قراءة نصرالله: نحن على أبواب النصر والفتنة تسرق نقاءه: ناصر قنديل
– نادراً ما يستدعي تحقيق النصر التواضع في استخدام القوة، والتراجع من خطوط الاشتباك، وغالباً يأتي النصر من تقاطع حربَيْن، ميدانية ونفسية، واحدة تحقق التقدّم فتضع يدها على المفاصل الحساسة التي تحسم المعركة ، وثانية تردع الخصم المقابل عن التفكير باللجوء إلى المزيد من الخطوات نحو المواجهة والتصعيد، وفي المقابل نادراً ما يستدعي الحفاظ على الاستقرار دون التنازل عن المواقف بالإعلان عن عدم الجهوزية للمواجهة، ومغادرة ميادين التماس، وغالباً لا يتحقق الاستقرار بالحفاظ على الثوابت عبر ترك الخصم يعربد ويهدّد ويصعّد، والامتناع عن ممارسة الردع المعنوي والإعلامي ورفض المنازلة في ساحات التحدّي، بل يتحقق بالعكس تماماً بصدّ عربدة الخصم وتهديده، وردعه عن التصعيد بتظهير العواقب أمامه، لكن السيد نصرالله أمس خالف المتعارف عليه، وسار نحو نصره بالتواضع في استخدام القوة حدّ الامتناع، وإعلان الانسحاب من ساحات الاشتباك، وترك الميدان لخصومه، محتفظاً فقط بثوابته ومواقفه، وكلمة أنّ مَن يريد قتالنا نحن فليأت إلينا، ومَن يريد أن يقلب الطاولة فليقلبها.
– سيُقال الكثير عن كلام السيد حسن نصرالله في دعوته إلى تفويت الفرصة على الفتنة والتعالي على الاستفزازات، ويقينه بأنّ السعي إلى الفتنة خراب، يجب بذل كلّ الممكن لتفادي الوقوع فيه، كما سيُقال الكثير عن ربط السيد نصرالله لدعوته إلى بذل كلّ ما هو متاح لتفادي الفتنة بصفتها مشروعاً «إسرائيلياً»، وسيُقال الكثير عن إصرار السيد في المقابل على مواصلة حزب الله قول ما يقوله اليوم عن السعودية، معتبراً أنّ موقفه المدافع عن مظلومية الشعب اليمني من أشرف المواقف التي يسجلها في حياته وسيرة الحزب، لكن ما يبدو ضرورياً قوله، هو أنّ السيد ليس في وضعية المحارب الذي يخشى خطراً ويدعو إلى تفاديه، ويختار ساحة المنازلة التي يراها الأفضل لتحقيق نصره، وفي المقابل ليس السيد في وضع المزايدة بإظهار التفوّق الأخلاقي الوطني بإعلان السعي لنبذ الفتنة والدعوة إلى التعالي على الاستفزازات التي تريد استدراج حزبه وجمهوره إليها لمراكمة رصيد سياسي في وجه خصومه، السيد يتصرّف على قاعدة أنّ حربه تشارف على النهاية بنصر محقق، وأنّ الحلف الذي يقابله على ضفة الحرب المكوّن من الثلاثي «الإسرائيلي» السعودي التركي موقن من هذه النتيجة، ويعرف أنّ النصر بات في مطال يد حزب الله وحلفائه، فأوكل إلى السعودية بصفتها مَن يستطيع من بين حلفائها، استدراج الحزب واستفزازه، أن تفعل ذلك حتى يقع الحزب في فخ الفتنة ليفقد بريق نصره وليس لظنه أنّ الفتنة تصلح اليوم وصفة نصر فشل أعداؤه في تحقيقه، فالنصر حُسم في ضفته وكلّ ما يملكه أعداؤه تلويث هذا النصر وتشويهه، لذلك يخرج لجمهوره ليصون النصر ويحفظ نقاءه، فيقول لا تساهموا مع أعدائكم في إفساد نصر كلفنا وكلفكم دماء غالية وعزيزة، وبمثل ما صنع النصر بالتضحيات، نحتاج تضحياتكم لنحمي بريقه ونقاءه، وليس مسموحاً أن ندع أعداءنا يصوّرون نصرنا نصراً لطائفة على طائفة بجعل آخر مشاهد الحرب التي ننتصر فيها، فتنة طائفية.
– يقول السيد لجمهوره إنّ المشهد يشبه عشية التحرير عام 2000 عندما امتنع المقاومون وجمهور المقاومة عن أيّ انتقام طائفي، أو سلوك مستمدّ من غرور المنتصر وزهو القويّ وتعالي المنتصر. كونوا متواضعين، واحفظوا نصركم بالتعالي على الاستفزازات، «ستمرّون بين بيوت فيها قتلى من جماعات العميل أنطوان لحد وتسمعون الشتيمة وسلاحكم بأيديكم فاحنوا رؤوسكم لمشهد الموت وصمّوا آذانكم عن الشتيمة»، هكذا كانت توصياته للمقاومين يومها، وهي تشبهها اليوم، تعبير عن وطنية صافية، وعن علوّ وسموّ فوق العصبيات، لكنها أيضاً خطة حرب وخارطة طريق لاكتمال النصر، تضحيات صناعة النصر تُقاس بالدماء، وتضحيات السير في طريق نيله، تقاس بالدموع، دموع الألم لمن يتحمّل الاستفزاز ويكظم الغيظ، ويتغاضى عن الإساءة، واليوم نريد لنصرنا أن يكون لكلّ اللبنانيين والسوريين والعرب والمسلمين والمسيحيين على الإرهاب وداعمي الإرهاب، ونرفض أن ينجح أعداؤنا بتحويله نصراً لطائفة على طائفة، يجب أن ننجح كما نجحنا عام 2000 بتقديم نصرنا نصراً لكلّ اللبنانيين والعرب والمسلمين والمسيحيين، نصراً على الاحتلال والظلم والعدوان ومنع أعدائنا من تحويله نصراً لطائفة على طائفة.
– كلمة السيد لجمهوره، لا تصغوا للحديث عن السابع من أيار فتردّدوه وراء أعدائكم، الذين يحتاجون إلى التذكير به، كي يستنهضوا جمهوراً يراهم يُهزمون، ويرى أنّ حملتهم علينا ظالمة، وتذكروا أننا اليوم أقوى من أن نحتاج إلى سابع من أيار جديد، لأنهم أضعف من أن يفكروا بخامس من أيار جديد، ذلك زمان صار وراءنا، فلا تسمحوا لهم باستعارته من الذاكرة لتعبئة جمهور يريدون منعنا من سؤاله عن مصلحة لبنان في أن يقتتل اللبنانيون، ولا تسمحوا لهم بإغرائكم بالتذكير بمشهد قوة ظاهرة هو أقلّ من قوتكم الكامنة الراهنة، لتنجرفوا نحو الزهو والتباهي. واعلموا أنّ الشتيمة ليست من شيم المقاومة ولا البذاءة لغتها، كونوا على مستوى النصر الذي يلوح أمامكم، واحفظوا منجزات الجهاد الأصغر بجهادكم الأكبر وهو مجاهدة النفس حفظاً لسموّها ورفعتها.
(البناء)