بقلم ناصر قنديل

السيّد: سنفوز بحرب سورية وحرب المنطقة والردع لـ«إسرائيل» ممتدّ ومستدام و«منها وفيها»

nasser

ناصر قنديل

– ربما يطيب للبعض تناول ما قاله السيد حسن نصرالله في خطاب تكريم القادة الشهداء بخفة واستخفاف، وربما بـ«ولدنة»، من هؤلاء بعض خصوم حزب الله بالحسابات المحلية اللبنانية الصغيرة، أو الذين يتموضعون على خط الاشتباك المفتوح مع كلّ ما يقول بحساب آخر «شهرهم» مع مصدر التمويل الذي قرّر أنّ حزب الله مصدر الخطر، أو الذين يعون ويدركون المكانة التي يحتلها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في مهابته ومكانته وما يقول ويحسب بكلّ بعناية ودراية في منظومة الردع بوجه «إسرائيل»، ويرون في النيل من صدقية وجدية ما يقول جزءاً من حرب مفتوحة على القلوب والعقول لتعقيمها ضدّ تأثيرات إطلالاته التي صارت مصدر أرق وقلق للكثيرين من الواقفين على جبهة العداء.

– يمكن القول بموضوعية إنّ الخطاب في مناسبة القادة الشهداء يرقى إلى مستوى التقرير الاستراتيجي، وخطاب في حال الأمة، أو كشف حساب عام عن خطوط وخطوات المواجهة والحروب التي يشكل حزب الله جزءاً عضوياً منها، ويشكل في الكثير منها قيمتها المضافة، فقد صاغ السيد بعناية مجموعة من الاستنتاجات والخلاصات الاستراتيجية في مشهد توزع القوى وأدوارها وتوازناتها، ورسم بناء عليها خارطة التوقعات والسياسات والمواقف أولها أن «إسرائيل» ليست في دائرة الرهان على إدارة صراع بين أشقاء يستنزف بعضهم قدرات بعض كما قد يروق للبعض وصف حروب المنطقة، فثمة حلف تتموضع خلفه إسرائيل علناً وبقوة، وقد حسمت أمرها بيقين، أنها في قلب حرب مصيرية ضمن رؤيتها لحجم المصالح والعداوات المشتركة التي تجمعها معه. وهو الحلف الذي تقوده تركيا والسعودية، وثانياً أن تنظيم القاعدة بمتفرعاته وأجنحته بما فيها النصرة وداعش، ليس مجرد جهادية عمياء، ذات لون مذهبي، تريد إسرائيل استخدام حيويته وإغرائه بحروب عبثية لتستنزفه وتستنزف به وعبره جهادية مقاومة، بل هو حليف واعٍ ومدرك موقعه ومكانته في الحرب كإدراك إسرائيل ووعيها لهذا الموقع وتلك المكانة بصفتهما حليفين يأمن أحدهما جانب الآخر. وثاني الاستنتاجات أن أميركا التي تقف وراء ستارة إدارة كل هذا الجمع من التحالفات باتت تدرك المصاعب والمتاعب التي يواجهها مشروعها ويمر بها حلفاؤها، ولذلك فهي ترتبك وتعيش حالة من اللاتوازن، لأن انتصارات حلف المقاومة التي لم تترجم ذاتها كنصر شامل بعد، نجحت حتى الآن بإفشال المشروع الأميركي بنسخاته المتعددة والمتجددة، وضيّقت عليه هوامش الخيارات والبدائل.

– تصل قراءة السيد للمسار الديناميكي للأحداث وتطور المواجهات على ساحة المنطقة انطلاقاً من المكانة المحورية والمركزية والحاسمة للحرب في سورية وعليها، إلى مفترق صار فيه الأمر بين خيارين، إما تورط الأتراك والسعوديين ومن خلفهما الأميركي و«الإسرائيلي» بالتنسيق مع القاعدة أو بدونه، باقتطاع الجغرافيا الموجودة بيد داعش ورفع العلم التركي السعودي عليها أو يافطة فصائل معارضة تتبعهما، أو التخلي عن هذا الحلم أو الوهم والتسليم بأن المشروع العثماني بنسخته العصرية قد فقد آخر الأوراق، والمشروع الوهابي السعودي بإعادة تكوين سورية طائفياً قد انهار، والمشروع «الإسرائيلي» بتقسيم سورية قد سقط نهائياً. وفي هذه الحالة قال السيد سنفوز بحرب سورية، مطمئنا لمسار القضاء على داعش وإمساك الدولة السورية بناصية العملية السياسية وتحقيق وحدتها والفوز بالحرب على الإرهاب. والخيار الثاني وفقاً للسيد، هو أن يتورط التركي والسعودي في الجغرافيا السورية التي تسيطر عليها وحدات داعش بالتنسيق معها أو بدون تنسيق، ودائماً يكون الأميركي و«الإسرائيلي» جاهزين في الخلف، ترجمة لأولوية التحدي الذي يشكله حلف المقاومة والتموضع في حلف إقليمي مناوئ يضم تركيا والسعودية علناً وفي هذه الحالة قال السيد سنفوز بحرب المنطقة، واثقاً من أن مثل هذا التورط سيعني غرقاً تركياً وسعودياً في حرب ستنتهي بتغيير مستقبل الأنظمة الحاكمة في البلدين المركزيين والمحوريين في السياسات الأميركية والرهانات «الإسرائيلية»، وتلك هي الولادة المعاكسة لشرق أوسط جديد مغاير كلياً للأحلام الأميركية والأوهام «الإسرائيلية»، وما قد يحول دون السير في هذا الخيار هو السعي لتجنب هذه النتيجة المأساوية على أصحابه ليس إلا.

– دائماً تحضر «إسرائيل» والمواجهة معها في قراءة صيرورة المواجهات، والتوازنات، ومعادلة السيد هي أن «إسرائيل» لن تخرج للحرب على المقاومة مجدداً هذه المرة، إلا إذا ضمنت نصراً حاسماً وسريعاً، بعدما انتقلت من حرب السحق إلى التطويق والتقييد والشيطنة والتشويه، بأدوات محلية وإقليمية ودولية، والمقاومة هنا وفقاً لسيدها واثقة من قدرتها على الفوز في حرب الاستنزاف التي تُخاض ضدها معنوياً وأمنياً وديبلوماسياً ومالياً وإعلامياً بقوة صدقها ومصداقيتها ونقائها، وواثقة من قدرتها على منع العدو من فرصة التفكير بامتلاك لحظة يكون فيها النصر الحاسم والسريع ممكناً ولو على الورق، وما لديها من مقدرات دفاعية وهجومية في كل مجال سيتكفل بضمان أن تبقى «إسرائيل» واثقة من عجزها، وتوازن الردع ممتدّ ومستدام في ظل حروب المنطقة وعبرها، ويتغيّر لمصلحة المقاومة في المناخات والمقدرات والجهوزية والخطط والمعنويات في آن واحد، خصوصاً أن لدى «إسرائيل» من القنابل النووية المجهّزة لتلقي صواريخ المقاومة، من مستودعات الأمونيا في حيفا ومصانعها الكيميائية، إلى مستودعات الغاز ومفاعل ديمونا، ومخازن الوقود في معامل الكهرباء والمرافئ وخارجها، ما يجعل سلاح الردع الفعّال لـ«إسرائيل» منها وفيها، طالما أن المقاومة تمتلك من الصواريخ ما تضمن وصوله إلى هذه الأهداف بدقة وإصابتها.

– أدّى السيد أمانته، وقدّم تقريره الاستراتيجي وألقى خطابه في حال الأمة، وقدم للقادة الشهداء كشف حساب معارك العام، لكن كما العادة سيقرأ الإسرائيليون، ويتمعّنون، ويتوقفون أمام كل حرف وفاصلة، لكن الكثير ممن يحملون ألقاب المفكرين والباحثين سيجدون الخفة والاستخفاف سبيلهم للتعامل مع حجم العمق الذي ثقل به الخطاب.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى