لمَ التهويل بالتدخل العسكري في سورية؟ …وما مصيره؟ امين محمد حطيط
في الأسبوع الماضي وقبل ان يطلق السعوديون والاتراك تهديدهم بالتدخل العسكري المباشر في سورية، كنت وعلى إثر الانتصارات الكبرى التي حققها الجيش العربي السوري مع حلفائه، عرضت لهذا الامر ضمن فرضية من ثلاث تصورت ان منظومة العدوان على سورية يمكن ان تلجأ اليها في مواجهة الانهيار المتعدد الابعاد الذي لحق بالجماعات المسلحة والإرهابية، وفي سياق المناقشة خلصت يومها الى استبعاد هذه الفرضية، لكن وبعد يومين جاء الموقف السعودي الذي اظهر الاستعداد للأمر، فهل ان التهديد جدي قابل للتنفيذ؟
قبل الإجابة ،لا بد من التذكير بان المشهد الذي بات عليه الميدان السور ينبئ بان نتيجة المواجهة باتت محسومة ضد الإرهاب و من يديره و يستثمر به على الأرض السورية ،و بالتالي و بعد السيطرة على الحدود مع لبنان و الاستدارة التي فرضت على الأردن و قلصت المخاطر الاتية عبر الجبهة الجنوبية ، و بعد الإنجازات الاستراتيجية التي تتحقق في جبهة الشمال من ريف اللاذقية الشمالي الى ريف حلب الشرقي وصولا الى الإنجاز المفصلي البالغ الأثر المتمثل بكسر الحصار عن نبل و الزهراء والذي ارسل رسالة واضحة بان اغلاق محاور تحرك الإرهاب من تركيا الى سورية بات قريبا ، و بات عزل العامل التركي عن الميدان السوري امرا اقرب الى الحقيقة و التنفيذ من أي وقت مضى ، ان في هذا المشهد يكمن السبب و تتجسد خلفية التهديد السعودي -التركي بالدخول الى سورية عسكريا بالقوات الذاتية للبلدين .
لقد استشعرت تركيا والسعودية الخطر من احتمال إتمام السيطرة السورية على الحدود الشمالية مع تركيا لان ذلك يعني قطع اليد الأجنبية ومنعها من العبث في الداخل السوري، ما يقود الى انهيار العدوان كليا وادخال رعاته ومنفذيه في وضع لا يقوون فيه على معالجة هزيمة ذات طبيعة استراتيجية، هزيمة فيها القضاء على أحلام راودت أصحابها، والاجهاز على فضاءات استراتيجية عملت على امتلاكها. ولان ذلك يرعبهم فقد سارعوا الى منع انطلاق المباحثات بين الحكومة السورية ومن اسموهم معارضة، حتى لا يضطر منخوبوهم الى أروقة التباحث والمتحركين تحت تسمية “الهيئة العليا للمفاوضات”، حتى لا يضطرون الى التوقيع على هزيمتهم لذلك كان المخرج لديهم بتعليق التباحث في جنيف لأسابيع ثلاثة، قابلة للتمديد، مدة يعولون عليها لوقف الانهيار في الميدان، وإبقاء شيء ما في اليد الإرهابية حتى يصرف في الحل السياسي.
لقد اتجهت السعودية ومعها تركيا الى التهديد بالتدخل العسكري آملين من هذا الامر تحقيق اهداف ثلاثة: الضغط لوقف اندفاعة الجيش العربي السوري وحلفائه في الميدان، رفع معنويات الجماعات المسلحة الإرهابية المنهارة والتي تتساقط المناطق من يدها بشكل متلاحق منذ خمسة أشهر، اثبات القوة والإرادة على التدخل العسكري الذي يمنع تحقق الهزيمة. ويبدو ان السعودية كما تركيا تريدان الإيحاء بانهما لن تنتظرا اقفال الحدود مع تركيا حتى تتدخلا، لانهما تعلمان ان ذاك الاقفال الذي سيتحقق عند وصول الجيش العربي السوري الى الحدود الشمالية سيعني استحالة الدخول او تبريره أصلا ان لم يكن منسقا مع الحكومة السورية الشرعية التي يحاربونها. اما قبل الاقفال فانهم يظنون ان بإمكانهم ارسال قواتهم المسلحة بذريعة محاربة داعش وتحت عنوان التحالف الدولي المزعوم الذي تقوده اميركا.
اما اميركا التي تتعامل مع الوضع ببراغماتية وغموض مربك لاتباعها (وهو لا ينطلي على محور المقاومة وحلفائه) فأنها وبعد تعليق مباحثات جنيف بقرار منها (هذه الحقيقة) تريد كما يبدو او على الأقل تحاول ان تنشئ في سورية منظومة قتال توازي منظومة الدفاع السورية يكون فيها قوات برية مدعومة بقوات جوية تعملان بشكل منسق يمكنهما من السيطرة على الأرض، وبالتالي تريد اميركا اوعلى الأقل تفكر برسم خط احمر امام القوات السورية المندفعة في الميدان للإجهاز على الإرهاب
تريد اميركا ان تمسك بأرض تستعملها كأوراق تفاوضية تمكنها من الحصول على مكاسب في سورية لدى رسم خطوط الحل السياسي ولذا وبعد ان جاهرت بدعم الاكراد، تريد ان تحتفظ لإرهابيها من فصائل تكفيرية بمنطقة تمتد من شرقي منبج الى الرقة فدير الزور وتدمر تكون متصلة بالأنبار في العراق، لتساوم عليها. وترضي بها السعودية لاحقا وبالتالي لا تجد اميركا ضيرا من التهديد بالتدخل العسكري من قبل اتباعها الاتراك والسعوديين في منظومة الاجرام الاخواني-الوهابي، تلويح بالتدخل الذي وان لم يتحقق فقد يستعمل على الأقل وسيلة ضغط وابتزاز لسورية وأداة لرفع معنويات الجماعات الإرهابية المنهارة، تريد اميركا ذلك لأنها تخشى ان تفقد في الأشهر الأربعة المقبلة أي فرصة او إمكانية للعبث في الميدان السوري بشكل مؤثر.
وإذا كانت هذه هي الخلفية والأسباب التي حملت على المجاهرة بالتدخل العسكري في سورية والذي اسموه انه سيكون ضد داعش، وهي مزحة سمجة تضحك الثكلى، ولن تجد من يصدقها الا من كان في صفوف البلهاء، فتدخلهم هو قطعا وبغير نقاش ضد سورية وحلفائها لمنعها من الاستمرار في حصد المكاسب الميدانية، فاذا كانت دوافعهم كذلك فهل هم قادرون على التنفيذ؟
كما ذكرت في الأسبوع الماضي، فاني استبعد هذا العمل الجنوني الذي وفي ظل الواقع القائم يستحيل تنفيذه من غير ان يكون فيه انتحار للفاعل دون ان يكون فيه أي فرصة او احتمال لتحقيق شيء ما على الأرض لأسباب مختلفة منها ما يتعلق بالمهاجم المعتدي، ومنها ما يتصل بقدرات بالمدافع.
فبالنسبة للمعتدي ، يعني السعودية و تركيا ، نجد ان الأولى هي من العجز العسكري في حد لا تقوى فيه على حماية حدودها في مواجهة اليمنيين المحاصرين رغم امتلاكها سيطرة جوية مطلقة ، و بالتالي سيكون هدرا للوقت ان نفكر بقدرة عسكرية لدى من تستأجرهم السعودية على سبيل الارتزاق ، و نحن و من منظور عسكري لا نرى ان في السعودية جيش بل هناك بشر معهم سلاح و يفتقدون الى الخبرة و إرادة القتال اما المرتزقة فالتاريخ العسكري يشهد ان أحدا منهم لم يربح حربا و لو كانت السعودية تحرص على سمعتها و لا تريد ان تستدرج هزء العارفين و سخريتهم لما كانت هددت بعمل لا تتقنه و يفوق طاقاتها .
اما تركيا ودون ان نناقش كثيرا في شبكة التعقيدات الذاتية التي تحول دون قيامها بالعمل العسكري العدواني الواسع يكفينا ان نحيل الى ما تردد في الاعلام الغربي من رفض القيادة لعسكرية التركية واركانها لأي عمل بري جدي داخل سورية لأنه في الواقع المتشكل سيكون انتحارا ويقدم الراس التركي فيه “للعدو الروسي” دون ان أمل بمساعدة من الحلف الأطلسي الذي لا يتدخل حسب ميثاقه الا من اجل الدفاع فاذا كانت تركيا في الهجوم فإنها لن تلقى مساعدة ولنتذكر كيف سحب الباتريوت منها.
اما بالنسبة للمدافع، فأننا بعد التذكير بقدراته العسكرية التي مكنته من تحقيق الإنجازات التي صدمت المعتدي، نشير الى الموقف الحازم بالمواجهة الدفاعية الساحقة لأي عدوان وهنا يجب ان يتوقف المراقب عند عبارات وزير الخارجية السوري وقائد الحرس الثوري الإيراني الأخيرة والتي اكدت على سحق أي تدخل عسكري أجنبي على الأرض السورية، ومن يدخل سورية معتديا لن يخرج منها الا بصناديق الخشب التي تقوض عرش من أرسله.
بعد كل هذا اعود واكرر ما كنت ذكرته سابقا انني استبعد التدخل العسكري الذي لوح به العاجز السعودي والخائف التركي ولا ارى هذا التهديد الا من قبيل الضغط والابتزاز، لوقف العمل العسكري السوري ولكنني لا أتوقع ان يحقق هذا التهويل شيئا من أهدافه.