موقع لبنان أم خفايا الصفقات ؟
غالب قنديل
حول تيار المستقبل وقوى 14 آذار وقف الهبة السعودية المعلن رسميا إلى مناسبة للضغط السياسي حول عنوان موقع لبنان الإقليمي ويلعب الحريريون هذه الورقة على حافة الهاوية التي قد تدحرج الحكومة وتبتلعها ليكتمل الشلل الدستوري والتنفيذي في البلاد والذي سبق أن سلمت المملكة السعودية بإمكان تحاشيه من خلال التسوية التي انتجت التشكيلة الحكومية وبيانها الوزاري التسووي تحت الرعاية الأميركية المباشرة.
أولا تثبت الوقائع المتداولة في لبنان وفرنسا على السواء أن الهبة معلقة منذ حوالي السنة بقرار سعودي وقد طرحت تحليلات فرنسية ظهرت في كبريات الصحف فرضيتين في تفسير التأجيل فبينما قال البعض ان غاية الهبة السعودية كانت فرض التمديد للرئيس السابق ميشال سليمان وهو ما لم يحصل وتم إسقاطه كخيار سياسي كليا في حينه فقاد ذلك إلى إلغاء الهبة .
الفرضية الثانية تتعلق بخلافات بين باريس والرياض مع تسلم الأمير محمد بن سلمان لوزارة الدفاع السعودية ورفضه الكلي للتعامل مع صفقات السلاح الفرنسية من خلال جميع الوسطاء الذين اعتمدوا سابقا وكانت الهبة المقررة ضمن محفظتهم بينما ولي ولي العهد لديه تصور مختلف لآليات التعامل في هذه الأمور دون المرور بأولئك الوسطاء أيا كانوا وأيا كانت تغطياتهم السعودية او اللبنانية.
اما المعارض السعودي مجتهد فاقترح تفسيرا ثالثا لتعليق الهبة وهو الضغط على الحكومة اللبنانية بجرها إلى استرضاء المملكة بأي ثمن وحيث تريد الرياض إيجاد مخرج سريع لقضية توقيف أحد أفراد العائلة السعودية الذي أطلقت عليه الصحافة اللبنانية تسمية ” أمير الكبتاغون ” وهو بطل فضيحة من العيار الثقيل تتعلق بسلوك العائلة المالكة وطرق استغلال الحصانات الدبلوماسية في تجارة المخدرات وعمليات نقل أخرى تحيط بها ظلال الشك في تسهيلات للجماعات التكفيرية خلال السنوات الماضية الممتدة منذ معارك نهر البارد عبر نقل أسلحة وأفراد في رحلات جوية عديدة تحمل حصانة السمو الملكي كما تردد في العديد من وسائل الإعلام .
ثانيا في صياغة موقع لبنان ومواقفه يدعو المنطق لتحديد مرجعية مباشرة هي المصلحة اللبنانية العليا ويمكن لأي مبتديء في السياسة ان يراجع نصوص اتفاق الطائف ليجد معيار العروبة التي نص عليها الدستور بالعلاقة المميزة مع سورية وليس بالإذعان للتعليمات والطلبات السعودية والغريب والأشد إثارة ان بعضا من فرسان العروبة السابقين في لبنان لم يحركوا ساكنا طيلة السنوات الماضية في وجه حملات سياسية وإعلامية وتدخلات امنية استهدفت سورية من لبنان مباشرة ولم يفترضوا في حينه ان عروبة لبنان مهددة وهي ما تزال كذلك في ظل التزام الحكومة الحالية للقرار السعودي بحظر التواصل مع الحكومة السورية والقيادات العسكرية والأمنية السورية للتنسيق في قضية النازحين أو لمجابهة التهديد الإرهابي العابر للحدود ولم يقدم أي مسؤول لبنان تبريرا مقنعا للقطيعة مع السلطات السورية.
إن صياغة الموقف اللبناني الرسمي كما جسدها وزير الخارجية جبران باسيل تمثل أقصى درجات الحرص على مضمون التوافق الذي بنيت عليه الحكومة وكما وردت في نص البيان الوزاري وهي تجسيد واقعي وعملي لمصالح الدولة العليا اما المطالبة بالسير خلف التعليمات السعودية والاصطدام بقوة كبرى كإيران كانت لها مبادرات مهمة في دعم لبنان ومساعدته لتحرير أرضه المحتلة والتصدي للعدوان الصهيوني فذلك يخالف المصلحة اللبنانية.
في وجه العربدة التي انفلت فيها الحريريون تدعو العقلانية إلى طرح استعادة العلاقة المباشرة مع الدولة الوطنية السورية وتطوير علاقات التنسيق الثنائية بين بيروت ودمشق في مقابل أي تدبير سياسي او عملي يهدف للحفاظ على العلاقة بالمملكة السعودية وهذا هو التوازن الواقعي في صياغة لبنانية مباشرة تعكس طبيعة المصالح العليا وتحقق مستلزماتها اما إيران فثمة ألف اعتبار يستدعي الحرص على العلاقة معها وهي الدولة التي ينشد العالم كله بدءا بالولايات المتحدة تطوير علاقاته السياسية والاقتصادية معها والحري بلبنان أن يستثمر في الحصاد السياسي والاقتصادي للعلاقة مع دولة يتطلع العالم كله إليها وهو يحظى عندها بمكانة خاصة ولو شاءت المملكة لأمكن لبنان ان يكون وسيطا جيدا في ترطيب الأجواء بين الرياض وطهران .