الحكومة “تستفيق” على الموازنة: “الفقر يولد النقار”: عدنان الحاج
قدمت جلسة مجلس الوزراء أمس صورة صارخة عن واقع الدولة اللبنانية، بعد مرور أكثر من 10 سنوات على تعطيل الموازنة العامة، وقرابة عام ونصف العام على الشغور الرئاسي والشلل النيابي والتعثر الحكومي .
ركود اقتصادي، تراجع في ايرادات الخزينة، عجز مالي مستفحل، شهية مفتوحة على الإنفاق لدى الوزراء، شد أحزمة من قبل وزارة المالية.. والحصيلة، مطالب الناس ومصالحهم تدفع الثمن في نهاية المطاف.
ولعل بعض الأرقام أبلغ من الكلام: حجم النفقات المقدرة لسنة 2016 يعادل 23 ألف مليار ليرة، فيما تراجعت المداخيل قرابة 7 بالمئة نتيجة الجمود الاقتصادي، وبالتالي فإن أقصى الطموح بات التكيف مع نسبة النمو المتراجعة والحفاظ على نسبة العجز، في انتظار إقرار مشروع الموازنة المؤجل منذ العام 2005!
ولان «الفقر يولد النقار»، فإن العديد من السجالات سُجلت خلال جلسة مجلس الوزراء، حيث وقع سجال بين وزير المالية علي حسن خليل ووزير التربية الياس بوصعب، استمر عبر «تويتر»، على خلفية عدم تثبيت الاساتذة المتعاقدين، بعدما اتهم بوصعب وزير المالية بالتجاهل المتعمد لهذا الملف لأسباب سياسية منذ ستة أشهر، برغم انه بعث بمراسلة رسمية بهذا الصدد، محذرا من انه اذا لم يقر هذا الموضوع فسيضطر الى الطلب من هؤلاء الأساتذة وقف التدريس. فرد وزير المال مؤكدا انه لم يتسلم طلب صرف السلفة، وان التأخير لا يتعلق بتصفية حسابات سياسية أو نيات مبيتة، بل بحاجته الى التدقيق في الملف ودراسته وفق الأصول بعد أشهر من تعطيل عمل مجلس الوزراء.
وعلى جبهة أخرى، سُجل «احتكاك» بين وزير الدفاع سمير مقبل ووزير الصحة وائل ابو فاعور بعدما حذر الاول من تداعيات عدم الاستجابة لاحتياجات الجيش، فرد الثاني داعيا إياه الى الكف عن التهديد والتهويل، «مع حرصنا على تأمين كل متطلبات الجيش».
وإزاء تحلل مؤسسات الدولة، قال خليل لـ«السفير» إن استلامه وزارة المالية سمح له بأن يطل على الدولة من الداخل، محذرا من ان مؤسسات الدولة تتلاشى، ما أوجد حالة من التسيب، شكلت بيئة حاضنة لمخالفات وتجاوزات في التلزيمات والمشاريع، لافتا الانتباه الى ان غياب الرقابة البرلمانية بسبب تعطيل مجلس النواب، وتحول الوزراء الى رؤساء للجمهورية تسببا في تفاقم الخلل، ومشددا على ان المعالجة تبدأ ماليا من إقرار الموازنة، وسياسيا من انتخاب رئيس الجمهورية الذي من شأنه أن يعيد الانتظام العام الى عمل المؤسسات.
وفي سياق متصل، أبلغ وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس «السفير» ان هناك متعاقدين مع الوزارة لم يقبضوا مخصصاتهم منذ 11 شهرا، محذرا من ان مجلس الوزاء أصبح أشبه بحافلة، يريد كل وزير أن يأخذها في اتجاه، ويحاول كل منهم ان يضع يده على المقود حتى يتحكم بالمسار، ما يؤدي الى ترنح الحافلة. وأضاف: أما الدولة فهي باتت أقرب الى سفينة تعتمد حتى الآن على العناية الالهية ورأفة الموج لتجنب الغرق، إذ لا قبطان يقودها، ولا رادار يوجهها، ولا جهاز إرسال يسمح بطلب النجدة، ولا محرك يعمل طبيعياً.
جلسة الحكومة
عاد مجلس الوزراء أمس، للبحث في الوضع المالي من باب المطالبات الوزارية باعتمادات إضافية، من دون النظر إلى الخلفيات التي تسبب تضخم العجز والمديونية العامة، وبمعزل عن إمكانية تحسين العائدات في ظل الوضع الاقتصادي المتردي في مختلف القطاعات، وسط غياب الموازنة العامة، فيما لوحظ غياب أي طرح حول زيادة سعر صفيحة البنزين، بعد مداخلات وزارية أكدت رفض تحميل المواطن أية أعباء إضافية.
وفي معلومات «السفير» أن وزير المالية واجه جملة مطالبات من الوزراء باعتمادات إضافية بمئات المليارات، فأكد خليل ضرورة العودة إلى مناقشة مشروع الموازنة للعام 2016، لا سيما أن لبنان يفتقر الى موازنات منذ سنوات ويعتمد في الإنفاق القاعدة الاثني عشرية، منبّهاً الى أن الاعتمادات الملحوظة سابقاً لم تعد كافية لتغطية الطلبات المستجدة من العديد من الوزراء الذين لا ينظرون سوى لتلبية الاحتياجات في وزاراتهم بمعزل عن المخالفات القانونية والمالية التي تنمي العجز والمديونية العامة.
ووفق أرقام مشروع موازنة وزارة المالية للعام 2016 والتي تنطلق من مشروع العام الماضي، فإن النفقات مقدرة بحوالي 23 الف مليار ليرة (حوالي 15.3 مليار دولار)، والعجز يقارب 6700 مليار ليرة، أما الايرادات فتقدر بحوالي 16500 مليار ليرة.
وإزاء طلب نفقات إضافية من دون وجود عائدات كافية تغطيها، أكد خليل انه لن يتجاوز السقف القانوني ولن يقبل بإصدار سلف خزينة مخالفة للقانون، وفي الجانب المالي شدد على وجوب عدم زيادة العجز بإنفاق إضافي سيضطرنا الى طرق باب الاستدانة أو باب الضرائب في ظل عدم وجود إمكانية لزيادة الايرادات للدولة، معتبرا أن أي مناقشة للمطالب المالية والنفقات الجديدة تتطلب البت في الموازنة العامة، منعاً لتفاقم العجز والمديونية العامة تفاقماً كبيراً.
ويأتي هذا الواقع في ظل توظيف إضافي لحوالي ثلاثة آلاف عسكري و2500 دركي إضافة إلى توظيفات في الأمن العام. وهذه التوظيفات تزيد كلفة الرواتب والأجور في الدولة حوالي 8.7 في المئة وتحتاج الى تمويل إضافي، من دون الاشارة إلى احتياجات تثبيت متعاقدي الدفاع المدني الذي ستظهر نتائجه خلال وقت لاحق في الموازنة. بمعنى آخر إن الخزينة بحاجة إلى نفقات إضافية بحوالي 700 إلى 800 مليار ليرة.
ورد ا على سؤال لـ «السفير» حول وجود إصدارات جدية لتمويل احتياجات الإنفاق، قال خليل ان وزارة المالية تعمل على تجديد استحقاقات طلب الاكتتابات بسندات الخزينة بالليرة اللبنانية في حدود الاستحقاقات من دون زيادات أو إصدارات جديدة، مؤكدا أن أي نفقات إضافية تحتاج الى مصادر تمويل جديدة وهي ستؤدي بالتأكيد إلى زيادة العجز من جهة، وزيادة المديونية العامة من جهة ثانية، في ظل عدم وجود موازنة عامة، وفي ظل محاولات الوزراء تخطي الاعتمادات الموجودة.
يذكر أن ديون الدولة تتخطى حالياً من السندات 37 مليار دولار، القسم الأكبر منها بالليرة اللبنانية. كما يشار إلى أن حصة مصرف لبنان من سندات الليرة تشكل حوالي 40 في المئة وهي كانت حوالي 28 في المئة خلال السنتين الأخيرتين.
تجدر الاشارة الى ان مجلس الوزراء أقرّ من جدول أعماله مرسوم هيكلية الدفاع المدني والتوصيف الوظيفي فيه، وسلفة خزينة بقيمة خمسين مليار ليرة لشراء ذخيرة للجيش.
(السفير)