مقالات مختارة

انفجار أزمة اللاجئين يهدد مصير بريطانيا بروكسل – وسيم ابراهيم

 

الخوف من سيناريو انفجار أزمة اللاجئين بات على أجندة بريطانيا. رئيس حكومتها ديفيد كاميرون يراقب بقلق الانقسام الأوروبي، الخلافات وتراشق الاتهامات بلا توقف، فيما تدفقات اللجوء تواصل عبورها بحراً من تركيا إلى اليونان المحاصرة من الجميع. المفارقة الساخرة جعلت مصير بريطانيا، بشكل ما، مرهوناً بسيل اللجوء: باتت القضية عاملاً مهماً يمكنه أن يرجح فرص بقائها أو خروجها من الاتحاد الأوروبي.

هذه الحسابات جعلت الحرب السورية، للمرة الأولى، تمس مباشرة مصالح لندن، بعدما كانت تتصرف فيها، مثل حلفائها الغربيين، كلاعب دولي يتمتع بهامش كبير للمناورة. التحول فرضه وقوف بريطانيا على مشارف استفتاء مصيري، أواخر حزيران المقبل، سيحدد عبره شعبها إن كان سيبقى أم سيخرج من الاتحاد الأوروبي. رئيس الحكومة البريطاني حصل على تسوية مؤخراً، تضمن وضعاً خاصاً لبلاده داخل الاتحاد، ليعلن أنه يقود الآن معسكر الداعين للبقاء في العائلة الاوروبية.

يستغرب مسؤول أوروبي، منخرط في تجاذبات قضية اللجوء، حين سؤاله عن مدى جدية تأثير «أزمة اللجوء»، كما تسميها أوروبا، على مصير الاستفتاء البريطاني. ترتسم على وجهه ابتسامة ساخرة، فيما يقول لـ «السفير» إن «تصاعد الأزمة والفوضى سيكون كابوساً لكاميرون وهو يعرف ذلك تماماً».

السيناريو المقلق لكاميرون، الذي يدعو المسؤول الاوروبي لتخيله، هو التالي: إذا تفاقمت الأزمة من دون سياسة مشتركة، سيتوالى اغلاق الحدود، طالما أن تركيا لم تقتنع بالتعاون وبقيت مراهناتها عالية على ورقة اللاجئين. سيعني ذلك، عملياً، انهيار فعلي لمنطقة «شنغن» للتنقل الحر، تلك التي يقدمها الأوروبيون باعتبارها أهم إنجازات الوحدة الأوروبية.

يكمل المسؤول الأوروبي رسم اللوحة: «حينها سيكون كاميرون يخطب على شاشة تلفزيون بريطاني فيما قسم من الشاشة يعرض لانهيار منطقة شنغن مع تدفقات لجوء كبيرة. ماذا سيقول للبريطانيين: أنا أدعوكم للبقاء في اتحاد يعيش كل هذه الفوضى؟».

لطالما كان موضوع اللاجئين والمهاجرين العنوان المفضل لأحزاب اليمين، بما فيها حزب «الاستقلال» البريطاني الذي يتقدم صفوف معاداة مشروع التكتل الأوروبي. يقول ديبلوماسي أوروبي يعمل على ملف اللاجئين أنه «إذا تطورت القضية في اتجاهات سلبية، فذلك سيؤثر حتماً على الاستفتاء البريطاني. الأمر يعتمد إلى أي حد ستسوء الأزمة إذا لم نجد حلاً يحتويها»، قبل أن يضيف «المسألة تشكل عاملاً نفسياً مهماً سيؤثر على خيار الناخبين المترددين».

كاميرون يواجه تحديا حقيقيا للفوز في الاستفتاء. رغم انجازه الصفقة مع الزعماء الاوروبيين، لكن نسبة المؤيدين لبقاء بريطانيا في الاتحاد تراجعت ست نقاط مئوية عن الشهر الماضي، بحسب المسح الذي يجري لصالح جريدة «ديلي ميل» البريطانية. نتائج الاستطلاع الأخير تظهر أن داعمي البقاء 51 في المئة، فيما مؤيدو الخروج 39 في المئة.

النسب التي ترشح دوراً أكبر لتأثيرات قضية اللاجئين، تظهر في اعتبار 62 في المئة ممن شملهم المسح، أن المستوى الحالي من الهجرة الأوروبية إلى بريطانيا عال جداً. يمكن تخيّل كيف ستصير النسبة، حينما تستخدم الحملة المناوئة عناوين غرق أوروبا «بالمهاجرين»، مدعومةً بضجيج يملأ الاعلام حول «انهيار» المشروع الأوروبي الأهم.

تلك العناوين ليست صنيعة الصحف الصفراء. لم يعد قادة المؤسسات الأوروبية يخرجون للحديث عن القضية، بعدما استعصت الخلافات، من دون أن يطلقوا تحذيرات مدوية. رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك قال إن الأزمة الأوروبية تهدد بـ «تفكك الاتحاد الأوروبي خلال أشهر». مثله فعل رئيس المفوضية جان كلود يونكر، محاججاً الأوروبيين بأنهم لن يكونوا قادرين على تحمل التكلفة الاقتصادية لانهيار منطقة التنقل الحر.

التأثير الكبير لتفاقم الأزمة على الاستفتاء البريطاني أكده، بنبرة التحذير، رئيس الوزراء اليوناني الكسيس تسيبراس بعد انتهاء القمة الأخيرة قبل أيام. قال موجهاً كلامه لكاميرون «أريد أن أؤكد على أن نتيجة الاستفتاء ستعتمد على التطورات، التي ستجري إلى حينه، في أوروبا وخصوصاً في الجزء الجنوبي الشرقي منها، أزمة اللاجئين ستحكم على التماسك الأوروبي».

هنا تظهر، مجدداً، الآثار «الايجابية» لسيل اللجوء السوري، فجريانه إلى أوروبا، تعريته لانقساماتها واستخدامه عنواناً أساساً لتفاقمها، جعل دولها معنية باحتواء الحرب السورية. المثال الأبرز، المستجد بدوره، هو المانيا التي باتت مضطرة لترديد بعض عناوين السياسة التركية. أنقرة تمسك الأوروبيين من أعناقهم. المستشارة أنجيلا ميركل تحدثت عن ضرورة المنطقة الآمنة، لكن على أن تجري بالتوافق مع موسكو ودمشق.

لكن القيادة التركية في مزاج سيئ جداً، خصوصاً حيال الأوروبيين. لم يدعموا موقفها المعادي للأكراد السوريين، ويرفضون توفير أي مظلة سياسية لمواصلة أعمال أنقرة العسكرية ضدهم. الحنق وصل بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان للقول أمس إن الكرة الأرضية، تقريباً (شمل انتقاده واشنطن وموسكو وطهران والاتحاد الاوروبي والأمم المتحدة)، اتخذت موقفاً «مخزياً» بطريقة دعمها للهدنة السورية.

الهدنة السورية يمكنها أن توفر لبرلين مجالاً لمنطقة آمنة، ستكون تحصيلاً حاصلاً إذا توقف القصف الجوي الروسي والسوري، او تم تحييده بالتوافق عن منطقة تمتد عليها مخيمات اللاجئين. كل هذا يمكنه أن يتقدم، إلا إذا قررت أنقرة إدخال اللاجئين خصوصاً لارسالهم إلى أوروبا.

لندن باتت أيضاً مرهونة لتلك الحسابات، وبالتالي للسياسة المطلوبة لاحتواء الحرب السورية. لن يمكن تجاهل مصالح أنقرة بأي حال. كاميرون أكد، قبل اعلانه عن موعد الاستفتاء، أنه سيدعم الاتراك بالزوارق والطائرات الحوامة والخبراء لمكافحة شبكات التهريب.

الجميع يدرك أنه من دون اتفاق مع تركيا ستكون الأمور مرشحة لتصاعد لا يمكن توقع مداه ونتائجه. اليونان تصرخ معترضة على الجميع، وتحت ذلك يعتمل قلقها من أن تُترك وحيدةً في مواجهة سيل اللجوء. تنتقد أنقرة، التي لا تبدي اهتماماً يذكر بالتعاون لإيقاف التدفقات، حتى في إطار مهمة بحرية مشتركة مع داخل الحلف الأطسي. تنتقد أيضاً النمسا بشدة، بعدما باتت تمثل الجهة الأخرى من الحصار الذي يمكن أن يطبق عليها.

فيينا قامت بتقييد دخول اللاجئين إليها، فارضة رقم 3200 كحد أقصى لمن يسمح دخولهم، من دون أن تكترث بانتقادات أوروبية وألمانية مستمرة حول سياسة اعتبروها تنتهك القوانين الدولية التي لا تضع «حداً أقصى» لمن يمكن أن يحاول النجاة من الحروب والمآسي.

قامت فيينا أمس، قبل اجتماع وزراء الداخلية اليوم، بعقد اجتماع لوزراء داخلية جميع دول البلقان حول قضية اللاجئين، مستبعدة عن قصد دعوة اليونان. أثينا ثار غضبها لتعلن أن الهدف هو استغيابها لطبخ «قرارات» تضرّ بها في غيابها. إذا قامت جميع دول البلقان، بتأثير الدومينو الذي تخشاه بروكسل وبرلين، باغلاق حدودها، فسيجعل ذلك اليونان محاصرة تماما بالأزمة. حتى الآن هناك وعود ألا تتخذ هكذا اجراءات، حتى مطلع آذار المقبل، انتظاراً لنتائج قمة خاصة مع تركيا ستعقد في السابع منه.

المانيا أمامها انتخابات اقليمية، لذلك تسارع لانجاز اتفاق يحاول انتزاع صفقة ترضي الأتراك. مصادر أوروبية أكدت لـ «السفير» أن سياسة توزيع اللاجئين وفق نظام الحصص، بين الدول الأوروبية، باتت «في حكم الميتة». برلين ترفض الاعتراف بذلك، لكن المصادر أكدت أن ألمانيا تسعى لخطة بديلة: إغلاق الحدود الخارجية الأوروبية، مع اقناع أنقرة بخطة جدية إعادة التوطين للاجئين من تركيا إلى أوروبا.

المصادر أكدت أن مسؤولين ألمان عرضوا لإمكانية استخدام «المنطقة الآمنة» ضمن خطة إعادة التوطين. الكيفية تعتمد على القيام بخطوات «مقنعة» هدفها «نقل اللاجئين من تلك المنطقة إلى أوروبا، على أمل أن الناس سيقتنعون بعدم الإتجاه لأوروبا بعدما تكون هناك فرصة أمامهم للوصول إليها من دون مخاطرة وبشكل شرعي».

تبقى المسألة في إطار عرض البدائل الممكنة، ولا يوجد هناك مشروع جاهز. الأكيد في قضية اللاجئين أن الحلول لم يعد ممكناً تأجيلها أكثر، كيفما كانت وجهتها. المصادر أكدت أنه «يجب أن نرى تطبيقا فعالاً لخطة العمل مع تركيا، نحتاج بشكل عاجل لرؤية ذلك، خلال أسابيع وليس أشهر».

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى