مقالات مختارة

لأنّ العداء مستمرّ…لا وقف جدّياً للأعمال العدائية: د. عصام نعمان

كم يبدو الوضع في سورية سوريالياً!

قرار مجلس الأمن الدولي 2268 دعا إلى وقف فوري للأعمال العدائية ووجوب التزام الأطراف المتصارعين بالقانون الدولي الإنساني. هل يمكن وقف الأعمال العدائية، فيما العداء مستمرّ ومتفاقم بين الأطراف المتصارعين؟ ثم، هل يُعقل أن تقبل أطراف ليست دولاً ولا تعترف بالقانون الدولي الإنساني الالتزامَ بأحكامه؟

قرار مجلس الأمن أكّد وحدة سورية وسيادتها وحق شعبها في تقرير مستقبلها، فلماذا يُوقف الجيش السوري حربه الدفاعية على تنظيمات تقاتله، سواء كانت إرهابية بمفهوم دمشق وموسكو أم «معارضة معتدلة» بمفهوم واشنطن؟

إلى ذلك، أعلنت تركيا بلسان رئيس وزرائها أنّ «الهدنة ليست ملزمة، ولا تعني سوى سورية، وأنه عندما يتعلق الأمر بأمن تركيا لا نطلب أيّ إذن، بل سنقوم باللازم مع كلٍّ من «وحدات حماية الشعب» الكردية السورية و«داعش» عندما نرى الأمر يتطلب ذلك».

السعودية جهرت وتجهر بعدائها للحكم السوري ودعمها للتنظيمات التي تقاتله. تركيا أعلنت وصول أربع طائرات حربية ومعدات سعودية إلى قاعدة «انجرليك»، فهل هي طليعة الاستعدادات لتطبيق «الخطة ب» التي لوّح بها وزير الخارجية الأميركي جون كيري؟

وإذا كانت تركيا ستقوم، عاجلاً أو آجلاً، بالتصدّي لـِ «وحدات حماية الشعب» الكردية التي تدعمها الولايات المتحدة، وكانت أعلنت موافقتها على التزام الهدنة، فماذا سيكون موقف واشنطن؟ وهل ستكون ملزمة، بموجب «الخطة ب» الغامضة بالتصدّي لتركيا في حال دخول جيشها إلى شمال سورية لمواجهة «وحدات حماية الشعب»؟ وهل، في معمعة الصراع المتواصل بين جميع الأطراف، تنفذ أنقرة مشروعها القديم بإقامة «منطقة آمنة» في شمال سورية؟

أخيراً وليس آخراً، ماذا سيكون موقف واشنطن وموسكو من التنظيمات المقاتلة التي تعتبر أنها غير إرهابية بعدما قامت «جبهة النصرة» بإخلاء بعض مقارها ومواقعها في محافظة إدلب وتوكيلها بالحلول محلها؟ هل صفة الإرهاب ستشمل الوكيل الذي يتولى إدارة أعمال الأصيل؟ وهل تقبل دمشق سكوت واشنطن وموسكو عن هذا الإخراج المريب لتمثيلية التوكيل؟

باختصار، الهدنة المعلنة في سورية ستبقى هشّة، متقلقلة وغير ملزمة لمعظم الأطراف المتصارعين، ولا سيما للتنظيمات المتعاونة مع تركيا والسعودية. هذا الواقع سيستمرّ طويلاً وينعكس سلباً على مفاوضات «الحلّ السياسي» التي يسعى مبعوث الأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا إلى إحيائها.

استمرارُ هذا الواقع المضطرب يمكن تفسيره بأسبابٍ ثلاثة:

أولها، وأهمّها، استمرارُ حال العداء العميق والمتفاقم بين أطراف الحرب في سورية وعليها، ولا سيما بين محور السعودية تركيا من جهة ومحور سورية إيران – حزب الله، من جهة أخرى. طالما العداء مستمرّاً، فلا سبيل إلى وقف الأعمال العدائية قبل إيجاد حلّ أو تسوية، سياسية أو عسكرية، لحال العداء.

ثانيها، تردّدُ إدارة أوباما وعدم وضوح سياستها بسبب قرب انتهاء ولاية الرئيس الديمقراطي واحتمال حلول رئيس جمهوري محله في تشرين الثاني المقبل ما يؤدّي، على الأرجح، إلى تعديلٍ في سياسة أميركا حيال الأزمة والأطراف المتصارعين في سورية.

ثالثها، إنّ سورية، مدعومةً من إيران ومحكومةً بوجوب تحرير أراضيها من تنظيمات الإرهاب وإعادة توحيدها وفرض سيادتها عليها، تجد أنّ ميزان القوى في الميدان يميل إلى جهتها ويشجّعها على اغتنام الفرصة لاستكمال موجبات حربها الدفاعية وتحقيق أهدافها.

إلى ذلك، ثمة سبب إضافي لاستمرار حال العداء، وبالتالي الأعمال العدائية هو أنّ عاملاً مستجداً دخل في الصراع بين «إسرائيل» وقوى المقاومة العربية، اللبنانية والفلسطينية، أدّى إلى اختلالِ معادلة الردع التي كانت قائمة. فقد تبيّن أنّ حزب الله يمتلك ما أسماه أمينه العام السيد حسن نصرالله سلاحاً له مفعول قنبلة نووية. لذا فإنّ تفجير حاويات الأمونياك «الإسرائيلية» في منطقة حيفا من شأنه أن يؤدّي إلى مقتل مئات آلاف الإسرائيليين وأن يلحق بالمدينة ومحيطها تدميراً هائلاً.

مع امتلاك حزب الله صواريخ موجّهة قادرة على إصابة حاويات الأمونياك وإحداث تفجير له مفعول نووي، وجدت القيادة العسكرية «الإسرائيلية» نفسها في حال انكشاف أمني نتيجةَ اختلال معادلة الردع لسببين:

ــــ عدم موافقة البلديات في جميع أنحاء «إسرائيل» على نقل حاويات الأمونياك من منطقة حيفا إلى محيطها وذلك تفادياً لمخاطره الشديدة.

ــــ إعلان إيران عزمها على تقديم مساعدات مالية إضافية للشعب الفلسطيني وانتفاضته الثالثة ضدّ الاحتلال. هذا التدبير يعني أيضاً، في مفهوم «إسرائيل»، زيادة الدعم العسكري لحركتَيْ «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، بما في ذلك تزويدهما مزيداً من الصواريخ الموجّهة أو، في الأقلّ، تزويدهما الدراية الفنية والتجهيزات اللازمة لتمكينهما من تجميع أو تصنيع صواريخ متطوّرة وبالغة الفعالية. ذلك يتيح لهما كما لحزب الله التعاون عسكرياً وميدانياً في حال نشوب حرب مع «إسرائيل».

إذ تحاول «إسرائيل» جاهدةً مع الولايات المتحدة معالجة هذا الاختلال الطارئ على معادلة الردع لغير مصلحتها، فإنّ إحدى وسائل المعالجة ربما تكون إطالة الحرب في سورية وعليها، أيّ استمرار الأعمال العدائية، بالتعاون الضمني وحتى العلني مع الولايات المتحدة وتركيا بغية استنزاف أطراف محور المقاومة أي سورية وحليفيها حزب الله وإيران عسكرياً واقتصادياً بقصد جعلهما في وضعٍ لا يسمح لهما باستغلال حال الاختلال في معادلة الردع للنيل من «إسرائيل» بشكلٍ أو بآخر.

هكذا يتبدّى أنّ صراعات الدول والتنظيمات في المنطقة مترابطة. فلا سبيل إلى عزل أحدها عن الآخر في معالجته أو زيادته تفاقماً من دون أن تتأثر سائر الصراعات بين أطرافها الفاعلة. المطلوب، إذاً، معالجة الصراعات جميعاً في وقتٍ تجد الدول الكبرى، كما الصغرى، نفسها في أوضاع سياسية وأمنية واقتصادية لا تسمح لها باتخاذ قرارات استراتيجية كبرى لمصلحة السلام والاستقرار.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى