظة لا يبدو أنّ هذه الاضطرابات ستقود إلى إسقاط الحكومة الحالية، والإطاحة بالرئيس الأوكراني، لأنّ هذا الرئيس والحكومة تحظيان بدعم الحكومات الغربية، التي يصعب عليها العمل مع الأحزاب والجماعات الأكثر تطرفاً والتي ترفض الحلّ السياسي للأزمة الأوكرانية، وتدعو إلى شنّ مواجهة مسلحة ضدّ المقاطعات الشرقية وحتى ضدّ روسيا.
بديهي أنّ الحكومات الغربية التي تسعى للحفاظ على أوكرانيا، كما تسعى إلى جعل أوكرانيا جزءاً لا يتجزأ من العالم الغربي، لا تريد تصعيداً يقود إلى مواجهة مباشرة مع روسيا لأنّ من شأن مثل هذه المواجهة أن تقود إلى حرب أوروبية – روسية، وإلى تضرّر المصالح الاقتصادية للدول الأوروبية، ولا سيما الدول الكبرى في أوروبا.
دول أوروبا وحتى الولايات المتحدة، لديها الاستعداد لدعم حكومة أوكرانية تسعى للحفاظ على النفوذ الغربي، ولكن من دون تحميل الغرب أعباء مواجهة متصاعدة مع روسيا. هذا الخيار تعبّر عنه الحكومة الأوكرانية الحالية، التي قبلت من حيث المبدأ الحلّ السياسي للازمة في أوكرانيا، وأكدت على ضرورة أن تكون أوكرانيا جزءاً من العالم الغربي وليس حليفاً لروسيا.
المتطرفون إذا ما استولوا على السلطة لن يكونوا قادرين، أولاً على توحيد الأوكرانيين في مواجهة المقاطعة الشرقية وفي مواجهة روسيا، وسوف يسعون، ثانياً لتوريط الغرب في مواجهة عسكرية مباشرة مع روسيا لها كلفة عالية وهو خيار ترفضه كلّ الحكومات الغربية، بما في ذلك الإدارة الأميركية.
لكن ليس كلّ ما يجري في أوكرانيا يجري وفق ما تشتهيه السفن الغربية، فانتفاضة الأحزاب الأكثر تطرفاً ضدّ الحكومة الأوكرانية «المعتدلة»، يصبّ في نهاية المطاف في مصلحة روسيا وحلفائها الأوكرانيين في مسألتين أساسيتين: المسألة الأولى، إضعاف موقع حكومة كييف وتشتيت جهودها وقدراتها، والثانية توفير الحجج لمصلحة وجهة نظر روسيا ومسؤولي المقاطعات الشرقية، الذين وجهوا دائماً الاتهامات لهذه الجماعات المتطرفة في الوقوف في وجه الحلول التي تحافظ على وحدة أوكرانيا واستقرارها.
بهذا المعنى فإنّ انفجار الاضطرابات في كييف هي أفضل هدية يقدّمها المتطرفون لروسيا ومسؤولي المقاطعات الشرقية، وهي ليست ضربة ضدّ الرئيس الأوكراني وحسب، بل ضربة لحلفائه الغربيين.
(البناء)