مقالات مختارة

هل هزيمة «داعش» تُنهي مطالبة السعودية بإزاحة الأسد؟ د. عصام نعمان

 

بدا لبضعة أيام أنّ أطراف الصراع في سوراقيا سورية والعراق يتّجهون إلى حافة صدام أكبر بكثير مما هو حاصل على الأرض. من شأن الصدام الأكبر زجّ دول كبرى في حمأة القتال. الراغبون في تأجيج الصراع وتوسيع رقعته هم السعودية وتركيا وأطراف إقليمية أخرى تسعى إلى الغرض نفسه، شريطة مشاركة الولايات المتحدة بقوات برية وازنة. ذلك كله حمل رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف على التحذير من نشوب حرب عالمية.

موقف واشنطن ظلَّ ملتبساً إلى أن انعقد مؤتمر وزراء دفاع الحلف الأطلسي الناتو في بروكسل. في ختامه قطع وزير الدفاع الأميركي اشتون كارتر الشك باليقين. قال: «إنّ إرسال قوات كبيرة للتدخل ليس أبداً نهجنا الاستراتيجي». اتضح أنّ ما تريده واشنطن هو توفير تسهيلات تدريب عسكري وتقني لـِ«بناء قدرات محلية»، إضافةً إلى «تأمين المناطق» المحرّرة من «داعش».

ما هي المناطق المحرّرة من «داعش»؟ وكيف سيجري «تأمينها»؟

لا أجوبة مباشرة من كارتر. ثمّة أجوبة غير مباشرة بصيغة قرارت صدرت عن مؤتمر ميونيخ، أهمّها وقف العمليات العدائية، وإيصال مساعدات إنسانية فورية، وتأكيد استئناف محادثات جنيف. هكذا التقط الكبار، كما الصغار، أنفاسهم متفادين صداماً أكبر.

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف سارع إلى القول إنّ تنفيذ وقف العمليات العدائية مهمة صعبة، وإنه يأمل بأن يتمكّن الأطراف المعنيون من تحقيقها خلال أسبوع. هي صعبة لأنها لا تعني وقفاً فورياً لإطلاق النار ما يُضعف فعاليتها. ثم أنها لا تشمل من التنظيمات الإرهابية إلاّ «داعش» و»النصرة»، فهل «أحرار الشام» و»الجيش الإسلامي» تنظيمات سياسية أم إرهابية؟ هذا يستوجب التوافق على تحديد التنظيمات الإرهابية التي كان تعذّر حصرها بقائمة قبل مؤتمر جنيف-3، وليس ما يشير إلى أنّ أطراف الصراع سيتوصّلون بشأنها إلى تسوية.

حتى لو حُصر تنفيذ وقف العمليات العدائية بمناطق خارج سيطرة «داعش» و»النصرة»، فإنّ جدلاً سوف ينشب حول المناطق التي تُعتبر تحت سيطرة هذين التنظيمين الإرهابيين أو تحت سيطرة غيرهما. ذلك لأنّ ثمة تداخلاً في رقعة السيطرة بين التنظيمات المتحاربة.

رافق إعلان قرارات مؤتمر ميونيخ قيام «وحدات حماية الشعب الكردي» بتوسيع رقعة انتشارها ملامسةً محيط بلدة أعزاز على مقربة من الحدود مع تركيا بعدما كانت سيطرت على مطار منّغ في شمال غرب حلب. ذلك أثار قلق تركيا التي تخشى من إقامة كانتون كردي على طول حدودها مع سورية من الحسكة في الشرق إلى عفرين في الغرب، فبادر جيشها إلى قصف الوحدات الكردية في محيط أعزاز ومطار منّغ بالتزامن مع تحذير أطلقه رئيس الوزراء احمد داود أوغلو بأنّ بلاده ستتحرك عسكرياً عند الضرورة ضدّ حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري . غير أنّ ناطقاً باسم الإدارة الأميركية سارع إلى مطالبة تركيا بوقف القصف، خصوصاً بعدما تأكدت معلومات عن تحرك وحدات من الجيش السوري باتجاه محافظة الرقة، معقل «داعش» ومركز «خلافته».

رغم هذه الملابسات والتعقيدات، يمكن استخلاص تفاهمٍ أميركي روسي ضمني على ضرورة تركيز الضغوط العسكرية على «داعش» و»النصرة» لتطهير المناطق التي يسيطران عليها غربيّ نهر الفرات، بما في ذلك مناطق شمال حلب ومحافظة إدلب. لكن ثمة تبايناً بشأن السيطرة على مدينة حلب نفسها، إذ ما زالت واشنطن تمانع تحرير ثلثها المتبقي تحت سيطرة التنظيمات الإرهابية. ذلك انّ سيطرة الجيش السوري على كامل حلب من شأنه تقوية حكومة الرئيس بشار الأسد وتقويض المركز التفاوضي للمعارضة السورية في محادثات جنيف المقبلة.

ما المخرج؟

يُستفاد من تدقيق تحليلات كبار الخبراء الاستراتيجيين في الصحف ومراكز الأبحاث «الإسرائيلية» والأوروبية والأميركية انّ التنسيق الضمني الحاصل بين واشنطن وموسكو بشأن الصراع في سوراقيا وعليها يتجه نحو صفقة متكاملة تتضمّن، افتراضاً، النقاط الآتية:

ـــ تكون لروسيا اليد العليا في سورية عموماً.

ـــ تكون للولايات المتحدة اليد العليا في العراق، باستثناء محافظاته الجنوبية التي تبقى منطقة نفوذ إيرانية.

ـــ تسعى واشنطن إلى إقامة إقليم حكم ذاتي للأكراد السوريين في شمال شرق البلاد فقط في إطار صيغة فدرالية لا تعارضها موسكو شريطة موافقة دمشق.

ـــ تسعى واشنطن إلى إقامة حكم ذاتي يضمّ محافظات العراق الغربية السنّية نينوى وصلاح الدين والأنبار ، وذلك في إطار صيغة فدرالية تضمّ إقليم كردستان ذي الحكم الذاتي في الشمال وإقليم حكم ذاتي للمحافظات الشيعية في الجنوب.

ـــ تبدو موسكو متحفّظة بشأن الترتيبات التي تريدها واشنطن للعراق، وذلك مراعاةً لحليفتها سورية التي ترى في الإقليم السنّي إسفيناً جيوسياسياً وظيفته فصل سورية عن العراق، وبالتالي عن إيران ما يخدم الولايات المتحدة و»إسرائيل».

ـــ تسعى واشنطن إلى الاستعاضة عن مطلب السعودية إزاحة بشار الأسد بتحديد سلطته. ذلك يمكن تدبّره بإقامة «حكومة وحدة وطنية» تكون عضويتها مناصفةً بين أنصار الأسد ومعارضيه، وبوضع دستور جديد للبلاد وإجراء انتخابات ينجم عنها، افتراضاً، توازن في السلطة والنفوذ بين المكوّنات السياسية للبلد. روسيا لا تعارض فكرة حكومة مناصفة وطنية، لكنها تؤيد الأسد في إصراره على تحرير مناطق شرق الفرات من «داعش» بلا قيد ولا شرط.

ـــ تسعى واشنطن، بالتعاون مع موسكو، إلى إقامة هدنة مديدة في سورية يتوقف معها نزوح اللاجئين إلى تركيا وبالتالي إلى دول أوروبا، على ان يواكب ذلك منحُ تركيا دعماً مالياً ضخماً لمواجهة أعباء المليوني لاجئ سوري الموجودين على أراضيها.

ـــ تسعى واشنطن، بالتفاهم مع الأردن و»إسرائيل»، إلى سحب التنظيمات الإرهابية من منطقة الجولان السورية الواقعة تحت سيطرتها مقابل انسحاب مقاتلي حزب الله وضباط الحرس الثوري الإيراني من المنطقة المجاورة.

ما يُنسب إلى الولايات المتحدة من مخططات وسيناريوات يبدو صحيحاً، لكنّه صعب التنفيذ إنْ لم يكن مستحيلاً. فروسيا ليست في وارد مجاراتها في معظم أغراضها، ولا إيران بالتأكيد. إلى ذلك، فإنّ حكومة الأسد تتقوّى باضطّراد مع نجاحات الجيش السوري في شمال البلاد وجنوبها. ثم يجب عدم الاستهانة بقدرات قوى المقاومة في سوراقيا ولبنان، كما لدى الفلسطينيين في وطنهم المحتلّ وشتاتهم. كلّ هؤلاء بمقدورهم تعطيل مخططات واشنطن في المديين المتوسط والطويل.

هذا الاحتمال الراجح يجب ألاّ يوحي بأنّ الصراع يمكن ان ينتهي عند هذا الحدّ. ذلك أنّ المتضرّرين من فشل مخططات تطويع سورية ولبنان يمكن أن يلجأوا إلى ما يظنّون انه ضربة شديدة قاصمة وحاسمة: اغتيال بشار الأسد لتفكيك الجيش السوري وتسريع تقسيم البلاد.

… غير أنّ ذلك ليس بخافٍ عن القيادة المستهدَفة كما عن سائر المستهدَفين.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى