صخب ما بعد ميونخ …الى اين سيقود؟ امين محمد حطيط
أدت الإنجازات العسكرية التي حققها الجيش العربي السوري و حلفاؤه ، الى ادخال معسكر العدوان على سورية في حالة من الاضطراب و الارتباك الشديد و التخبط تشبه الحالة الهستيرية وانعدام التوزان فراحت مكونات هذا المعسكر تطلق المواقف و التهديدات لفرض وقف اطلاق النار ،و الزام الجيش السوري مع الحلفاء بالتوقف في الميدان والامتناع عن دفع الجماعات الإرهابية الى الانهيار المعنوي الادراكي الذي يترجم خسارات متتالية و سقوط في اكثر من موقع و مدينة و بلدة من الجنوب الى الشمال و الاتجاه الى اغلاق الحدود مع الأردن و تركيا .
يرى المعسكر المعادي ان وقف إطلاق النار بات ضرورة له من اجل كسب الوقت لاحتواء الخسارة وترميم البنيان، وإعادة التنظيم والتجهيز بما يمكنهم من الجلوس الى طاولة المباحثات او التفاوض في جنيف وهم يشعرون بقوة ما او على الاقل لا يكون أحدهم محكوما بعقدة الدونية والضعف الذي يلزمهم بالتراجع عن السقف العالي او الطموح الذي منوا النفس به لجهة الاستئثار بالقرار بالسوري اوعلى الأقل المشاركة الراجحة بممارسة هذا القرار.
من اجل ذلك كان تركيز اميركا في مونيخ على انتزاع الموافقة على “وقف اطلاق النار ” و تجميد أي عمل عسكري يغير شيئا في الميدان لصالح الحكومة لسورية ، لكن القيادة السورية وبالتفاهم والمواقف المتطابقة مع الحلفاء ، ادركت الفخ الذي تنصبه اميركا، فكان رفض للمحاولة الأميركية مع ترحيب بكل ما من شانه ان يخفف عن السوريين المعاناة التي تسبب بها الإرهاب الذي يرعاه معسكر العدوان ،من اجل ذلك كان تمسك بأمور لا نقاش او مساومة عليها وهي فصل الإرهاب عن المعارضة الحقيقية ، والتأكيد على متابعة الحرب على الارهاب دون هوادة و دون اذن او ترخيص من احد ، وعدم الخضوع في تصنيف الجماعات الإرهابية لمعايير معسكر العدوان و رغباته ،مع الترحيب بكل ما من شانه امداد السوريين في أي منطقة و بقعة محاصرة ، بكل ما يمكن من مساعدات ذات طبيعة إنسانية .
لقد شكلت النتائج التي تمخضت عنها ميونخ خيبة لأميركا ونكسة للسياسة التي تنتهجها هي وحلفاؤها ضد سورية، فرفض طلبهم بوقف إطلاق النار، وأبدل بوقف العمليات العدائية دون ان يشمل ذلك الجماعات الإرهابية، وهنا من المفيد التركيز على التمايز الشديد بين المفهومين:
فوقف إطلاق النار يعني وفقا للقواعد المعتمدة في قانون الحرب، يعني جمود القوى المتصارعة التي تكون عادة جيوش دول جمودها في مواقعها، والامتناع عن أي عمل عسكري يغير تلك المواقع، ما يستوجب رسم خطوط وقف إطلاق النار وتعيين هيئة محايدة ذات صلاحية للمراقبة وإعادة القوى الى مواقعها ان انتهكت وقف إطلاق النار، ولذا لا يكون لمن يعتدى عليه الحق بالرد بالمثل الا إذا تعرض لخطر مباشر وخارج ذلك يكون له فقط ان يرفع شكوى لهيئة المراقبة.
اما وقف الاعمال العدائية، فهي حالة مؤقتة قد تسبق حالة وقف إطلاق النار التي تكون أكثر استقرارا عادة ووقف الاعمال العدائية تعني الامتناع عن الاعمال التي تنال من سلامة الاخر ومواقعه، فان أخل أحد الأطراف بذلك يكون لمن اعتدي عليه الحق بالرد المباشر لوقف العدوان واسكات ناره مستعملا الوسائل التي يختارها ويقدر نجاعتها، دون ان يستلزم الامر رسم خطوط وهيئات مراقبة او اعتراف بواقع يستفيد منه الأطراف بالشكل القانوني.
وانطلاقا من هذه المفاهيم كان من غير الممكن ان تقبل سورية وتحت أي ضغط او أي ظرف وقف إطلاق النار وان تعترف لأي كان بحق في الوجود المسلح خلف خطوط وقف إطلاق النار ترسم في داخل البلاد قد تتحول في ظرف معين الى خطوط تقسيم، كما انها لا تقبل مطلقا بان تتراجع عن تحرير أي منطقة واستنقاذها من يد إرهابيين بمفهومها وتصنيفها حتى ولو انكرت بعض مكونات العدوان هذا التصنيف.
و لان هذا هو الواقع و هذه هي النتائج المترتبة فقد اشاعت اميركا ان هناك اتفاق على “وقف اطلاق النار” في حين كان الاتفاق في ميونخ على وقف الاعمال العدائية ، و كان الأكثر فضائحيا قول جون كيري الذي ادعى في مؤتمره الصحفية في رد على سؤال، ان لا فارق بين الامرين وان وقف العمال العدائية برايه يعني وقف اطلاق النار ، و هو امر تدرك اميركا في العمق عدم صحته و يكفي ان نذكرها بانها رفضت و لا زالت ترفض نقل الواقع في جنوب لبنان من ” وقف الاعمال العدائية ” الذي نص عليه القرار 1701 بضغط اسرائيلي، الى “وقف اطلاق النار” و العودة الى قواعد الهدنة كما يطالب لبنان .
ان اميركا وبعد ميونخ مباشرة، وعلى عادتها، راحت تتصرف وكان الاتفاق هو اتفاق “وقف إطلاق النار”، وانه يشمل كل الأرض السورية علما بان استثناء داعش والنصرة ومنظمات إرهابية أخرى، يعني عمليا استمرار المواجهات العسكرية على جبهات تعادل في مساحتها نسبة 85 % على الأقل من المساحة التي لا يسيطر عليها الجيش العربي السوري أي عمليا لن يكون للتطبيق الصادق للاتفاق إثر فعلي ملموس على الأرض هذا إذا طبق.
لقد وجد معسكر العدوان على سورية ان الريح تعاكس اشرعته ، ففي الميدان انهيار ، و في السياسة اخفاق لذلك كان الرد المباشر بعد ميونخ صاخبا و هستيريا ،تجلى في الإعلان عن خطة للتدخل العسكري المباشر في سورية من قبل قوات سعودية و تركية ، ثم اقدام السعودية على نشر اربع طائرات حربية لها في قاعدة أنجرليك التركية ذات السمة الأميركية ، و بعدها كان القصف التركي لمواقع حول اعزاز مترافقا مع انذار تركي للاكراد السوريين بأخلاء مواقعهم تلك و الابتعاد عن الحدو التركية ،ثم طورت تركيا عدوانها بقصف محيط مواقع الجيش العربي السوري في ريف اللاذقية ب5 قذائف مدفعية ، فيما يشبه رسائل تحذير او مواقف انذار تمهيدي بان التدخل العسكري المعلن عنه انما هو جدي وقيد الاطلاق الفعلي . فهل تنزلق المنطقة الى مواجهة حقيقة؟
قبل الإجابة لا بد من التذكير بان الحلف الأطلسي عامة وفرنسا وبريطانيا والمانيا خاصة، أعلنت صراحة انها لن ترسل قوات برية الى سورية، كما ان اميركا اضمرت ذلك وأعلنت ان تركيا والسعودية قد ترسلان قوات خاصة للمساعدة في محاربة داعش وتحرير الرقة السورية منها. ومن جهة أخرى كان الموقف السوري الحازم بان أي دخول لقوات اجنبية دون موافقة الحكومة السورية سيتعامل معه على انه عدوان، اما روسيا وإيران فلم تكونا في مواقفهما اقل حزما ورفضا لأي عدوان على سورية لابل ان روسيا ذهبت الى التحذير بان الامر قد يقود الى حرب عالمية.
على ضوء كل ما تقدم نسأل اين نحن الان وما هو المرتقب ثم ماذا يريد معسكر العدوان بالضبط؟ على هذه الأسئلة نستطيع الرد بما يلي:
1) ان معسكر العدوان بشكل عام بدأ يستشعر الخسارة الاستراتيجية الكبرى، و يرى الوقت يمر بسرعة بما يحرمه فرصة المبادرة لتعويض الخسائر لذلك يريد تجميد الانهيار.
2) ان الحل المثالي الذي يسعى اليه معسكر العدوان يكمن اليوم بوقف إطلاق النار او بما يشهيه ويؤدي الى تجميد الميدان بشكل عام وشامل ثم إطلاق عملية سياسية تراعي الواقع القائم اليوم لان فيه إمكانية انتزاع مكاسب لصالح عملاء معسكر العدوان.
3) يسعى بعض مكونات معسكر العدوان خاصة السعودية و تركيا لامتلاك أوراق ميدانية تتيح لهما الاحتفاظ بمقاعد مؤثرة في الحل القادم ، و يبدو ان هناك تسليم سعودي بعدم القدرة على حماية عملائها في الغوطة الشرقية ان لم يتم تجميد المعارك ،لذلك تسعى بطريقة ما قد تكون بدعم أميركي للوصول الى الرقة و استلامها من داعش ، اما تركيا فهي تريد بعد فشلها في تنفيذ خططها في سورية خاصة الأخيرة المتعلقة بالمنطقة الامنة ان تنشئ منطقة نفوذ واقعي بدلا منها تكون بمثابة الحزام الأمني على الطريقة الإسرائيلية تمتد من جرابلس الى شمالي عفرين مع محاولة منع الجيش السوري من تحرير حلب و منع الاكراد من الانتشار على حدودها .
و في المقابل نجد سورية وحلفاءها ماضون في الميدان وفقا لحقيقة ما اتفق عليه في ميونخ ، ووفقا للمعايير التي ذكرنا أعلاه ،دون ان تؤدي عمليات التهويل و التهديد الى ثني سورية عن قرارها باستعادة السيطرة على كامل الأرض السورية مهما كان الوقت و التضحيات، و من جهة أخرى فأننا لا زلنا ننظر الى كل الصخب الذي يصدر عن تركيا والسعودية انما هو صراخ غير قابل للتنفيذ العملي ، فالسعودية بتهديدها تثير السخرية و هزء العارفين بعجزها ، وتركيا تعلم ان أي خطأ ترتكبه سيكون هدية كبرى تقدمها الى من ينتظرها عند المنعطف ، اما اميركا فتعلم ان زمن التهديد والانذارات في حقبة احادية القطبية ولى واذا كانت سورية لم تذعن لها في ذاك الزمن فهل تنتظر غير ذلك في زمن التحول والمتغيرات الدولية لصالحها ؟