الانتفاضة الخفية عن العين: عاموس هرئيل
الحادثة الدموية في شارع رقم واحد حظيت أول أمس بشكل طبيعي، باهتمام وسائل الإعلام. بالمقارنة يبدو أن سلسلة الاحداث اليومية على جبهة الإرهاب قد تعودنا عليها. فقط حادثة خطيرة بشكل خاص تبرر الآن البث الحي في محطات التلفاز أو عنوان رئيس على الصفحة الاولى في صحيفة الغد. النزيف اليومي مستمر. الحوادث التي يحاول فيها الفلسطيني طعن إسرائيلي، على الاغلب يكون رجل أمن، وبعدها تطلق عليه النار ويقتل، تحولت إلى روتين ولا تثير الاهتمام تقريبا. المطحنة الاخبارية تخرج هذه الاخبار لساعات محدودة. وفي اليوم التالي لا يبقى لها أي ذكر.
مع ذلك، كان هذا يوم استثنائي. خلال 12 ساعة سجلت 8 احداث في شرقي القدس وفي الضفة الغربية. ملخصها: ثلاث محاولات طعن، ثلاث عمليات اطلاق نار وعمليتين بعبوات. لا توجد اصابات في الطرف الإسرائيلي. خمسة فلسطينيين قتلوا وفلسطينية أصيبت اصابة بالغة. جميع منفذي العمليات أصيبوا بنار الجنود والشرطة. إنها انتفاضة بكل معنى الكلمة رغم أن السلطات ما زالت مصممة على عدم تسميتها باسمها.
الاغلبية المطلقة لهذه العمليات ما زالت غير منظمة ضمن شبكة إرهابية معروفة. ولكن في عدد من الحوادث فان المسألة تعتبر من قبل خلايا محلية، شبان من نفس القرية أو الحي، قرروا تنفيذ عملية معا، على ما يبدو انطلاقا من فرضية أن ذلك سيسبب اضرار أكثر. في عملية اطلاق النار التي قتلت فيها المجندة هدار كوهين بالقرب من باب العمود قبل اسبوعين، عمل ثلاثة شباب من قرية قباطية مسلحين بالبنادق والسكاكين. أول أمس، في نفس المكان، فتحت النار من مخربين من سلاح من صنع محلي. ايضا استخدام العبوات الناسفة هو جديد نسبيا في المواجهة الحالية. من تجربة الماضي، عمليات العبوات تكون دائما تابعة لخلية وليس مخرب وحيد.
يشير الجيش إلى بداية العنف بحادثة مقتل الزوجين هنكين بالقرب من نابلس في الاول من تشرين الاول العام الماضي. ومنذئذ مرت اربعة اشهر ونصف. وهذه فترة مماثلة تقريبا في مدتها للمرحلة الاولى من الانتفاضة الثانية، بدءً من ذهاب اريئيل شارون إلى الحرم في نهاية ايلول 2000 وحتى فوزه على اهود باراك في الانتخابات في شباط 2001. وفي الجولة الحالية قتل حتى الآن 31 إسرائيليا و174 فلسطينيا (ثلثا القتلى من الفلسطينيين هم منفذو العمليات الذين أطلقت عليهم النار اثناء هجومهم). وفي الفترة الموازية في الانتفاضة الثانية قتل 58 إسرائيليا وحوالي 320 فلسطينيا. وهي الضعف في الطرفين.
هناك بالطبع اختلافات: هذه المرة لا توجد مظاهرات كبيرة في الضفة وقطاع غزة هاديء نسبيا والسلطة الفلسطينية، رغم تورط اربعة من رجال الامن في تنفيذ العمليات، ما زالت خارج الصورة العنيفة. مع ذلك لا يجب الاستخفاف من قوة الاحداث الآن وتأثيرها: الحاق الضرر بالشعور بالامن الشخصي عند الإسرائيليين في الضفة الغربية. وبقدر أقل داخل الخط الاخضر وضعضعة العلاقات بين اليهود والعرب داخل إسرائيل (في الاونة الاخيرة حدثت عمليتي طعن في الرملة ورهط) وازدياد في التوجهات المكارثية في اليمين الإسرائيلي والبلبلة التي تسيطر على اليسار.
في 2003، حينما بدأت إسرائيل في بلورة رد عملياتي على إرهاب الانتحاريين الفلسطينيين (صحيح أن ذلك جاء بعد قتل مئات الإسرائيليين)، اعترف رئيس الشباك في حينه آفي ديختر أن الاجهزة الأمنية ومنها الشباك «لم تنجح في توفير السترة الواقية التي يحتاجها شعب إسرائيل». اليوم، في مواجهة تهديد أقل بكثير، يبدو أن الاجهزة الأمنية ما زالت تبحث عن الحل. وقد اعترف رئيس الاركان غادي آيزنكوت في الشهر الماضي أنه لم تكن هناك تحذيرات استخبارية لـ 101 عملية طعن ودهس. ومنذ ذلك الحين زاد العدد ولم يحدث أي تغيير ايجابي. والجهود ما زالت متواصلة من اجل تطوير طريقة تسمح بمتابعة الشبكات الاجتماعية الفلسطينية بشكل افضل وتؤدي إلى اشعال ضوء احمر في حال وجود كتابات تبرهن على نية تنفيذ عملية على المدى القريب. الاعتراف بالفجوات والاخفاقات من ديختر حتى آيزنكوت بقيت ضمن المستوى المهني. ولم نسمع أي شيء عن هذا الامر بعد من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو باستثناء التصريحات المتشددة حول حصانة إسرائيل وتوجيه إصبع الاتهام للسلطة الفلسطينية. لقد زار نتنياهو في الاسبوع الماضي الحدود مع الاردن ووعد بالاستمرار في احاطة إسرائيل بالجدران من اجل منع «الحيوانات المفترسة» من الخارج، على حد تعبيره. وفي مواجهة إرهاب السكاكين داخل الجدران يجد صعوبة في تقديم الحلول.
السلوك العسكري اثناء المواجهة بقي مكبوحا إلى حد ما. وعلى عكس الوضع في بداية الانتفاضة الثانية، فان الجيش يقلل من استخدام النار في الضفة، وعدد القتلى الفلسطينيين في المظاهرات العنيفة هناك قليل نسبيا. بشكل عام، أوامر اطلاق النار بقيت كما هي رغم تشجيع عدد من الوزراء واعضاء الكنيست ورجال الامن بأن يطلقوا أولا، وبعد ذلك طرح الاسئلة. هناك حالات واضحة كان فيها الرد من قبل الشرطة والجنود اثناء العمليات مبالغ فيه، لكن لا يمكن اعتبار ذلك بتأثير المسؤولين. بل على العكس، يبدو أن الكبح النسبي هو الذي يمنع تدهور آخر للوضع في الضفة.
يمكن أنه لو كان الجيش قتل المزيد من الفلسطينيين وقيد دخول العمال من الضفة للعمل في إسرائيل، فان نسبة المشاركين في المواجهات كانت سترتفع بشكل كبير. اجراءات كهذه، كما يعتقد قادة الجيش والشباك، من شأنها ايضا أن تدفع اجهزة الامن التابعة للسلطة ومسلحو التنظيم إلى جبهة العنف. في حالة كهذه سيتطور بسرعة شلال دماء على شاكلة الانتفاضة الثانية. ايضا استمرار الهدوء في قطاع غزة ليس مضمونا على ضوء تقدم مشروع انفاق حماس. وفي الخلفية بقي السؤال حول إرث محمود عباس كرئيس فلسطيني. كلما ازداد الصراع بين من سيخلفه كلما ازدادت صعوبة التأييد العلني لاستمرار التنسيق الامني مع إسرائيل، رغم أن التنسيق فعليا ما زال قائما في الميدان.
نظرا لقوة الإرهاب، فان وزير الدفاع موشيه يعلون ورؤساء الاجهزة الأمنية يظهرون الشجاعة من خلال المبادرة إلى اضافة 30 ألف تصريح عمل للفلسطينيين في إسرائيل ورفضهم القيام بعقوبات جماعية واسعة في المناطق. لكن على ضوء الغياب المطلق للعملية السياسية والعدد الذي لا يحصى من الشباب الفلسطينيين المستعدين لقتل الإسرائيليين وتعريض حياتهم للموت، فان كل ذلك لا يتجاوز تضميد الجرح. إن استمرار العمليات ـ لا يبدو حتى الآن أن هناك شيء سيوقفها ـ سيؤدي في نهاية المطاف إلى الضغط الجماهيري على حكومة نتنياهو لاتخاذ خطوات أقسى ضد الإرهاب. في هذه الظروف، استمرار الصراع وتصاعده يبدو توقعا معقولا.
هآرتس