نقابة المهندسين: هدر في عقد التأمين: محمد وهبة
وافق مجلس نقابة المهندسين على تلزيم عقد التأمين الصحّي لشركة «كونتيننتال تراست» بكلفة 36 مليون دولار، أي أكثر بنحو 10 ملايين دولار من السنة السابقة. جاء ذلك على الرغم من تقديم الشركة المنافسة ، وهي شركة «ميدغلف»، عرضاً يقل بنحو 4 ملايين دولار عن عرض الشركة الفائزة. فقد لجأ رئيس النقابة خالد شهاب الى التفاوض مع الشركتين لخفض الاسعار، ولكنه رفض اعتماد طريقة الظرف المختوم، وهو ما ادى الى اخراج «ميد غلف» وتمكين «كونتيننتال تراست» من الفوز
عقد مجلس نقابة المهندسين جلسة يوم الخميس الماضي لاستكمال النقاش في الملف الوارد من لجنة التقديمات الاجتماعية والمتعلق بتلزيم التأمين الصحي للمهندسين وعائلاتهم.
النقاش خلص إلى تلزيم شركة «كونتيننتال تراست» إصدار سلّة تأمينات صحية للمهندسين تتوزّع على ثلاثة أنواع:
ــ إصدار بوالص تأمين صحّي لنحو 85 ألف مهندس بكلفة 425 دولاراً للبوليصة الواحدة، أي ما يوازي 36.1 مليون دولار. هذه البوليصة تدفع من صندوق التقديمات الاجتماعية لنقابة المهندسين، وتغطّى جزئياً من بوليصة «إعادة التأمين» التي تشتريها النقابة وتموّل كلفتها من صندوق التقديمات الاجتماعية أيضاً. كلفة بوليصة إعادة التأمين من شركة «كونتيننتال تراست»، بلغت 5% من مجمل كلفة بوالص المهندسين، أي ما يعادل 1.8 مليون دولار.
ــ إصدار بوالص تأمين صحّي لأهل المهندسين وأولادهم. يدفع المهندسون ثمن هذه البوالص من جيوبهم الخاصة، وتتنافس الشركات على النسبة التي ستضعها فوق السقف الأدنى الذي تحدّده النقابة. هذا يعني أن النقابة تحدّد سقفاً ادنى لسعر البوليصة ثم تقدّم الشركات عروضها على أساس السقف الأدنى مضافاً إليه نسبة مئوية، أي إن النسبة الأدنى هي الأفضل. كونتيننتال تراست وضعت نسبة 5% بعد المفاوضات.
ــ تضمين بوالص تأمين المهندسين وأقاربهم وأولادهم بند «الطبابة خارج المستشفى (Out)». هذه الكلفة تقع على عاتق المهندسين (تحتسب كلفتها على أساس النسبة مثل بوالص الأهل والأولاد)، وبحسب المعطيات فإن كونتيننتال تراست وضعت النسبة 5% بعد المفاوضات.
تلزيم «كونتيننتال تراست» جاء بعد نقاشات واسعة في مجلس النقابة حول العروض المطروحة وأداء هذه الشركة في السنة الماضية بعد تلزيمها العقد نفسه. ففي السنة الماضية، كان دفتر الشروط ينصّ على أنه يجب على المشاركين أن يكون لديهم حجم أعمال يبلغ 20 مليار ليرة، وتبيّن أن حجم أعمال «كونتيننتال تراست» لا يتجاوز 500 مليون ليرة، أي ما يعادل 2.5% من المبلغ المطلوب، لكنها صنفت مطابقة للشروط بعد تحالفها مع شركة «نكست كير» المتخصصة بإدارة محافظ التأمين وكانت تدير محفظة «أليانز ــ سنا». يومها رفض نقيب المهندسين خالد شهاب وغالبية أعضاء المجلس، مناقشة هذا الأمر والتمييز بين شركة تحمل رخصة تأمين تتيح لها إصدار البوالص وبيعها، وشركة تدير محافظ تأمين وليس لها حق إصدار بوالص وبيعها. بدا ان المهم يومها تلزيم شركة «كونتيننتال تراست» التي اشتراها «بنك ميد» قبل أشهر، إذ إن سعرها لم يكن الأدنى بل كان سعر «بانكرز» هو الأدنى. ما حصل عملياً، هو أن شهاب قرّر فتح باب المفاوضات مع الشركات العارضة، لينتهي الأمر بتلزيم «كونتيننتال تراست».
هذه السنة استعملت الآلية نفسها لفتح الباب أمام «كونتيننتال تراست» مع بعض التعديلات الاستباقية التي نفذتها اللجنة المعنيّة، وهي مؤلّفة من النقيب خالد شهاب، وأمين السرّ مصطفى فوّاز، وأمين سر التقديمات الاجتماعية حسن دمج، وأمين المال ميشال متى. فقد حذف شرط حصول الشركة على أقساط التامين بقيمة 20 مليار ليرة، ليوضع بدلاً منه شرط امتلاك الشركة العارضة محفظة تأمين تضمّ 150 ألف بوليصة لا تحتسب ضمنها العقود التي تشتريها نقابة المهندسين.
من المعروف أن تضييق الشروط ورفع مستوى صعوبتها يخفّفان من المنافسة. ففي السنة الماضية تقدّمت أربع شركات إلى مناقصة تلزيم التامين الصحي في نقابة المهندسين هي: بانكرز، ميدغلف، أكسان وكونتيننتال تراست. أما هذه السنة، فقد تقدّمت «ميدغلف» إلى جانب «كونتيننتال تراست»، لكنّ اللافت أنّ «كونتيننتال تراست» قدّمت إفادة صادرة عن وزارة الاقتصاد تفيد بأنها تملك محفظة بنحو 200 ألف بوليصة تأمين، إضافة إلى محفظة نقابة المهندسين المؤلفة من 78 ألف مهندس. وقد أثار هذا الأمر الشكوك، فحجم الأقساط الإجمالية التي تحملها الشركة يبلغ 57 مليون دولار، منها 26.9 مليون دولار محققة من نقابة المهندسين، أي إن الـ200 ألف بوليصة قيمتها 30.1 مليون دولار، أي إن كلفة البوليصة الواحدة 150 دولاراً فقط، وهو رقم غير منطقي.
وعند فتح العروض، تبيّن أن العرضين جاءا على النحو الآتي:
ــ «ميدغلف»: 430 دولاراً لكل بوليصة تأمين ضمن سقف 85 ألف مهندس، على أن تكون نسبة الزيادة على الحد الادنى لبوالص الأهل والأولاد 2%، وبوالص الطبابة خارج المستشفى 2%. اما كلفة إعادة التأمين، فتبلغ 5% من قيمة العقد.
ــ «كونتيننتال تراست»: 462 دولاراً لبوليصة المهندسين، وزيادة 10% للأهل والأقارب، و10% للطبابة خارج المستشفى. وكلفة إعادة تأمين 7%.
عند هذا الحدّ، طلب شهاب إجراء جلسة مفاوضات قبل ترسية التلزيم، فاجتمع في البدء مع شركة ميدغلف وطلب منها تقديم خفض على الاسعار الواردة في عرضها، فأبلغه ممثلو الشركة أنهم يريدون تقديم عرضهم بظرف مغلق حتى لا يكشف السعر ولا تستفيد منه الشركة المنافسة، فرفض النقيب طالباً منهم إرسال عرضهم بالبريد الالكتروني.
وفي الجلسة التي عقدها شهاب مع ممثلي «كونتيننتال تراست»، كانت المفاوضات سهلة بعد خروج ميدغلف من حلبة المنافسة، إذ أصبح الأمر عبارة عن جراحة تجميلية هدفها إظهار شهاب بشكل المدافع عن حقوق المهندسين، فخفضت الشركة سعرها إلى 430 دولاراً.
عرض ملف التلزيم والاسعار المخفضة على مجلس النقابة لدراسته واتخاذ قرار بشأنه. أعضاء المجلس أجروا نقاشاً سطحياً يتصل ببعض النقاط التقنية، مطالبين بالمزيد من الخفض في الأسعار، إلا ان عدداً محدوداً من الأعضاء كان يناقش بطريقة مختلفة. فقد تبيّن لهؤلاء أن العقد المنتهي مع شركة كونتيننتال تراست تضمّن بعض الأرقام التي تدلّ على ضعف أداء الشركة وارتفاع أسعارها. فقد تبيّن أن مستشفى الجامعة الأميركية تستحوذ على 45% من كلفة الاستشفاء المدفوعة، وبالتالي كان يفترض تضمين العرض بنداً يتطرق إلى العلاقة الناشئة بين الطرفين، إذ إن شركات التأمين تحصل من المستشفيات على حسومات لغاية 35% من الفواتير من دون أن تذكر هذا الأمر في عرضها أو في الفواتير المقدّمة للتحصيل من صندوق النقابة. هذا الأمر كاف لإجراء تغيير جذري في التعامل مع شركات التأمين. كذلك تبيّن أن التقديمات التي تغطيها «كونتيننتال تراست» متدنية، وأن هناك الكثير من المراجعات التي أجراها أعضاء النقابة بعد تلقيهم شكاوى من المهندسين المرضى.
ويشير المعترضون إلى أن مستشفى الجامعة الأميركية كان يزيد كلفة الاستشفاء على المهندسين بما لا يقلّ عن 30% من مجمل الفواتير من دون أن تحرّك شركة التأمين ساكناً. وبالاستناد إلى ذلك، يتبيّن أن رفع سقف التغطية لبوالص التأمين من 50 مليون ليرة إلى 100 مليون ليرة لم يكن أمراً ضرورياً، بل هو ينفخ فاتورة الاستشفاء المدفوعة من صندوق التقديمات الاجتماعية لمصلحة الشركة والمستشفى.
غالبية أعضاء المجلس قرّروا الموافقة على تلزيم كونتيننتال تراست. النقاش في هذا الملف كان شبه محصور بممثل حزب الله في المجلس طالب فقيه، وممثل جمعية المشاريع أحمد نجم الدين، إلا أن كليهما أبدى اعتراضه من دون ذكر تحفظاته في المحاضر. أما المعترض الأكبر، فكان الكتائب اللبنانية، التي تخلّت عن ممثلها في المجلس أمين المال ميشال متّى بعدما تبيّن لها أن ولاءه أصبح لشهاب وللمكاسب التي يجنيها من علاقتهما. الاستغراب هو ذلك الصمت في المجلس حول تلزيم عقد التأمين؛ يسأل المتابعون: هل يعقل أن ترتفع كلفة التأمين خلال سنة واحدة بنسبة 24%؟ كيف يقبل مجلس النقابة ونقيب المهندسين هذه الكلفة الإضافية، ثم يسعيان إلى تحميلها للمهندسين الجدد من خلال رفع رسم الانتساب من مليون ليرة إلى ثلاثة ملايين ليرة؟ من هم المستفيدون؟ هل يحصلون على عقود خارجية مع شركة التأمين، أم لديهم مصالح مع هذه الشركة، أم ولاء سياسي؟
شركة بلا رأس مال
ادعت شركة «كونتيننتال تراست» أن عقد التأمين الصحي مع نقابة المهندسين سبّب لها خسائر تصل قيمتها إلى 10 ملايين دولار، من أجل إثارة التعاطف معها في ملف التلزيم، إلا أن المطلعين على هذا الملف، يقولون أإن كل شركات التأمين التي التزمت عقد التأمين مع نقابة المهندسين صرّحت عن خسائر فيما هي تستميت عملياً في التزام هذا العقد بالتحديد لأنه يوفّر لها إمكانية بيع بوالص تأمين جانبية بقيمة لا تقل عن 18 مليون دولار سنوياً. المهندسون يشترون بوالص تأمين على أعمالهم وعلى موظفيهم وعلى سياراتهم… هذه البوالص مربحة جداً وهي مرتبطة بشكل غير مباشر مع عقد النقابة.
المشكلة في حالة «كونتيننتال تراست» أن هذه الخسارة، لو كانت حاصلة فعلاً، فهي تبدّد رأس المال بكامله، إذ يبلغ رأس مال هذه الشركة 2.25 مليار ليرة، أي 1.5 مليون دولار. ويتردّد أنها تعمل حالياً على زيادته لتعويض الخسارة، إلا أن القوانين المرعية تمنعها من زيادته إلى أكثر من 6 ملايين دولار في هذه السنة. هذا يعني، اذا كان التصريح حقيقياً، أنها شركة بلا رأس مال.
(الأخبار)