الحكومة تحمي «شينوك»: لنعد الى المطامر والمحارق هديل فرفور
“خرجت من جلسة مجلس الوزراء لأنني لم أفهم شيئاً”. هذا التصريح الذي أدلى به وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس بعد جلسة مجلس الوزراء، أمس، كان التعبير الأبلغ عمّا دار فيها. استغرق الحديث عن “النفايات” نحو 4 ساعات، بحسب أحد الوزراء، إلا أن أحداً لم يقل شيئاً مفيداً، بل أمعن الجميع في التبرّؤ من أي مسؤولية عمّا آلت اليه الامور وتباروا في العودة الى النقطة الصفر… والحصيلة: عفا الله عمّا مضى. لا فساد ولا تزوير ولا خفّة ولا مصائب تهدّد الناس بحياتهم وصحّتهم، بل صفقة جديدة يجري البحث عنها
تنتهي ظهر اليوم المهلة الاضافية الممنوحة لشركة “شينوك”، كي تقدّم وثائق صحيحة “غير مزوّرة” تؤكّد موافقة الجهات الروسية المختصة على استيراد نفايات بيروت وجبل لبنان. هذه المهلة التي لا تستند الى أي مسوّغ قانوني، لم تكن سوى وسيلة لكسب المزيد من الوقت والسعي الى التملّص من النتائج بطريقة ما، إذ إن جميع المعنيين بصفقة تصدير النفايات، بما فيهم الوزراء، باتوا مقتنعين بأنها طارت، وأن هذا “الخيار المجنون” كانت لديه فرصة واحدة ليتحقق: عبر المافيات، هنا وفي روسيا.
الحديث المتعاظم في روسيا عن فتح تحقيق “جنائي” بوجود تزوير لوثائق رسمية لم يشغل بال أحد هنا، ما عدا حملة “بدنا نحاسب”، التي تقدّمت بإخبار الى النيابة العامة. أمّا في مجلس الوزراء، فالبال كان مشغولاً في كيفية تفادي مصادرة الكفالة المالية بقيمة 2.5 مليون دولار من شركة “شينوك”، على غرار ما حصل مع شركة “هووا” الهولندية بعد ثبوت تورطها في تزوير وثائق موافقة سيراليون. بعض الوزراء أصرّ في جلسة أمس على تطبيق القانون ومصادرة الكفالة فوراً بعد انتهاء المهلة، إلا أن رئيس الحكومة تمام سلام، ومعه وزير الزراعة أكرم شهيب، المكلّف بإدارة صفقة النفايات، شكّلا رأس حربة في الدفاع عن شركة “شينوك” ومنعا أي “تطاول” ينال من نزاهتها؛ فقد كرر سلام حكاياه عن حماسة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لاستيراد النفايات اللبنانية، في اللقاء الذي جمعهما في ميونخ الاحد الماضي، وكرر أيضاً تطمينات السفير الروسي لدى بيروت ألكسندر زاسبيكين الى سلامة الصفقة وحيوية الشركات التي أبرمتها، علماً بأن الاخير نفى، بطريقة “دبلوماسية”، أن يكون للسفارة في بيروت أي دور في هذا الملف، مستخدماً تعابير تميّز بين “الرغبة في المساعدة” و”الاجراءات النظامية”.
من جهته، انهمك شهيب بعرض الاوراق المشكوك في صحّتها على الوزراء، وهي الاوراق نفسها التي رفض إبرازها في الجلسة السابقة بحجّة انتظار الاوراق الاصلية الآتية من روسيا في “الحقيبة الدبلوماسية”. بدا الهدف من عرض هذه الاوراق هو التصدّي لأي اتهام لشركة “شينوك” بالمشاركة في استعمال وثائق مزوّرة وإظهارها بمظهر الضحية، لا الفاعل، تماماً كمجلس الوزراء واللجنة الوزارية التي يرأسها شهيب شخصياً، ومجلس الإنماء والاعمار، الذي أصدر بياناً “وقحاً”، ردّ فيه على “بعض التصريحات الصادرة في 17/2/2016، التي تجاوزت كل الحدود”، إذ هاله اتهامه “بتغطية الفساد والسرقة والفشل”، واستخدام عبارات مثل “بوطة” وغيرها، معتبراً أن “التشهير المجاني بهذه المؤسسة يسيء إلى صورة الدولة اللبنانية وسمعتها”. طبعاً، لا يعتبر مجلس الانماء والاعمار ما يحصل في ملف النفايات منذ تسعينيات القرن الماضي فضيحة تطال إدارته قبل أي جهة أخرى، بما في ذلك استخدامه كممر سهل وميسر للصفقات الكريهة التي لم تُبق شيئاً حسناً في صورة الدولة وسمعتها.
الورقة الأبرز التي عرضها شهيب دفاعاً عن “شينوك” هي رسالة تفيد بأن وزارة البيئة الروسية أخذت علماً بوجود اتفاق بينها وبين شركة روسية، ولكنها لا تنص صراحة على موافقتها على هذا الاتفاق وشروطه.
على أي حال، لم ينشغل الوزراء كثيراً في البحث عن “الحقيقة”، بل أعادوا تكرار مواقف سابقة “عمومية” أدلوا بها طيلة الاشهر الثمانية الماضية، بحسب ما قال أحد الوزراء. المهم أن خلاصة “المباراة” كانت عدم دعوة مجلس الوزراء الى عقد جلسة طارئة كما أشيع، وعدم إحالة الملف برمته الى القضاء لمحاسبة المسؤولين، ولكن تمت دعوة اللجنة الوزارية الى الاجتماع مجدداً السبت، بعد ضمّ وزير من حزب الكتائب (وزير الاقتصاد والتجارة ألان حكيم على الارجح) إليها، ليكتمل عقد التمثيل الحزبي في هذه اللجنة. وبحسب مصادر وزارية، ستتولى اللجنة نفسها، التي فشلت حتى الآن، طرح خيارات “مجنونة” أخرى بعد سقوط خيار التصدير.
تقول المصادر الوزارية إن مداخلات الوزراء تعطي صورة واضحة عمّا سيحصل لاحقاً، إذ بدا أن هناك شبه توافق على إطلاق العمل بإعداد دفتر شروط خلال مهلة شهرين لإجراء “استدراج عروض” من أجل إنشاء “محارق” تحت مسمى “تقنية التفكك الحراري” أو “تحويل النفايات الى طاقة”، على أن يعود البحث الى المطامر مجدداً، في ما يسمى المرحلة الانتقالية. وهنا تكررت الاشارة من قبل أكثر من وزير الى مطمر سرار في عكار وردم البحر بحجة طمر النفايات في الكوستا برافا ومحاولة إقامة مطمر ثالث في منطقة المصنع في البقاع، فضلاً عن إعادة إحياء الافكار المتعلقة بمعالجة مكب برج حمود واستعمال معمل النفايات في صيدا، وصولاً الى إعادة فتح مطمر الناعمة ــ عين درافيل لفترة محدودة، وهو ما اعترض عليه وزراء الحزب التقدمي الاشتراكي، معتبرين أنه خارج البحث حالياً.
رئيس جمعية “الأرض” بول أبي راشد أوضح أن بناء المحارق يستغرق 4 سنوات على الأقل، وسبق أن رفضت بلديات الجية ودير عمار والزهراني أن تبنى محارق فيها. وفي المقابل، يستغرق بناء مراكز الفرز والتسبيخ وإنتاج الوقود البديل 6 أشهر بكلفة 40 مليون دولار لكل لبنان، مقابل مليار ومئتي مليون دولار للمحارق”. لكن مجلس الوزراء لا يريد أن يسمع بأي خيارات “صحيحة”. وبحسب البيان الذي تلاه وزير الاعلام رمزي جريج، بعد جلسة أمس، “تم التوافق على أنه في حال سقوط قرار الترحيل بسبب عدم تقديم المستندات المطلوبة من الشركة خلال المهلة المعطاة لها التي تنتهي يوم غد (اليوم)، لا بد من العودة الى الخيار الذي كان قد سبق لمجلس الوزراء أن أقرّه في 9/9/2015، وهو اعتماد المطامر الصحية كحل بديل، وعلى هذا الأساس دعيت اللجنة الوزارية المكلفة بمتابعة هذا الملف الى الاجتماع قبل ظهر يوم السبت المقبل في 20 من الشهر الجاري لاتخاذ القرارات المناسبة”.
في هذا الوقت، قررت لجنة المال والموازنة النيابية ملء الفراغ عبر دعوة وزارة المال ومجلس الانماء والاعمار “للاستماع اليهما عن كلفة ترحيل النفايات وادعاءات الفساد حول الملف”، فيما أصدر الحزب التقدمي الاشتراكي بياناً استنكر فيه زجّ اسم ممثله في موسكو الدكتور حليم أبو فخر الدين في فضيحة شركة “شينوك”، إذ جرى التداول على نطاق واسع بوجود صلة تربط فخر الدين بالاتصالات الجارية في روسيا لتمرير الصفقة وتوزيع ريوعها.
(الأخبار)