جسر الشرق المتين
غالب قنديل
منذ عام ألفين سطع نجم الرئيس الدكتور بشار الأسد من خلال خطبه الاستراتيجية المهمة في القمم العربية التي حضرها وهو كان يوجه رسالة للحضور داخل المؤتمرات وأصلا وأساسا للجمهور العربي كاشفا مخاطر المشاريع الاستعمارية الجاري تنفيذها.
أولا منذ ذلك التاريخ أكد الرئيس الأسد ان تلك المشاريع تتمحورعلى أولوية حاسمة هي حماية إسرئيل واستهداف حركات المقاومة التي كسرت هيبة الدولة العبرية الرادعة وانتزعت اعترافها بالتفوق الاستراتيجي الذي حققه المحور السوري الإيراني خلال مايزيد على ربع قرن من الدعم العسكري والسياسي وقد كانت محطة اللقاء بين الرئيس الأسد ووزير خارجية دبليو بوش الجنرال كولن باول غداة احتلال العراق كاشفة لجوهر التناقض الرئيسي الذي يحرك الاستراتيجية السورية ضد المخطط الاستعماري ويستطيع المراقب أو المحلل ان يؤرخ من موعد ذلك اللقاء لانطلاق الحملة الاستعمارية ضد سورية التي اتخذت أشكالا عديدة سياسيا وامنيا وكانت اخطرها خطة الخداع والمراودة السياسية التي نفذتها بإيعاز اميركي ثلاث دول هي تركيا وقطر وفرنسا التي لعبت دورا مركزيا في تلك الخطة كانت غايتها تقديم الغواية المطلوبة لاستدراج سورية إلى تنازلات جوهرية في الصراع العربي الصهيوني وساهمت تركيا في تلك المحاولة بعد التفويص الذي ناله رجب أردوغان من دمشق ليلعب دور الوسيط في مفاوضات غير مباشرة مع الكيان الصهيوني وكانت قطر ووعودها المالية على الخط مع دمشق لإكمال الحلقة المخطط لها اميركيا والتي كسرتها مبدئية الأسد وصلابة موقفه القومي التي تجسد وجدان الشعب العرب السوري وهويته القومية وقد أسقط الأسد تلك الخطة وأفشلها بدهاء نادر.
ثانيا بفضل بصيرته النافذة واصل الأسد العمل على مشروع حلف مشرقي مستقل بالشراكة مع إيران وروسيا والصين وكان واضحا له ان قدرة هذه الدول القوية الثلاث على المجاهرة بالتحالف مع سورية متفاوتة وبعضها يفضل العمل على الشراكات بصمت قبل التصريح عن مشروع بناء كتلة شرقية قادرة على استقطاب المزيد من الدول التي تكافح من اجل شق طرقها نحو الاستقلال والتنمية والتخلص من الهيمنة الاستعمارية .
في هذا السياق كانت جولات الرئيس الرئيس الأسد وحواراته مع قيادات الدول الثلاث انطلاقا من الشريك الاستراتيجي المتمثل بإيران وقد استطاع في سنوات قليلة تفعيل شراكات استراتيجية اقتصادية وعسكرية مع هذا التحالف من غير إغلاق ابواب الحوار مع اللاعبين الآخرين دوليا وإقليميا ويمكن القول إن سورية تحولت بقيادة الأسد وعلى مر هذه السنوات إلى محور التلاقي بين الحلفاء والشركاء الذين اتخذوا مواقف تضامنية معها منذ انطلاق العدوان الاستعماري عام 2011 في حاصل تخطيط تكشفت فصوله لاحقا بالوثائق والوقائع فقد برهنت تقارير فرنسية على مباشرة التخطيط للحرب على سورية في ذروة ما سمي بشهر العسل السوري الفرنسي خلال ولاية ساركوزي الرئاسية كما كشفت وثائق أميركية عديدة ان الإعداد للعدوان على سورية انطلق منذ العام 2000 بعد الهروب الصهيوني من جنوب لبنان وكان مقدرا لحرب تموز ان تستكمل بغزو سورية الذي لوح به باراك أوباما مجددا في العام 2013 .
ثالثا الشراكة السورية الروسية الإيرانية والصينية تندفع بعيدا نحو بناء تكتل مشرقي قابل للنمو والتوسع كمثل كرة الثلج وقد اتفقت هذه الدول على مباشرة التخطيط لمد السكك الحديدة وانابيب النفط والغاز العملاقة من آسيا الوسطى إلى أفغانستان وصولا للعراق وسورية ويمكن لمن يتابع التعرف على ملامح هذا المشروع من رحلات القطار الصيني الذي يسترجع خط الحرير بالتقنيات الحديثة .
تحتل المعركة ضد الإرهاب التكفيري مكانة مركزية في جدول أعمال هذا التكتل الذي تلتقي في رحابه كمية ضخمة من المصالح المشتركة الاقتصادية والأمنية والسياسية ويكفي النظر إلى تحرك السعودية وقطر وتركيا بقيادة اميركية نحو إدماج الكيان الصهيوني في شراكات نقل الغاز والطاقة وهو المخطط الذي يجري إحباطه في سورية والعراق بجهد عسكري مباشر لأن خطوط النقل السعودية القطرية ينبغي ان تجتاز اجزاء من الأراضي السورية والعراقية هي قلب المناطق التي احتلتها داعش وقد ساهمت الرياض والدوحة بتمويل داعش وتسليحها لهذه الغاية .
إن نجاح الرئيس الأسد في إتمام شراكة عسكرية اقتصادية واستراتيجية مع روسيا وكذلك مع إيران شكل نقطة تحول تاريخية في مسار الدفاع عن هوية الشرق واستقلاله وقد تكون بالنتيجة توازن عالمي وإقليمي جديد يصعب الانقلاب عليه وسيكون مسار المعارك السورية ضد الإرهاب مؤشرا زمنيا وجغرافيا على تبلور كتلة شرقية جديدة قابلة للتوسع من مثلث دمشق – طهران – موسكو فسورية الأسد تحولت إلى جسر الشرق المتين الذي ينهض ليشق الطريق امام المعادلات الجديدة.