المحور السُني يستعرض العضلات: جيلا ليندنشتراوس ويغئال جوجنسكي
ان توقيع الاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى وكذلك الشروع في رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران في منتصف كانون الثاني 2016، كانت احداثا مقصودة بالنسبة للعربية السعودية، والتي عززت في المملكة من الداعمين لاستمرار السياسة الاستباقية تجاه إيران. وفي المقابل، ان المشاركة العسكرية الروسية في سوريا وكذلك الازمة التي نشبت بين تركيا وروسيا في اعقاب إسقاط الطائرة الروسية في سماء تركيا، ادت إلى تغيير معين ايضا في اتجاه السياسة الخارجية لتركيا. هذه التطورات زادت من سعي تركيا وراء التقارب مع العربية السعودية وباقي دول الخليج. ونقطة الذروة في هذا التقارب هو السماح بنشر طائرات مقاتلة سعودية في القاعدة الجوية التركية انجرليك (وربما ايضا لاحقا نشر قوات برية) ـ رسميا، كجزء من محاربة «الدولة الإسلامية»، إلا انه عمليا، كخطوة ترمز إلى وحدة القوات بين الدولتين.
تعتبر تركيا لاعبا كبيرا في نظر اولئك الذين يؤمنون بالتنسيق المطلوب في السياسة السعودية الخارجية والامنية على ضوء التطورات الاقليمية، والتي هدفها المعلن من قبل العربية السعودية، هو وقف وتعزيز مكانة إيران في المنطقة. بالنسبة للرياض، حيث تعتبر التركيبة الطائفية مركزية بعلاقاتها تجاه طهران ـ فإن تركيا هي قوة اقليمية، سنية، لم تحقق خيارها بسبب عدم تبنيها سياسات عدائية تجاه إيران.
بشكل عام، فمنذ صعود الملك سلمان للسلطة في كانون الثاني 2015 عرفت عدة محاولات للتقارب بين تركيا والعربية السعودية. بالنسبة للعربية السعودية، فإن ردود افعال الدول بالنسبة لاعدام الداعية السعودي الشيعي، الشيخ نمر النمر، كانت بمثابة ورقة عباد الشمس لاختبار الولاءات.
فبالنسبة لاعدام الشيخ نمر النمر قال اردوغان انه «امر قضائي داخلي» للعربية السعودية، وادانت انقرة حرق الممثلية السعودية في طهران وفي مشهد، في اعقاب عملية الإعدام ووصفتهما بـ «الامر المرفوض». وفي نفس الوقت، خرجت من انقرة ايضا دعوة للعربية السعودية ولإيران للعودة إلى مسار الدبلوماسية، والعمل على تخفيف حدة التوتر بينهما ـ دلائل على رغبة تركيا بالمحافظة على علاقات طبيعية مع إيران ولعدم شهيتها في التدخل اكثر في الخلاف بين البلدين. وذلك في اعقاب الارتباط التركي في استيراد الطاقة وتحديدا الغاز الطبيعي من إيران (إيران هي المزود الثاني من حيث الاهمية للغاز بعد روسيا، وفي العام 2014 استوردت تركيا حوالي 18 بالمئة من الغاز الطبيعي الذي تحتاجه- من إيران)، بالاضافة إلى الرغبة التركية في زيادة معدل التجارة بمعدلات كبيرة بين البلدين في اعقاب رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران.
وبموازاة الدعم التركي للرياض، فإن تركيا انضمت إلى التحالف العسكري الإسلامي ضد الإرهاب، والذي اعلنت العربية السعودية عن قيامه في كانون الاول 2015، والذي يضم 34 دولة، إلا انه لا يشمل إيران.
بالاضافة إلى ان تركيا والعربية السعودية تظهران دعما كبيرا وعلنيا اكثر من الماضي لنظام الحكم الذاتي الكردي في شمال العراق، كجزء من محاولتهما للتوازن المضاد للتأثير الإيراني في العراق، كما ان العربية السعودية ايضا سوف تفتح هذا الشهر قنصلية لها في اربيل (لتركيا قنصلية هناك منذ العام 2010). ومن الجدير بالذكر ايضا، ان تركيا اعربت في الماضي عن دعمها للتدخل العسكري للعربية السعودية في اليمن كما انها لم تنتقد العواقب الانسانية السلبية التي نجمت عن هذا التدخل.
على خلفية زيارة رئيس الوزراء التركي، احمد اوغلو، إلى العربية السعودية في نهاية كانون الثاني، حيث رافقه عدد من الوزراء ورئيس الخدمات السرية، عاد الاعتقاد ثانية إلى إمكانية تعزيز التعاون بين تركيا والعربية السعودية، وتحديدا تجاه التنسيق بينهما استعدادا لجولة المباحثات الثالثة في جنيف (التي علقت مؤقتا)، في إطار الجهود لانهاء الحرب الاهلية في سوريا. فتركيا والعربية السعودية محبطتان، على ما يبدو، من السياسة الأمريكية بالنسبة لسوريا، والتي على سبيل المثال لا تلغي نهائيا إمكانية بقاء الرئيس السوري بشار الاسد رئيسا لسوريا، على الاقل لفترة انتقالية، وكلا الدولتين (تركيا والعربية السعودية) تطلبان مساعدة الواحدة منهما الاخرى من اجل تغيير هذه السياسة. هذا الضغط على الولايات المتحدة اثمر نجاحا وحيدا، عندما تقرر ان ممثل حزب الاتحاد الديموقراطيPYD، على الرغم من كونه العنصر المهيمن في اوساط الاكراد في سوريا، لن يكونوا من بين المدعويين لمباحثات جنيف. وبذلك يكون قد تم الاخذ بالموقف التركي، والذي يعتبر الحزب كفرع للمنظمة السرية الكردية التي تعمل داخل تركيا. ولذلك تم استبعاده.
علاوة على ذلك، من المعروف الاحباط السعودي التركي من التدخل العسكري الروسي في سوريا، حيث تنظران إلى هذا التدخل ليس مجرد مساعدة في بقاء الاسد في منصبه، بل هو يهدد قوات المعارضة الذين من بينهم من تدعمهم تركيا والعربية السعودية، وعلى طريقة نقل المساعدات لهذه القوات. كما يشار إلى ان تركيا والعربية السعودية، قد قررتا اثناء زيارة الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، إلى الرياض في كانون الاول 2015 (والتي كانت زيارته الثالثة في تلك السنة للعربية السعودية)، إقامة مجلس استراتيجي للتعاون المشترك بينهما.
ان دعم تركيا للاخوان المسلمين، ومعارضتها لنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي في مصر، على الرغم من انهما لا يشكلان عائقا امام التقارب بينها وبين العربية السعودية، وبينها وبين باقي دول الخليج، إلا ان العربية السعودية نفسها تبدي اليوم نظرة براغماتية اكثر من الماضي بالنسبة للاخوان المسلمين. فبالنسبة لها، فإن التهديد الكبير هو نوايا التوسع الإيراني، ومن هنا رغبتها في بلورة محور سني كبير وموحد في المنطقة. إلى جانب الاعتبارات الجيو ـ استراتيجية، للاطراف، دول الخليج وفي مقدمتها العربية السعودية وقطر، لها استثمارات كبيرة في الاقتصاد التركي.
منذ عدة سنوات عادت العلاقات بين تركيا وقطر إلى سابق عهدها، ووصلت إلى حدها الاعلى عندما توصلتا في كانون الاول من العام 2015 إلى الاعلان عن بناء قاعدة عسكرية تركية في قطر يتم فيها نشر حوالي 3 آلاف جندي. وعلى الرغم من انه يوجد لتركيا قوات في شمال العراق، إلا ان بناء قاعدة في قطر وحجم القوات التي سيتم نشرها بها هي سابقة بالنسبة لوجود قوات تركية في دول الشرق الاوسط. وكذلك التعهد التركي بالاستمرار في تدريب قوات الجيش التركي. عدا عن التعاون الاستراتيجي ـ الامني هذا، يوجد ايضا تعاون في مجالات الاقتصاد والطاقة بين الدولتين. ويشار بهذا الخصوص، إلى انه على الرغم من ان تركيا معنية بزيادة كميات الغاز الطبيعي السائل الذي تشتريه من قطر، إلا ان منشآت الاستيعاب المتواجدة على ارضها محدودة بالنسبة لحجمها.
بالنسبة إلى تركيا، فهي تقوم بجهود لاصلاح العلاقة ايضا مع دولة الامارات المتحدة وتحديدا نسيان التوتر الذي ساد بينهما على خلفية التوتر الذي ساد بينها وبين العربية السعودية ـ الانتقاد الحاد لتركيا للرئيس السيسي ودعمها للاخوان المسلمين، على خلاف دعم دولة الامارات لاسقاط نظام الرئيس محمد مرسي في تموز 2013.
وجاء التعبير عن هذه التوترات من خلال تجميد معدل التجارة بين تركيا ودولة الامارات (وذلك، خلافا لنمو التجارة بين تركيا وباقي دول الخليج) بالاضافة إلى عدم تسمية سفير لدولة الامارات في انقرة منذ فترة طويلة- والذي يشكل تلميحا، على ما يبدو لعدم رضا ابو ظبي عن سياسة انقرة. وقال وزير الخارجية التركي مؤخرا، انه يخطط للقيام بزيارة إلى دولة الامارات، وذلك على ما يبدو بهدف محاولة فتح صفحة جديدة في العلاقات.
مصلحة اضافية لانقرة في تعزيز العلاقات مع دول الخليج مرتبطة بعزلتها الدبلوماسية في المنطقة. فلغاية كتابة هذه السطور ما زال لا يوجد سفير تركي في إسرائيل، مصر وسوريا. وبهذا الخصوص يشار، إلى ان نجاح السعودية في تسخير الدعم الاقتصادي الذي تمنحه لمصر، في نجاح جهود الوساطة بين تركيا ومصر، التي وجدت تعبيرها في إعادة السفراء إلى انقرة والقاهرة، سوف يسهل على إسرائيل العمل على تحسين العلاقات بينها وبين تركيا.
واحد العناصر التي تعيق التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل وتركيا حول موضوع التطبيع بينهما هو التخوف المصري من انه في إطار التنازلات الإسرائيلية لتركيا فإن تركيا ستحظى بدور اكبر في قطاع غزة، والذي يعزز من مكانة حماس، والاخوان المسلمين في مصر. وذلك بالاضافة إلى ان نجاح العربية السعودية في جهود الوساطة بين تركيا ومصر سوف تؤدي إلى تعزيز علاقات تركيا مع دول اخرى في الخليج، وتساعد في بلورة جبهة سنية في المنطقة.
نظرة عليا