بقلم غالب قنديل

إيران ترسخ ديمقراطيتها

alalam 635911910974966766 25f 4x3

غالب قنديل

تؤكد الجمهورية الإسلامية طريقها الديمقراطي الذي شقته منذ انتصار الثورة بتقاليد المنافسة السياسية والتعدد وحرية تكوين التكتلات والتيارات على أساس البرامج والتوجهات السياسية والاقتصادية ويمكن الحديث في وصف التجربة الإيرانية الانتخابية المستمرة عبر إجراء عمليات انتخاب شعبية متواصلة نظمت دوريا وجرى من خلالها تجديد سائر المؤسسات والمجالس العليا والمحلية في الدولة على امتداد عمر الجمهورية التي عاشت حتى اليوم دورة مستقرة من التداول الطبيعي للسلطة وحققت درجات استقرار وتماسك عالية وفرت المناعة ضد التدخلات والتهديدات والحروب التي شنت على إيران طوال العقود الماضية .

اليوم وعشية الانتخابات الإيرانية يمكن القول إن الجمهورية نجحت بجدارة في تكوين إرث ديمقراطي كبير يقوم على المنافسة والتعدد ويحمل خصوصيات إيرانية من خلال الهوية الإسلامية للدولة وهي هوية جامعة لشبه قارة يقطنها شعب يتمسك باستقلال بلاده بقوة وصلابة كما برهنت مقاومته القادرة والمنتصرة لعقود قاسية من العقوبات والحصار توجت بقيام معادلة جديدة في المنطقة والعالم تنطلق من الاعتراف بإيران القوة العظمى الصاعدة اقتصاديا وسياسيا.

ما روجه خصوم الجمهورية في الغرب والمنطقة على مر هذه السنوات عبر وسائل الإعلام المجندة للحرب منذ فجر الثورة تساقط في جميع المحطات والمفاصل وبقدر ما حمل معه من الأكاذيب والدجل والعداوة فقد نم عن جهل عميق بالخصوصيات التاريخية والثقافية والسياسية للتجربة الإيرانية منذ انتصار الثورة التي تمكنت في أصعب الظروف من مواصلة برامج البناء الاقتصادي والاجتماعي والثقافي وراكمت تقاليد التعدد السياسي وتداول السلطة بالاحتكام إلى صناديق الاقتراع والإرادة الشعبية على صعيد جميع المؤسسات والمواقع دون ان تفلح الحملات الاستعمارية في تفكيك اللحمة الشعبية الداخلية والنيل من الصلابة في الدفاع عن الاستنقلال الوطني الذي شكل محور الثورة التقنية الصناعية وموضوع ملحمة الصمود والتفاوض التي توجت بانتصار تاريخي .

يعتبر هذا النجاح الذي حققه الشعب الإيراني باقتدار ووعي كبيرين إنجازا تاريخيا في معركة التحرر من الهيمنة الاستعمارية ويعود فضل كبير في رسم استراتيجية إدارة الصراع إلى المرشد الإمام آية الله الخامنئي الذي عمل على نشر وعي شعبي عميق لطبيعة كل مرحلة من الصراع وحدد لها اهدافها ومبادئها وثبت عقلية المؤسسات والاحتكام إلى الشعب وإرادته في تكوينها وثبت احترام الاختلاف ومنع أي تناحر يضر بالوحدة الوطنية ومنذ انطلاق التفاوض مع الغرب الاستعماري الذي رضخ لإرادة الاستقلال الإيرانية يواظب الإمام الخامنئي على نشر وعي لطبيعة المرحلة الجديدة بوجهيها : التهديدات والفرص وهو قدم مساهمات نوعية في تنوير النخب والجماهير وشعوب العالم حول استراتيجيات القوة الناعمة التي يلجأ إليها الاستعمار الغربي في السعي إلى كسر إرادة الاستقلال واختراق المجتمعات العصية على الإخضاع بالقوة العسكرية ولذلك فقد ركز السيد الخامنئي مؤخرا على فكرة الاستقلال والتصدي لأطماع المستعمرين والتنبه لمؤامراتهم المتجددة ضد إيران ودعا مواطنيه لاختيار ممثلين يملكون القدرة على تحقيق هذه الغاية وهو بذلك يتوج حملة تعبوية متواصلة اطلقها منذ رضوخ الولايات المتحدة والغرب لفكرة التفاوض مع الجمهورية.

تتمسك الجمهورية باستقلالها وبعقيدتها الاستراتيجية المناهضة للهيمنة الاستعمارية وبصورة خاصة دعمها لمقاومي مركز منظومة الهيمنة في المنطقة الكيان الصهيوني ويبدو واضحا من اجواء الحملات الانتخابية ان هذا البعد في هوية ووعي الشعب الإيراني قوي وثابت فقد برهنت السنوات الأخيرة ان ما تحملته إيران من تضحيات في سبيل تعزيز خيار مقاومة الاستعمار والصهيونية في المنطقة كان مكونا رئيسيا لرصيد دفاعها عن استقلالها وحقوقها وهو ما ظهر في مسار التفاوض حول البرنامج النووي السلمي ونتائجه المهمة التي انعكست بانقلاب شامل في السلوك السياسي لدول الغرب التي يتسابق قادتها إلى طلب الود في طهران وهذا ما يعزز شعور الإيرانيين بالكرامة الوطنية والعزة القومية التي تشكل احد معالم المواجهة المستمرة في إطار الحرب الباردة العالمية حيث انتزعت إيران موقعا مقررا في معادلات العالم المتغير إلى جانب الصين وروسيا وسط اعتراف دولي متزايد .

المنافسة داخل المجتمع الإيراني تتركز على مضامين اقتصادية وسياسية تتعلق بوجهة التقدم المنشود في جميع المجالات وهي تعكس تلاوين التعددية السياسية الإيرانية وستحمل معها خصوصيات تجربة مهمة وجديرة بالدراسة والفهم بعيدا عن النمطية والمواقف المسبقة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى