مقالات مختارة

مشاكل مع الحاشية:تسفي برئيل

 

اعصاب المواطنين المصريين المشدودة تعرضت في الاسبوع الماضي لامتحان آخر بعد قيام شرطي بقتل سائق سيارة عمومية يبلغ 24 سنة اثناء جدال حول دفع رسوم نقل حاجاته. وقبل ذلك باسبوعين احتج الاطباء في مصر على أن الشرطة قد قامت بضرب زميلين لهم لأنهما رفضا تزوير شهادة طبية. وفي اللحظة الاخيرة امتنع الاطباء عن الاضراب، لكن الاحتجاج لم يختف من عيون الرئيس عبد الفتاح السيسي حيث وعد بالتحقيق في الحادثة. وأمر وزير الداخلية، مجدي عبد الغفار، بأن يقترح خلال اسبوعين توصياته لتعديل القوانين والأوامر من اجل تقييد استخدام الشرطة للقوة.

هذا لا يعني أن السيسي عنده مشكلة في الاستخدام المبالغ فيه للقوة. فمنذ توليه الحكم في تموز 2013 قضى على مئات المعارضين السياسيين ولا سيما الاخوان المسلمين ونشطاء في الحركات الليبرالية العلمانية. لكن السيسي ايضا يفهم الفرق بين «الشرعية» التي يمنحها لنفسه في مكافحة «نشطاء الإرهاب»، وهكذا يتم اعتبار نشطاء الاخوان المسلمين، وبين تجاوز المواطنين أو ضرب الاطباء فقط لأن الشرطة تشعر أنها محصنة أمام الرد.

القيادة المصرية تذكر جيدا أن الاحتجاج الاكبر الذي ولد الثورة بدأ كرد على صلف الشرطة، حيث ضرب رجالها خالد سعيد حتى الموت وهو شاب من الاسكندرية. المتظاهرون الذين اجتمعوا في ميدان التحرير في كانون الثاني 2011 اعتبروا الشرطة عدوا للجمهور وهي تعمل باسم الرئيس حسني مبارك. وفي نفس الوقت ميزوا بين الشرطة المعادية وبين الجيش الذي تحول خلال ايام معدودة إلى «شريك في الثورة»، «الجيش والشعب يد واحدة»، هتف المتظاهرون في حينه ومنحوا المجلس العسكري الاعلى الذي سيطر على الحكم تخويلا غير مسبوق لادارة الدولة.

السيسي عزز شرعيته بناء على هذا التمييز بين الجيش والشرطة. فهو يعرف جيدا أن هذه الشرعية قد تتحطم إذا سمح للشرطة بأن تتصرف بقمعية. ويبدو أن هذا هو سبب قراره اعادة فتح ملف التحقيق في قضية المذبحة في ملعب كرة القدم في شباط 2012 في بور سعيد. وقد قتل هناك 74 شخصا وأصيب أكثر من 500 في الصدامات التي اندلعت اثناء مبارة بين فريق الاهلي وفريق بور سعيد. اغلبية المصابين كانوا من المشجعين الاصوليين للاهلي.

لم يكن ولم يوجد للاهلي شك بأن الحكم العسكري المؤقت برئاسة الجنرال محمد حسين طنطاوي، قد بادر إلى الصدام من اجل الاضرار بهم كانتقام على افعالهم ضد مبارك اثناء المظاهرات في ميدان التحرير، لا سيما من اجل تحييد مركز معارضة يهدد. صحيح أن المحكمة قد فرضت عقوبة الاعدام على 21 من أصل 73 متهما، وفرض عقوبة السجن لفترات طويلة على بعض المتهمين، لكنها قامت بتبرئة 7 من رجال الشرطة الـ 9 الذين اتهموا بافتعال المواجهات، ولم يحاكم أي من رموز النظام.

القرارات والعقوبات لم ترض أي طرف، الامر الذي وجد تعبيره في عدد من الاستئنافات التي قدمت للمحاكم. وقد استمر النقاش حتى نهاية 2015 وما زال بعض المتهمين ينتظرون اعادة محاكمتهم. في بداية شباط من هذا العام وفي يوم الذكرى الرابع لاحداث بور سعيد، تظاهر مشجعو الاهلي ضد الجنرال طنطاوي ووزارة الداخلية والشرطة وطالبوا بمحاكمة المسؤولين ومن ضمنهم الطنطاوي بعد وفاته.

السيسي الذي لا يقبل انتقادات الآخرين، سواء كان ذلك عن طريق الفيس بوك أو الكاريكاتور أو المتهكمين، فهم أن عليه متابعة احتجاج مشجعي كرة القدم بقفازات من حرير.

في مكالمة هاتفية «صدفية» مع برنامج «القاهرة اليوم» الذي تناول بـ «الصدفة» احتجاج المشجعين، طلب السيسي ارسال 10 ممثلين إلى اللجنة التي ستقام من اجل اعادة التحقيق في احداث مباراة كرة القدم. ولم يسارع المشجعون للاستجابة. فهم يريدون معرفة ما الذي ستتمخض عنه اللجنة وما الذي ستحققه ومن الذي يمكنه تقديم شهادته. والاهم من ذلك أنهم لا يثقون بلجنة حكومية يتم تعيينها من الرئيس. وفي نفس الوقت، حديث السيسي العلني أثار احتجاج خصومه الذين يزعمون أنه يمنح الشرعية لمجموعة مشجعين متطرفين ومخلين بالنظام ويهددون النظام العام. وبهذا فهو يسحب البساط من تحت أقدام المحكمة، حيث أنه يقوم بنفسه في التحقيق في القضية.

بعض المنتقدين يتساءلون لماذا تسمح الشرطة لاعضاء الاولتراس بالتظاهر بدون ترخيص متجاهلين القانون الذي يمنع مظاهرات كهذه. وفي المقابل تقوم باعتقال المتظاهرين الآخرين وتستخدم العنف ضدهم. السيسي لا ينوي الاجابة على هذه التساؤلات. فلديه دولة لادارتها، واذا كان الامر يعني عناق الاولتراس فهذا ما سيكون. من يبحث عن ثمار ثورة 2011 يمكنه تعزية نفسه في الوقت الحالي بأن صوت الجمهور المصري أصبح أعلى وله تأثير. ليس في البرلمان ولكن في ملاعب كرة القدم.

هآرتس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى