الأعمال العدائية: هل تتوقف بإغلاق حدود تركيا مع سورية؟ :د. عصام نعمان
خرج رجب طيب أردوغان بنتيجة صفر مكاسب من مغامرته السورية. هو مهدّد الآن بخسائر جمّة في مواجهاته العسكرية مع الأكراد المناهضين لسلطته داخل تركيا ولحلفائه المقاتلين في شمال سورية. لماذا؟
لأنّ الولايات المتحدة وروسيا تعارضان بأن يعوّض الرئيس التركي هزائمه في الداخل والخارج بإدخال جيشه إلى الشمال السوري. إدخال الجيش التركي لدعم حلفائه يؤدّي، بطبيعة الحال، إلى إطالة أمد الحرب الدفاعية التي تشنّها سورية وحلفاؤها ضدّ التنظيمات المعادية في الشمال والجنوب والشرق لاستعادة وحدة البلاد. هل تؤدّي الحرب الجديدة إلى تمكين تركيا من فرض منطقة آمنة من جرابلس إلى أعزاز على حدودها مع سورية؟ هل تساعد الحرب التركية الولايات المتحدة على إنجاز سيناريو إقامة إقليم حكم ذاتي كردي في شمال شرق سورية وآخر سنّي في محافظات العراق الغربية؟
الأفق السياسي والميداني مفتوح على شتّى الاحتمالات. لذلك تبدو كلٌ من واشنطن وموسكو مرتبكتين. ذلك أنّ إدارة أوباما، وإنْ كانت تطالب أنقرة بوقف قصف قرى الشمال السوري، حيث تتواجد «وحدات حماية الشعب الكردي»، إلاّ أنها تريد أيضاً مراعاة تركيا من حيث هي حليف وعضو في حلف «الناتو». أما موسكو فهي، وإنْ كانت تراعي دمشق الحريصة على تحرير جميع أراضيها التي تحتلها التنظيمات الإرهابية، إلاّ أنها حريصة أيضاً على عدم توفير فرصة لتركيا للتدخل في سورية وإطالة أمد الحرب.
ثمة عامل إضافي يزيد من ارتباك واشنطن وموسكو. إنه عجز الأمم المتحدة، بإقرار من بان كي مون نفسه، عن توفير الوسائل اللازمة لمراقبة قرار وقف الأعمال العدائية في حال البدء بتنفيذه.
يزداد الوضع تعقيداً مع إعلان الرئيس بشار الأسد أنّ جيشه وحلفاءه لن يوقفوا القتال ضدّ التنظيمات الإرهابية. هذا يعني أن لا وقف للقتال ضدّ التنظيمات التي تعتبرها واشنطن منتمية إلى «المعارضة المعتدلة»، وبالتالي غير إرهابية. ذلك أنّ الأسد يعتبر أنّ كلّ مَن يحمل السلاح ويقاتل الجيش السوري فهو إرهابي.
ترَدَّدَ أنّ هذا الموقف السوري الصارم أربك موسكو التي بَدَت، بموقف وزير خارجيتها سيرغي لافروف، حريصةً على مراعاة موقف وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري الداعي إلى وقف مبكر للأعمال العدائية. هذا ما يفسّر قيام مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، فيتالي تشوركين، بإيحاء من رئيسه لافروف، بنقد تعليقات كان أدلى بها الرئيس السوري حول إصرار سورية على استعادة كامل أراضيها. فقد أوضح تشوركين «أنّ محاولة استعادة السيطرة على كامل البلاد سيكون تصرّفاً بلا جدوى وسيتيح للصراع أن يستمرّ إلى الأبد»!
غريب ومحرج تصريح تشوركين. لماذا استعادة السيطرة على كامل الأراضي السورية «سيكون بلا جدوى»؟ هل ما حرّره الجيش السوري وحلفاؤه من أراضٍ حتى الآن، بدعمٍ من سلاح الجو الروسي، هو حقاً بلا جدوى؟ وإذا كان ذا جدوى، فلماذا يكون تحرير ما تبقّى من أراضٍ يسيطر عليها الإرهابيون بلا جدوى؟ ثم، لماذا استكمال تحرير سائر الأراضي السورية المحتلة «يتيح للصراع أن يستمرّ إلى الأبد»؟ هل ثمة ترتيبات دولية عليا تقضي بأن تبقى أقسام من سورية تحت سيطرة «داعش» أو «إسرائيل» أو في قبضة قوى انفصالية، سورية وعراقية، لتباشر عليها حكماً ذاتياً؟
برز في تفسير تصريح تشوركين قولان. الأول، إنه لمجرد رفع العتب وإشعار واشنطن بأنّ موسكو جادّة مثلها في مسألة وقف الأعمال العدائية. الثاني، إنه مظهر خلاف مستجدّ في موسكو بين لافروف، الذي ارتأى استعجال التفاهم مع كيري على مسألة وقف الأعمال العدائية، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يجاري الأسد في موقفه الداعي إلى متابعة الحرب على كلّ من يحمل السلاح ضدّ الجيش السوري باعتباره إرهابياً. ترَدّدَ أنّ موقف لافروف الليّن هذا سيكلفه منصبه!
إلى أين من هنا؟
يتحصّل من مجمل ما سبق بيانه أنّ الحرب في سورية مستمرة، بشكل أو بآخر، وأنّ القيادة السورية مصمّمة على اعتبار استعادة وحدة البلاد أولوية ثابتة، وأنه يقتضي استثمار الظروف المستجدّة، ولا سيما بعد الاندحار المتواصل للتنظيمات الإرهابية مؤخراً، والنجاح المرجّح لسورية في إغلاق حدودها مع تركيا وقطع الإمدادات عن تنظيمات الإرهاب وتشديد الضغط، عسكرياً ولوجستياً وسياسياً، عليها وعلى حلفائها الإقليميين بغية ضمان تحرير جميع الأراضي السورية واستعادة وحدة البلاد. ولعلّ القيادة السورية تراهن، في هذا المجال، على تزايد التقارب والتعاون بين إيران وروسيا بدليل تدفق الأسلحة الروسية المتطوّرة S-300 على الجيش الإيراني، الأمر الذي يضمن استمرار دعمهما السياسي والعسكري لسورية في حربها الدفاعية ضدّ الإرهاب.
مع ذلك، تبقى العيون مفتوحة على أنقرة لاستشفاف ما سيفعله أردوغان، وما إذا كان سيرضخ إلى ضغط الولايات المتحدة بوقف الأعمال العدائية في الشمال السوري.
(البناء)