لهذه الاسباب تجاهل نصر الله الرد على الحريري: ابراهيم ناصرالدين
«اذا كان الحريري بدو يشتري مشكل، فلن يجد من يبيعوا اياه»، بهذه العبارة يمكن اختصار عدم «اكتراث» الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله «بالصخب» الفتعل لعودة رئيس الحكومة الاسبق الى بيروت، والتعامل مع خطاب «البيال» وكانه لم يكن ، طبعا لا توجد اي اتصالات وراء الكواليس او في الغرف المغلقة تشي بوجود تهدئة مفترضة تمهد الطريق لتسوية تشمل الملف الرئاسي والحكومي، املت على السيد نصرالله عدم فتح باب السجال الداخلي، انما لا يوجد ما يستأهل الرد وتضييع «بوصلة» خطاب مخصص للقادة الشهداء والصراع مع اسرائيل وتحديد مصير المنطقة، بفتح باب للسجالات لا تقدم ولا تؤخر وانما تزيد من توتر يريده الحريري ولا يرغب به حزب الله.
وبحسب اوساط قيادية بارزة في 8آذار، فان قيادة حزب الله رفعت توصية للامين العام عشية القاء خطابه عرضت فيها الاسباب الموجبة لعدم تضمين خطابه اي اشارة الى كلام الحريري، وهو ما تطابق مع رغبة السيد نصرالله الذي لم يكن في باله ان يدخل في سجال لا طائل منه، خصوصا ان رئيس تيار المستقبل لم يأت بجديد يمكن ان يشكل مادة لفتح ابواب نقاش عقلاني يمكن ان يعول عليه لتنفيس الاحتقان السياسي في البلاد، فكانت «أدارة الظهر» لكلامه امرا بديهيا تحمل في طياتها «رسالة» واضحة المعالم مفادها « ان الحزب ليس في وارد تضييع وقته في قضايا هامشية وغير مجدية، خصوصا ان تيار المستقبل يريد تحويل عودة الحريري الى «حدث تاريخي» لها ما قبلها وما بعدها، بينما لا يرى فيها الحزب سوى جزء من ازمة يتخبط بها رئيس «التيار الازرق» في بيته الداخلي ومع الرعاة الاقليميين، ولن يكون لها اي تاثير عملي على تطور الاحداث الداخلية المرتبطة بملفات اقليمية تتجاوز قدرة الحريري وتياره السياسي.
وبحسب تلك الاوساط، جاء تجاهل السيد نصرالله لكلام الحريري في سياق قرار ثابت لدى حزب الله بعدم نقل الصراع في المنطقة الى الداخل اللبناني، فالحريري الذي ركز في «البيال» على توجيه سهام انتقاداته الى حزب الله وايران ربطا بالصراع الدائر في سوريا، مكلف بمهمة سعودية محددة لمواكبة التهويل السعودي – التركي بالتدخل البري في سوريا، دون ان يتبين حتى الان حدود وماهية هذه المواكبة والادوات العملانية التي ستسخر لمهمة غير واضحة المعالم حتى الان.
لكن الضغط السعودي الذي مورس على الحريري في الساعات القليلة الماضية لاصلاح «ذات البين» مع رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع، اثر «المزاح الثقيل» والتصرف «الصبياني» للحريري خلال خطاب البيال والذي كاد يطيح يكل الجهود التي بذلها السفير السعودي في بيروت علي عواض العسيري لاقناع «الحكيم» بالحضور الى مهرجان 14 شباط، تشير الى وجود رغبة لدى المملكة باعادة توحيد صفوف حلفائها على الساحة اللبنانية لمواكبة التطورات على الساحة السورية، وركن الخلافات حول الترشيحات الرئاسية على «الرف».
وفي هذا السياق، لا يبدو حزب الله قلقا ازاء ما يمكن ان تضمره السعودية تجاهه على الساحة اللبنانية، فهو يعرف مسبقا محدودية قدرة حلفائها على احداث تغييرات دراماتيكية تقلب «موازين القوى»، ولذلك لا يبدو مهتما بفتح صراعات جانبية غير مجدية، ولهذا جاء التأكيد بالامس على لسان السيد ان الصراع الحقيقي يدور في المنطقة مع قوى اقليمية ودولية، وحزب الله يخوض معركة كبرى وقاسية في مواجهة دول فاعلة ومؤثرة في معركة ستغير «وجه» الشرق الاوسط، وهي مواجهة لا مكان فيها لتيار المستقبل الذي اوكلت له مهمة «الصراخ» واثارة الضجيج وهو دور «صغير» يتناسب مع حجمه الحقيقي «الهامشي» في معركة تدور بين «الكبار».
وفي هذا السياق، تلفت تلك الاوساط الى ان الحريري يملك في جيبه فقط «ورقة» تعطيل الانتخابات الرئاسية، ولا يملك في المقابل اي «اوراق» ضاغطة في مواجهة حزب الله، وهو الان يعود الى معادلته الاستراتيجية في الرهان على متغيرات اقليمية ودولية تفيده في تحسين شروط عودته الى رئاسة الحكومة، بعد ان انحسرت الموقعة الرئاسية بين حليفي سوريا وحزب الله رئيس تيار المردة سليمان فرنجية والجنرال ميشال عون، واذا كان غير معني بتقديم شروحات لجمهوره ولفريقه السياسي حول الاسباب الحقيقية التي دفعته الى « تناسي كافة شعاراته المعادية للرئيس بشار الاسد وترشيح صديقه الشخصي الذي يعتبر احد جنرالات «الخط» المقاوم، وهو يخوض معركته الرئاسية وكأنه واحد من «َضباط» فريق 14 آذار، واذا كان غير معني ايضا بتقديم توضيحات حول اسباب عودته «الطويلة» هذه المرة الى بيروت بعد خمس سنوات من «الاغتراب» الارادي، فانه في المرحلة المقبلة لن يجد نفسه محرجا بالتسويق لانتخاب الجنرال ميشال عون، حين تحصل التسوية الايرانية – السعودية، وهذا ما يفسر ايضا عدم رغبة حزب الله بالدخول في سجالات غير مجدية هدفها تقطيع الوقت.
وبحسب تلك الاوساط، اذا كان لدى الحريري اي جديد جدي يستأهل النقاش، فمكانه الحوار الثنائي المستمر مع حزب الله، وحتى الان لم يقدم اي جديد، خصوصا ان حالة «التخبط» والضياع وعدم التوازن ما تزال تحكم تصرفات وتصريحات رئيس الحكومة الاسبق، فحتى الان لم يفهم احد لماذا تعمد «تمرير» عبر مكتبه الإعلامي، عبارة قال فيها: انه يجب ألا نقول إن الحزب لا يريد رئيساً للجمهورية، بل إنه «يستمهل»، وذلك بعد ساعات من قوله في «البيال» ان حزب الله لا يريد انتخاب رئيس للجمهورية، ويريد الفراغ ، فاي كلام يمثل حقيقة ما يريد الحريري قوله، وما هي «الرسالة» والقصد من وراء ذلك، هل هي تمهيد لانعطافة سياسية وتمهيد للتسوية؟ ام مجرد «حرتقات» «ولعب» على كلمات لن «تسمن او تغني عن جوع»؟
في الانتظار، حزب الله يراكم المكاسب الداخلية والاقليمية، يحتفظ في جيبه «بورقتين» رئاسيتين رابحتين، وهو غير مستعجل على التفريط باي منهما في الوقت الراهن طالما ان الاستحقاق الرئاسي ليس على «الابواب»، شروط عودة الحريري الى رئاسة الحكومة «ورقة» مهمة يقرر فيها الحزب ايضا، توتير الاوضاع الامنية على الساحة الداخلية لن تصب باي حال من الاحوال في صالح تيار المستقبل، اذا ما قررت السعودية «العبث» بالاستقرار اللبناني، التطورات الميدانية السورية تشير إلى انهيار الاستراتيجية السعودية- التركية، الاسابيع المقبلة ستشهد تحولات دراماتيكية في المواجهة هناك، يبقى السؤال حول كيفية انعكاس هذه التطورات محلياً؟ لا احد يعرف على وجه التحديد، لكن ما هو ثابت ان حزبا بات يملك «قنبلة» نووية في المواجهة مع اسرائيل، وحزب اجهض مشروعا تكفيريا اراد اعادة المنطقة الى عصر الجاهلية، وحزب ساهم في قلب معادلة الصراع على سوريا، واجهض احلاما اقليمية ودولية باستعمار المنطقة، ليس بوارد الدخول في مواجهة مع فريق سياسي محلي متواضع تتزعمه قيادات «هشة» لا تملك قرارها وتراهن على «سراب» اقليمي لن يتحول الى حقيقة.
(الديار)