الغروب السعودي متعدد الوجوه
غالب قنديل
وفقا للوثائق والمعطيات التاريخية ارتبط الدور السياسي السعودي في المنطقة بالنفط الذي كانت الهيمنة الأميركية الغربية عليه سر الاهتمام الاستراتيجي بأمن المملكة وبموقعها المحوري في منظومة الهيمنة على المنطقة العربية .
سخرت المملكة قدراتها وإمكاناتها السياسية والمالية في خدمة تلك المنظومة فتطوعت بناء على الطلب الأميركي لمحاربة المد القومي التحرري بزعامة الرئيس جمال عبد الناصر وسعت بكل قدراتها لخنق التيارات القومية والتقدمية العربية ولمحاصرتها إعلاميا وشيطنتها من خلال قيادة سعودية عربية وإسلامية لما سمي بمكافحة الشيوعية كما رعت المملكة تنظيم الأخوان المسلمين وقدمت له الدعم والمساعدة وساهمت في قيادة حملة الحشد الجهادي إلى أفغانستان لجماعات التكفير الوهابية الأخوانية في آخر جولات الحرب الأميركية لإسقاط الاتحاد السوفيتي .
اما في الصراع العربي الصهيوني فقد ناهضت المملكة أي دعوة لمقاتلة إسرائيل منذ البداية واخترقت في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي منظمات المقاومة الفلسطينية بالمال لتدجينها ولدمجها في استراتيجيات الاستسلام التي رسمتها الولايات المتحدة الأميركية وهي كانت القوة الراعية لتكريس نتائج الاجتياح الصهيوني للبنان عام 1982 بدعمها لاتفاق 17 أيار وبجهدها الهادف لأخذ منظمة التحرير إلى اتفاقيات اوسلو لتصفية قضية فلسطين تحت تغطية القمم العربية وهي عملت بعد الاجتياح لمحاصرة الموقف السوري ولإضعاف التحالف السوري الإيراني الداعم للمقاومة في لبنان وفلسطين.
شكلت الثروة النفطية مصدرا هائلا لقوة مالية كبيرة امتلكتها المملكة السعودية وسخرتها في وظائف متعددة لمصلحة الولايات المتحدة والغرب ولصالح تغليب منطق الاعتراف بإسرائيل والمساومة على الحقوق العربية بما فيها حق العودة ومصير قضية فلسطين عن طريق موائد التفاوض التي ترعاها الولايات المتحدة وهي بذلك ادت الوظيفة التي كلفت بها من مواقع التخطيط والقيادة الأميركية المرتبطة مباشرة باللوبيات الصهيونية في واشنطن التي قدمت لها المملكة الأموال عن طريق الدعم المستمر لمراكز أبحاثها ووسائل إعلامها وعبر شراكات كبيرة في إنشاء إمبراطوريات إعلامية ناطقة بالعربية بقيادة بريطانية منذ السبعينيات انطلقت بالصحف الدولية واستكملت بالقنوات الفضائية وفي هذا المسار قامت المملكة بتدجين غير مسبوق للنخب وباصطياد الكتاب والصحافيين لتجنيدهم في جوقة الترويج للسياسات الأميركية في المنطقة.
ليس المأزق السعودي ناجما فحسب عن تبدلات جيواستراتيجية كبرى يصعب التكيف معها بعد تراجع الهيمنة الأحادية الأميركية وتصدع سيطرة السيد الأميركي الذي قدمه الخطاب السعودي مثل القدر المحتوم وتعامل معه على هذا الأساس بل إن ذهولا سعوديا كبيرا ظهر في السنوات الأخيرة مع اضطرار الولايات المتحدة إلى الخضوع للتعدد القطبي في العالم انطلاقا من الشرق ومن الاعتراف بإيران العدو الذي كرس آل سعود كل جهودهم لضربه وإضعافه ولمنع الإقرار بدوره وبعدما كانوا حليف الشاه وشريكه المطيع كانوا القوة الأشد شراسة في محاربة إيران لحساب الهيمنة الأميركية الصهيونية .
ما لم يكن في حسبان آل سعود هو ان عهد الفورة النفطية انتهى وقد يطول افتقادهم لزمن الوفرة المالية وهم لم يقوموا بأي جهد فعلي لتنويع موارد الثروة بل أقاموا اقتصادا استهلاكيا احادي الموارد مرتبطا بسلعة واحدة حصلت تغيرات هيكلية في أسواقها وتراجعت أسعارها وستدوم كذلك إلى زمن غير قصير قد يتعدى السنوات العشر القادمة كما يؤكد الخبراء الأميركيون والغربيون.
يضاف لما تقدم ان دور المملكة في تكوين وانتشار جماعات التكفير يقود إلى وضع جديد في تعامل مجتمعات العالم الإسلامي مع المرجعية الدينية والمعنوية للمملكة التي سعت إلى توريط دول كبرى مثل مصر وباكستان وماليزيا واندونيسيا في حروبها اليائسة دون جدوى وحيث تمثل المعاهد الوهابية والتيارات التكفيرية التي رعتها المملكة في بعض هذه الدول مصدر خطر تسعى السلطات المعنية لمحاصرته ورد أذاه المدمر عن بلدانها .
تراجع المكانة الاستراتيجية نتيجة تبدل البيئة الدولية وتراجع القدرات المالية نتيجة انحسار الفورة النفطية وتراجع المكانة الدينية والمعنوية نتيجة انكشاف خطر التكفير تشير جميعها إلى أن زمنا سياسيا وتاريخيا قد ولى ولا مجال لاسترجاعه ولذلك يبدو العالم موحشا للسلطات السعودية ولا تبدل في قسوته محاولات المكابرة والتظاهر ولا نقل الصلة القديمة بإسرائيل إلى العلانية ولا الهستيريا السياسية التي تحرك الضرب خبط عشواء والاستقواء على بلد كلبنان تجد المملكة في مقاومته وقدراتها التي أرعبت إسرائيل علامة للفشل السعودي المركب والرهيب .