حول الاتفاق الروسي الأميركي
غالب قنديل
يعبر الاتفاق الروسي الأميركي على آلية لوقف إطلاق النار في سورية عن توازن القوى العام الذي شرع يميل لصالح الدولة الوطنية السورية وحلفائها وهو كما يتوقع كثير من المحللين والخبراء يواجه تحديات كثيرة في مسار التطبيق لغموض هوية الجماعات المسلحة التي يفترض التعامل معها خارج الاشتباك المكرس في الاتفاق بمواصلة القتال ضد العصابات الإرهابية داعش وجبهة النصرة ومثيلاتها التي لم تجر تسميتها في النص المنشور عن نص الاتفاق .
أولا إن اخطر ثغرات هذا الاتفاق غياب آلية ضامنة لوقف تدفق السلاح والمال والمسلحين عبر الحدود التركية والأردنية وهي المعضلة التي اطالت من امد الاستنزاف في سورية ومكنت الجماعات الإرهابية من مواصلة القتال لسنوات كما لم يتضمن الاتفاق آلية اممية تلزم الدول المتدخلة لدعم الإرهاب في سورية باتخاذ التدابير التي تنسجم وأحكام القرارات الدولية بهذا الخصوص أي الكف عن خطواتها العدوانية في دولة ذات سيادة يقر الاتفاق لقواتها المسلحة ولداعميها وسركائها بمشروعية عملياتها القتالية ضد داعش والنصرة ومثيلاتها كما ورد في النص.
يمكن اعتبار الصيغة كما أعلنت انتصارا لوجهة النظر السورية التي قامت على مبدأ اولوية مكافحة الإرهاب وتكريسا لشرعية القتال الذي يخوضه الجيش العربي السوري وحلفاؤه وحيث قدم الاتفاق كتلة الشركاء تحت هذه التسمية التي تشمل فعليا إلى الوحدات الجوفضائية الروسية قوات حزب الله والوحدات الاستشارية من الحرس الثوري وقوات الدفاع الوطني السورية وغيرها من الفصائل المساندة للجيش العربي السوري .
ثانيا بالمقابل ترك الاتفاق هوية الجماعات الإرهابية المضافة إلى داعش والنصرة غامضة وذلك يمثل تحايلا على معضلة الاختلاف الواقع في التصنيف ونقلا للفرز إلى الميدان فمعلوم ان ضغوطا تركية وسعودية مورست خلال الشهور الأخيرة وعبر المفاوضات المتعددة التي جرت ضمن مجموعة فيينا لاستثناء بعض العصابات القاعدية والأخوانية من لوائح الإرهاب وأقحم بعض ممثليها في وفد التفاوض الذي تم تشكيله في الرياض تحت مسمى المعارضة ومن هنا وبدلا من الاستمرار في الجدل حول عشرات المنظمات وتكوينها العقائدي والسياسي ومآثرها الدموية بات الفيصل هو في تصريح الفصائل العسكرية المناهضة للدولة السورية عن قبولها لقواعد وقف إطلاق النار وامتثالها لآلياته الميدانية واتخاذ الإجراءات وتقديم الالتزامات الناتجة عن ذلك وهو اختبار عملي لكل من تركيا والسعودية وقطر .
إذا صدقت التعهدات الأميركية لروسيا الاتحادية يمكن نظريا دفع الميدان السوري في طريق الفرز السياسي مع الإعلان عن آلية لوقف النار تشرع استمرار العمليات الحربية للجيش العربي السوري وحلفائه كما ورد في النص تضمنت فرصة مفتوحة للجماعات المسلحة الراغبة بتمييز نفسها عن النصرة وداعش عبر قبول قواعد وقف إطلاق النار والانضمام إلى العملية السياسية السورية لاحقا.
ثالثا لدى الولايات المتحدة خطة معدة مسبقا للتعامل مع وقف النار وتداخل الجبهات سبق أن رسمها تقرير لمعهد راند للدراسات البحثية وتقوم تلك الخطة على اقتراح نقل وتجميع العصابات الإرهابية بحيث تتبلور مناطق سيطرة مكتملة جغرافيا يمكن البناء عليها في الواقع السياسي والإداري السوري ومع خضوع واشنطن لتصنيف جبهة النصرة قوة إرهابية إلى جانب داعش باتت عشرات الجماعات الأخرى مبعثرة في الجغرافيا ولا تمتلك سيطرة متماسكة على رقعة واضحة وهذا ما ينسف رهان مشروع راند على تحويل وقف النار إلى عملية تثبيت لحدود كانتونات افتراضية يمكن ان تشكل أرضية لطرح الفدرالية او اللامركزية في سياق العملية السياسية لكن الأرجح ألا تلقي واشنطن هذه الورقة دون محاولة الذهاب إلى بديلها العملي وهو استنساخ الطائف اللبناني لسورية الذي يصطدم بتثبيت هوية الدولة العلمانية.
دائما قامت الإدارات الأميركية في حروبها بالتحايل على التوازنات والسعي إلى اقتناص الفرص لتمرير ما فشلت عنه في الحرب عن طريق التفاوض والعمليات السياسية الممتدة ويمكن لنا القول اليوم إن سورية تدخل مع الاتفاق الأميركي الروسي مرحلة تستدعي مزيدا من الحزم وإرادة المقاومة والصمود والانتباه السياسي بحيث تراكم الدولة الوطنية إنجازاتها بالشراكة مع الحلفاء وتسد الفجوات التي قد يتسرب منها المخططون الأميركيون الذين ما زالوا مصممين على اختبار فرص مشاريعهم وخططهم لعرقلة نهوض القوة السورية من جديد وهذا بيت القصيد الصهيوني.